إبعاد اردوغان عن السياسة الخارجية.. رهان المعارضة التركية القادم

30
_55324_65
أحلام أردوغان تهوي الواحد تلو الآخر

 أربكت النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات البرلمانية التركية الأخيرة، حزب العدالة والتنمية الذي لم ينل ثقة الناخبين التي كان ينتظرها، والتي كان يعول عليها زعيمه رجب طيب أردوغان لينفرد بالحكم. انتكاسة انتخابية مُني بها إسلاميو تركيا يبدو أنها فتحت عليهم باب خريف طويل من التقهقر، تفيد مؤشرات عديدة بأنّ أوّل فصوله ستتعلق بتحجيم دور الحزب وزعيمه تدريجيا في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، وفق دراسة للباحث محمد عبدالقادر خليل صادرة عن المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة.

ارتبط مسار السياسة الخارجية التركية النشطة حيال الشرق الأوسط طيلة السنوات الماضية، بطبيعة التطورات المحلية التي تمثّلت في الحضور السياسي القوي لحزب العدالة والتنمية، والذي استطاع من ناحية أن يضمن استقرارا سياسيّا صاغته القدرة على تشكيل الحكومات التركية منفردا، والسيطرة شبه المطلقة من ناحية أخرى على الجمعية الوطنية التركية، وهو ما أفضى إلى إضعاف كافة مراكز القوى القديمة عبر سياسات تدريجية موجهة، بما ضاعف من حضور تركيا الاقتصادي وثقلها التجاري على مستوى الإقليم.

التزاوج بين الاستقرار السياسي والتقدم الاقتصادي انعكست ثماره على حركة السياسة الخارجية التركية، ورسم ملامحها، بما جعل تركيا قوة إقليمية تدخلية في مسار غالبية التفاعلات والتطورات في الإقليم، وعلى ساحات العديد من دوله.

بيد أن انتخابات السابع من يونيو 2015، بدت كاشفة وليست مُنشئة لحقيقة أنّ هذا المحرك ثنائي الدفع بات لا يعمل بذات الكفاءة، بما من شأنه أن يؤثر على مسار التفاعلات السياسية خلال المرحلة المقبلة، خصوصا أن نتائج الانتخابات التي منحت حزب العدالة والتنمية نحو 258 مقعدا، حالت دون قدرته على تشكيل الحكومة منفردا.

وقد أحبطت النتائج مشروعات حزب العدالة والتنمية السياسية الخاصة بالتحول للنظام الرئاسي الذي كان يبتغيه رئيس الجمهورية، رجب طيب أردوغان، والذي اضطلع بأدوار رئيسية في تحديد ملامح سياسة تركيا الخارجية، بما شَكَّلَ أحد مدخلات هذه الانتخابات، وأحد محركات نتائجها.

التغيرات المحتملة

 

_14349018508
دولت بهجلي: من خسر الانتخابات هو أردوغان، وعليه أن يستقيل من رئاسة الجمهورية

لم تكن قضايا السياسة الخارجية التركية خارج سياق الانتخابات البرلمانية وحملاتها الانتخابية، وبعدها، على الرغم من أن ملفات الاهتمام بتطورات وأحداث الساحة المحلية حظيت بالنصيب الأكبر من الاهتمام، وهو ما يوحي بحدوث تحولات كبيرة بفعل التطورات التي تمخضت عن نتائج الانتخابات في المستقبل القريب. ويعدّ تأثر مسارات السياسة الخارجية التركية بطبيعة التطورات المحلية التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة، إلى حدّ الآن، السيناريو الأقرب للتحقق، وذلك بالنظر إلى العديد من الاعتبارات:

أولا، الاستعداد لانتخابات مبكرة: حيث تُشير الخبرة التاريخية التركية إلى أنه لا حكومة ائتلافية قد أكملت مدتها الدستورية، وأن الحكومات الائتلافية تمثل المراحل السابقة لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، وهو الأمر الذي يعني أن الأحزاب الأربعة الممثلة في البرلمان التركي، ستعتبر أن تصريحات قاداتها وسياساتها جزء من الحملات الانتخابية للانتخابات القادمة، وقد يفسر ذلك إعلان غالبية أحزاب المعارضة رفضها سياسات حزب العدالة والتنمية الخارجية.

* ثانيا، ضعف حزب العدالة والتنمية: على الرغم من أنّ حزب العدالة والتنمية خرج من الانتخابات الأخيرة بالأغلبية النسبية، فإنّه يُعدّ الخاسر الأكبر فيها، كونه فقد الأغلبية البرلمانية المُطلقة من ناحية، واضطر تاليا إلى الدخول في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية، بما يعني استعداده لتقديم تنازلات لن تقتصر على ما أعلنه من استعداد للتخلي عن رئاسة البرلمان للحزب الذي سيتحالف معه، وإنما سيرتبط كذلك بملفات السياسة الخارجية، وهو ما يوحي بأنّ المقايضة على ذلك ستكون صعبة ومرفوضة من قبل أحزاب المعارضة.

ذلك أن المناقشات والسجالات الحزبية لن تقتصر على الشأن المحلي، وإنما ستأتي في سياق الأحداث المتفاقمة في دولَتَيْ الجارين (السوري والعراقي)، بما يجعل كافة الأحزاب ستعمل من ناحية للضغط المركب على حزب العدالة والتنمية من خلال إعادة فتح ملفات الفساد على الساحة المحلية، وفتح تحقيق بشأن دعم الحكومة التركية لتنظيمات إرهابية في سوريا.

