اتصال هاتفي وصورة.. أردوغان يرضخ لمطالب بايدن

660
 تراجع أردوغان عن موقفه الرافض لانضمام السويد وفنلندا إلى حلف الأطلسي بعد مكالمة هاتفية أجراها مع الرئيس الأميركي جو بايدن، ووعده بأن يلتقيه على هامش القمة الأطلسية في مدريد، وهو ما تحقق له، ليقول الإعلام الموالي له معلقاً على صورة اللقاء: “بايدن رضخ لمطالب أردوغان”.
البيان الصادر عن البيت الأبيض لم يوضح إذا كان بايدن هو الذي اتصل بأردوغان أو العكس، واكتفى بالقول إن بايدن “تحدث – spoke” إلى أردوغان هاتفياً، وهي الحال بالنسبة إلى البيان الصادر عن الرئاسة التركية التي أعلنت هي الأخرى “أن أردوغان تحدّث هاتفياً إلى الرئيس بايدن”.
أردوغان تحدث غير مرة عن سبب الاعتراض التركي على انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الأطلسي. هدّد وتوعد كل الأطراف، وقال في 29 أيار/مايو: “المسلم لا يلدغ من جحر مرتين، وما دام طيّب أردوغان رئيس الجمهورية التركية، فإننا لن نوافق قطعاً على انضمام الدول المؤيّدة للإرهاب (السويد وفنلندا) إلى الحلف الأطلسي”.
المعارضة شكّكت آنذاك، بل استهزأت بكلام أردوغان الذي كرّره مرات عدة في مناسبات مختلفة، وذكّرت بجملة مماثلة له تحدث فيها عن الراهب الأميركي برونسون، إذ قال في 8 كانون الثاني/يناير 2018: ” ما دامت هذا الروح في هذا الجسد، وما دام هذا الإنسان الفقير المتواضع (يقصد نفسه) في السلطة، فلن يستطع أحد أن يأخذ هذا الإرهابي (الراهب برونسون) مني أنا”.
كما هي الحال في المثل الشعبي القائل: “كلام الليل يمحوه النهار”، نسي أردوغان ما قاله عن برونسون حتى بعد تهديده الأول، فأمر بتخلية سبيله في 12 تشرين الأول/أكتوبر 2018 ليغادر تركيا بعد يوم واحد، ويلتقي الرئيس ترامب في البيت الأبيض، ويعبّر عن امتنانه لدوره في إخراجه من السجن.
وكتب ترامب في حسابه في “تويتر” في 10 تشرين الأول/أكتوبر مخاطباً أردوغان: “إذا لم تُخْلِ سبيل برونسون فوراً، فسوف أدمّرك وأدمّر اقتصاد بلادك”، وهو ما كرّره نائبه بانس ووزير خارجيته بومبيو أيضاً.
وفي 14 نيسان/أبريل 2017 قال أردوغان: “ما دمت في السلطة، فلن نسلم الإرهابي والجاسوس دانيز يوجال إلى ألمانيا”، وكرر ذلك في غير حديث. وفي 16 شباط/فبراير 2018، خرج يوجال، وهو مراسل صحيفة “دي فلت” الألمانية، من السجن، وغادر تركيا في اليوم نفسه على متن طائرة خاصة بعد يومين من لقاء المستشارة ميركل رئيسَ مجلس الوزراء آنذاك بن علي يلدرم في برلين.
المعارضة التي تنشر باستمرار الفيديوهات الخاصة بأقوال أردوغان السابقة المتعلقة ببرونسون ويوجال ومحمد بن سلمان ومحمد بن زايد والسيسي و”إسرائيل” وغيرهم، كذّبت في الوقت نفسه مساعي أردوغان لتبرير موافقته على انضمام السويد وفنلندا إلى الحلف الأطلسي.
