لصناعة قنبلة نووية بحث عنها “داعش” في سوريا.. “الزئبق الأحمر”

403

الزئبق الأحمر واحدة من أكثر المواد إثارة للجدل، اسمه من أكثر المصطلحات التي يعود الناس إليها بالبحث والتدقيق لمعرفة حقيقتها؛ فتارةً ترتبط بالأسلحة النووية وأخرى تجدها في السير والأحاديث الشعبية بين المصريين تحديداً، وحتى على منصات الأخبار العالمية الغربية تجدها مقترنة بتنظيم “داعش”.

 

المادة المثيرة للجدل لها تاريخ قديم يعود لتفكك وانهيار الاتحاد السوفييتي في مطلع التسعينيات، وفي وقت من الأوقات تسببت في حُمى التنقيب عنها في رفات المومياوات المصرية، وخاصة في مطلع الألفينات، وإذا كنت تتساءل مثل الكثيرين حول ماهية الزئبق الأحمر، إذا ما كانت بالفعل حقيقية أم لا، فهنا سنتعرف على بداياتها وحقيقتها.

 

هل الزئبق الأحمر حقيقي؟

أجاب أكثر من مصدر بالفعل على هذا السؤال بأنه لا توجد مادة حقيقية اسمها الزئبق الأحمر، وهي أسطورة بدأت في الاتحاد السوفييتي قديماً، كما أجاب المتحدث الرسمي باسم وكالة الطاقة الذرية في حديثه مع صحيفة الغارديان البريطانية عام 2004، واصفاً الأمر بأنه كله “عبث” غير حقيقي في علوم الذرة والطاقة النووية؛ فكيف بدأت الأسطورة؟

 

بداية الأسطورة.. قُبيل انهيار الاتحاد السوفييتي

بدأت أسطورة الزئبق الأحمر عام 1991 معلومة استخباراتية حصل عليها جهاز مخابرات تشيكوسلوفاكيا (إحدى الدول المتأثرة بسيطرة الاتحاد السوفييتي) بأن هناك عملية سرية لنقل 60 كيلوغراماً من مادة غامضة قالت المعلومة إنها تسمَّى “الزئبق الأحمر” إلى جهات غير معلومة خارج الاتحاد السوفييتي، وكانت محفوظة في حاوية أسمنتية مبطنة بمادة عازلة للإشعاع النووي.

سرعان ما التقط الخبر إحدى جرائد ذات الانتشار المحدود آنذاك ونشرت تحقيقاً مفبركاً بناءً على المعلومة، أوردت فيه بشكل عابر أن الحكومة السوفييتية عازمة على تلبية طلبات الزئبق الأحمر لدول أجنبية راغبة في التسلح النووي، وأوردت الصحيفة في تحقيقها أن شركة الصناعات والأبحاث الكيميائية  “ألكور” Alkor هي التي وراء هذا المُركب الذي “سيقلب موازين الطاقة”.

 

ومن الطريف بحسب موقع راديو أوروبا الحرة، أن أحد المتعاونين عن قرب مع هذه الشركة التي ارتبط اسمها بالزئبق الأحمر كان هو ضابط الاستخبارات السوفييتية السابق ورئيس روسيا الحالي: “فلاديمير بوتين” نفسه.

 

كما ذكرت الصحيفة الروسية في تحقيقها أن سعر الكيلوغرام الواحد من الزئبق الأحمر يتراوح سعره من 200 إلى 400 ألف دولار.

 

ونتيجة لهذه الواقعة انتشرت بعدها أخبار الزئبق الأحمر في أرجاء جمهوريات الاتحاد السوفييتي المنهار، وبدأت تحريات واسعة تنتشر حولها، خاصة أن العديد من جنرالات الاتحاد السوفييتي شرعوا في التربح من وراء صفقات سرية لبيع الترسانة النووية السوفييتية، بجواد المواد الثمينة والاستراتيجية من الذهب والبلاتينيوم واليورانيوم، وهو ما أوحى للجميع في العالم بأن الزئبق الأحمر من بين هذه المواد التي يتاجر فيها جنرالات الاتحاد.

