“وحشـة” زاوية يكتبها: الكاتب طـه خليل

49

طه خليل

بعد التغييرات الطاحنة التي مرت بها المنطقة، ومنذ بداية الألفية، تبدلت الكثير من القيم والمفاهيم وعلى كل الأصعدة، لا سيما في الجانب الثقافي وعند الكرد أيضاً الذين تحولوا بقدرة قادر، وبعض فطاحل التملق الى ” كورد” و” كوردستان ” بدلا من كرد وكردستان.

وبهذا المعنى تجمع أغلب العاطلين عن العمل وقرروا فجأة أن يتحولوا الى كتاب وشعراء وسياسيين وبالطبع صحفيين، وكانت عدة هؤلاء بطاقة انترنيت، و” تطويل شعر” ومحفظة تعلق على الكتف، وعدة موبايلات، وتبدأ الرحلة العجيبة للإبداع.

كنت أراقب الأجواء، فأقرأ كثيرا: ” فوز الشاعرة ” الكووردية ” جقجرزى مثلا ” بجائزة أفضل شاعرة لعام 2009 وبالتالي دعوتها الى إمارة عجمان مثلا لاستلام الجائزة، وكذلك فوز الروائية ” الكوردية شواتا دلى كردستان ” مثلا بجائزة الرواية لعام 2010 في قطر، وفوز الشاعر” بافى ديوار بسرده كتي ” بجائزة الشعر العالمية ودعوته إلى طيزو اوزو في الجزائر لاستلام درعه… وكذلك خبر يقول: اختار اتحاد الصحفيين والكتاب والمثقفين العالميين الصحفي الكوووردي ” شرفانى تختكا” ممثلا له في الشرق الأوسط. وهكذا.

هؤلاء طبعا وأغلبهم ممن أنعم عليهم المهربون وأوصلوهم بسلام لبلاد المهجر، دون أن يموتوا جوعا في غابات بلغاريا، أما من تبقى هنا في روجآفايي كردستان ( من هؤلاء ) فقد صار صحفيا وإعلاميا ومراسلا لدى القنوات ” الكوردية” لفضح ممارسات حزب الـ (PYD) او الآساييش القمعي له مثلا.. وبالطبع يحمل رخصة ممارسة العمل من نفس هؤلاء الآساييش.! و من صار مذيعا لبرامج تلفزيونية عن الفن التشكيلي والكتابة والنحت، والكمنجة، فيتلقف أي عاطل عن العمل ويتحفنا به آخر الليل في برنامجه ليتحدث عن آراءه في الحداثة وما بعد الحداثة والاستشراق والاستغراب ولا بأس أن يتحفنا بين الحين والآخر بسيرته الذاتية التي لا تتعدى :” ولدت في قرية… وجئت من الغبار لألملم انفاس الضفادع وأنثرها على هبقة الفشترة ، حيث انني ملزم بقضايا شعبي ومصير كوردستان الغارق في وركنة الحمأة .. نعم وركنة الحمأة “. مثلا .. مثلا.

إنها وحشة الحرب والثورة أيها الاصدقاء، وحشة الدنيا كلها، وحشة الخراب الروحي والفكري والمعرفي التي جلبتها سكاكين وسيوف ” ثوار الربيع العربي ” ولأن الكرد مسالمون ومثقفون ولا يجزون الرقاب، فلابأس من جز أرواحنا آخر الليل بقصائد تشبه ذرق الدجاج ايام الأنفلونزا.

وكي نبعد عنا الوحشة هناك شعراء وشاعرات كرد، وكتاب، وفنانيين كبار يجفون في العتمة الكردية، وتحتفي بهم عواصم بعيدة، سلاما للمبدع الكردي الصامت والحزين.

زاوية يكتبها الكاتب طه خليل لصحيفة “Buyerpress” نُشرت الزاوية في العدد (20) 2015/6/1

التعليقات مغلقة.