* ثالثا، اتفاق المعارضة على تحييد أردوغان: كانت الانتخابات الأخيرة في جوهرها أقرب إلى استفتاء شعبي على تحويل النظام السياسي التركي إلى النظام الرئاسي، خصوصا بعدما تخلى أردوغان عن مقتضيات منصبه ومحدداته الدستورية، وخاض بذاته حملات الترويج لحزب العدالة والتنمية، وذلك في محاولة لأن يبقى في الحكم لمدة تصل وفق خططه إلى نحو 22 سنة، على أن يترافق ذلك مع صلاحيات مطلقة لتتحول تركيا من حكم الحزب الواحد إلى سلطة الفرد الواحد.

بيد أن النتائج قطعت الطريق على مخططات أردوغان، بعدما صوت الناخبون على نحو غير مباشر لخيار الجمهورية البرلمانية. وقد طالب أغلب رؤساء أحزاب المعارضة بضرورة “تحييد أردوغان” وإبعاده عن رسم السياسات المحلية والخارجية، بل وطالب البعض باستقالته. وتبرز في هذا الشأن تصريحات رئيس حزب الحركة القومية المعارض، دولت بهجلي، الذي قال “من خسر الانتخابات هو أردوغان، وعليه أن يستقيل من رئاسة الجمهورية”.

هذه التطورات المتلاحقة تُشكِّل محركا رئيسيّا لتحديد معالم السياسة الخارجية، خصوصا أن أردوغان لعب الدور الرئيسي في صياغة معالم هذه السياسة حينما كان رئيسا للوزراء، ولم يتخلَّ عن هذا الدور حينما انتقل إلى رئاسة الجمهورية، وهو الأمر الذي أوجد تناقضا بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، دفع دائما الأول إلى إعادة تكييف مواقفه لتنسجم مع سياسات وتصريحات الثاني.

المعارضة

_14349018916
صلاح الدين دميرتاش:سنجعل الأسد الذي يزأر داخلك مجرد قطة صغيرة

على الرغم من أن شروط حزب العدالة والتنمية لتدشين ائتلاف حزبي مع أيّ من أحزاب المعارضة أوضحت ضرورة احترام “شرعية أردوغان”، باعتبارها “غير قابلة للنقاش”؛ فإن ذلك يُشير بوضوح إلى أن معركة إبعاد أردوغان ستكون أهم معارك المعارضة مع حزب العدالة والتنمية. وقد عبر عن ذلك مؤخرا صلاح الدين دمرتاش زعيم حزب الشعوب الديمقراطية الكردي، حينما قال إن زمن ما وصفها بـ”غطرسة” الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد انتهى إلى غير رجعة. وقال دمرتاش في كلمة بعد إعلان نتائج الانتخابات التركية “على أردوغان أن يخاطبنا الآن من منطلق المساواة، والكرد ينتظرون منا حلولا”. وأكد قائلا “نحن حزب الشعوب الديمقراطية، سنجعل الأسد الذي يزأر داخلك مجرد قطة صغيرة”.

وتُبدي مختلف أحزاب المعارضة مواقف متحفظة على مسارات السياسة الخارجية التي أفضت إلى عزلة تركيا على المستوى الإقليمي، بسبب انحيازاتها إلى جماعة العنف الإرهابي، وتحول الأراضي التركية إلى ملجأ للمعارضات الإسلامية في الإقليم، بما ساهم في توتر علاقاتها السياسية والاقتصادية والإقليمية مع العديد من الدول.

وقد أبدت كافة أحزاب المعارضة مواقف مناقضة لسياسات حزب العدالة الخارجية، سواء على مستوى التصريحات الرسمية قبيل الانتخابات، أو على مستوى البرامج الانتخابية. كما أعادت هذه الأحزاب تأكيد مواقفها المعارضة لسياسات تركيا الخارجية بعد ظهور نتائج الانتخابات.

وشملت هذه المواقف رفض استضافة المعارضة السورية وعناصر جماعة الإخوان، وكذلك رفض الاستمرار في اتباع سياسات تدخلية في شؤون دول الإقليم. وفي هذا السياق برزت على سبيل المثال تصريحات زعيم حزب الشعب الجمهوري، كمال كيلجدار أوغلو، الذي وعد في حملته الانتخابية بإعادة السوريين إلى سوريا في حالة فوزه بالانتخابات. وقد أشارت بعض وسائل الإعلام إلى بداية العد العكسي لانتهاء المأزق التركي، والخروج إلى حد كبير من المستنقع السوري، أو كما بات يسميه البعض الخروج من “فيتنام” المحتملة لأنقرة.

وفي ما يتعلق بحزب الحركة القومية فإنه يعارض بشدة سياسة أردوغان الخارجية، ويدعو إلى وقف التدخل التركي في شؤون الشرق الأوسط، خصوصا في سوريا، والذي لا يخدم في رأيه سوى مشروع الشرق الأوسط الكبير للولايات المتحدة، وهو الأمر الذي يُبديه كذلك حزب الشعوب الديمقراطية الذي يُعارض سياسات تركيا في الإقليم بالمطلق، خصوصًا حيال الكرد في سوريا والعراق. كما ترفض هذه الأحزاب لعب تركيا على وتر “القيادة السنية” في المنطقة أو رعاية ما يُعرف بـ ”الإسلام المعتدل” وتياراته.

 

العرب اللندنيّة

 

التعليقات مغلقة.