ووصل الغموض حول مادة الزئبق الأحمر إلى أقصى درجاته في منتصف التسعينيات، إلى أن عبَرت أخبار الزئبق الأحمر المحيط إلى عدو السوفييت اللدود: أمريكا.

 

وبالفعل تحرّت الاستخبارات الأمريكية حول المادة المثيرة للجدل، وبدأوا في تحذير عملائهم من أن السوفييت يحاولون الاحتيال على الحالمين بالقوة النووية وأسرارها في العالم.

 

من شرق أوروبا إلى مومياوات مصر القديمة

في مطلع الألفينات، وفي قرى الصعيد وبطريقة ما نبتت أسطورة الزئبق الأحمر من العدم، ولا يعرف أحد حتى اليوم كيف بدأت ومن بدأها؛ كل ما انتشر آنذاك أن هناك مادة تسمى الزئبق الأحمر استخدمها المصريون القدماء في التحنيط، ولها قدرات خارقة مثل تسخير الجان، وأنها باستطاعتها أن “تتجه” وحدها كالمغناطيس أو البوصلة إلى أماكن الكنوز الذهبية.

 

وتطورت الشائعة إلى أن هذه المادة تتواجد داخل مومياوات ملكية بعينها في شكل حاوية مضغوطة صغيرة بحجم أمبولة الدواء وسميت شعبياً بين الباحثين عن الآثار باسم “البلحة”؛ نظراً لتشابهها مع التمرة الطازجة الحمراء، وأن سعر الغرام الواحد منها يصل إلى آلاف، بل ملايين الدولارات أحياناً.

 

انتشار الاحتيال باسم المال

وسرعان ما أشعلت هذه الشائعة أطماع الباحثين عن المال والربح السريع، وبدأ التنقيب غير الشرعي عن الآثار يتصاعد بسرعة كبيرة بغية الوصول لهذا المادة.

 

وبخلاف هذا  بدأ الكثيرون  في استغلال جهل البعض الآخر وأطماعهم، والاحتيال على الراغبين في الحصول على الزئبق الأحمر عن طريق تزييف أمبولات زجاجية مليئة ببرادة الأحجار الممغنطة والصبغة الحمراء، وبيعها على أنها المادة المنشودة، محاولين استغلال جهل البعض الخواص المغناطيسية للمعادن.

بجوار شائعة أخرى غريبة، كانت عندما تفنن البعض في الاحتيال بمحاولة إقناع الطامعين بأن أمبولات الزئبق الأحمر متواجدة في داخل أجهزة التلفزيون القديمة، نظراً لتشابه أنابيب الضغط المفرغ داخلها مع أمبولات الزئبق الأحمر.

 

“داعش” يسعى وراء الزئبق الأحمر

في أواخر عام 2015 نشرت صحيفة نيويورك تايمز قصةً مطولةً منقولةً عن مصادر داخل سوريا  بأن أحد المندوبين عن قادة تنظيم “داعش” التقى  في بلدة تل أبيض قرب الحدود مع تركيا مع أحد الموردين للبضائع، وأخبره -بحسب وصف التحقيق- أن تنظيم داعش يريد شراء “الزئبق الأحمر”، ووصفت مصادر أخرى بأن التنظيم كان راغباً في الحصول على الزئبق الأحمر لإجراء اختبارات عليه من أجل تصنيع قنبلة ذات قدرة نووية.

 

انبرت بعض الأخبار الأخرى في تأكيد أنه وبالفعل حصل التنظيم على بعض من المادة الحمراء، وقال أحد شهود العيان إن تجربة الزئبق الأحمر مع مادة الكلورين كان لها أثر مدمر في المعمل الذي تمت فيه التجربة، ولكن بالطبع تعاملت كل المصادر مع هذه القصة على أنها شائعة ومحض خيال من البعض.

 

ولا تزال أخبار الزئبق الأحمر تتسلل إلى المشهد العام، وأحاديث السوشيال ميديا حتى اليوم، ولكن الفارق أن الكثيرين اليوم بدأوا في الاقتناع بأن المادة أسطورة وخرافة بالأساس ولا وجود لها.

التعليقات مغلقة.