إن البيان الختامي بين أردوغان وقادة الدولتين وبحضور الأمين العام لحلف الأطلسي لم يتضمّن أي فقرة، ولا أي بند واضح بخصوص تلبية الشروط التركية، إذ اكتفت السويد وفنلندا “بتعهداتهما” منع أي نشاط لحزب العمال الكردستاني التركي والاتحاد الديمقراطي الكردستاني السوري وجماعة فتح الله غولن في أراضيهما، من دون أن تقدّما أي ضمانات واضحة ومكتوبة، وهو ما أشارت إليه زعيمة “الحزب الجيد” مارال آكشانار التي قالت في خطابها، الثلاثاء، أمام الكتلة البرلمانية لحزبها: “بعد انضمام السويد وفنلندا إلى الحلف، كيف لأردوغان أن يحاسبها إن تهرّبت من تعهداتها التي وردت في البيان المشترك؟”.
ونشرت شبكات التواصل الاجتماعي النص الكامل للبيان مع صورة من القمة الثلاثية، وظهر فيها أردوغان بملامح متشائمة، وهو ما عدته المعارضة استسلاماً منه لضغوط الرئيس بايدن، باعتبار أنه لن يكون هناك أي ضمانات لوعود فنلندا والسويد باتخاذ مواقف عملية ضد حزب العمال الكردستاني والاتحاد الديمقراطي الكردستاني السوري وجماعة الداعية غولن، وهو ما قد تتجاهله سلطات الدولتين المذكورتين بعد انضمامها إلى الحلف، وهذا ما فعلته وتفعله سائر الدول الأعضاء في الحلف، ولها جميعًا علاقات مباشرة وغير مباشرة بحزب العمال الكردستاني والاتحاد الديمقراطي الكردستاني السوري وجماعة غولن، وفي مقدم هذه الدول أميركا زعيمة التحالف، وألمانيا زعيمة الاتحاد الأوروبي، ومعها فرنسا أيضاً.
يفسّر ذلك الفتور، بل التوتر، الذي بدا واضحاً على ملامح أردوغان وماكرون في لقائهما القصير على هامش أعمال القمة الأطلسية، مع التذكير بأن واشنطن تقدّم جميع أنواع الدعم لوحدات حماية الشعب الكردية، والتي تحظى أيضاً بدعم معظم الدول الأوروبية التي يتولى خبراء من بعضها تدريب مسلحي هذه الوحدات، وتحصل على دعم مالي وعسكري من الجميع، وفي مقدّمها فرنسا، التي استضافت قيادات هذه الوحدات في قصر الإليزيه غير مرة.
ولا ننسى أن زعيم الإرهابيين، وفق وصف أردوغان، وهو فتح الله غولن، يعيش في أميركا برعايةٍ وحماية من الاستخبارات الأميركية، وكوادره بمعظمهم هناك، فيما آخرون يعيشون في ألمانيا ودول أوروبية أخرى، وهو ما يذكرنا بمصالحة أردوغان لمحمد بن زايد الذي سبق لوزير الداخلية سليمان صويلو، ومعه الإعلام الموالي لأردوغان، أن اتّهمه بدعم محاولة الانقلاب الفاشلة، وتمويلها في 15 تموز/يوليو 2016 وذلك بالتنسيق والتعاون مع أميركا.
كما هدد وتوعد أردوغان بن زايد بعد أن وقع في أيلول/سبتمبر 2020 على اتفاقية التطبيع مع “تل أبيب”، واستنفر بدوره كل إمكاناته للتطبيع معها باتصالاته المتكرّرة مع هرتسوغ الذي استضافه أردوغان في أنقرة في 9 آذار/مارس في احتفال كبير، مع التذكير بإغلاق ملف سفينة مرمرة نهاية 2018 في مقابل 20 مليون دولار تبرّعت بها “تل أبيب” التي هدّدها وتوعدها أردوغان غير مرة، وقال إنها دولة الإرهاب والإجرام، وكذلك موافقة أردوغان على انضمام “إسرائيل” إلى الحلف الأطلسي بصفة مراقب في أيار/مايو 2016.
تذكّر المعارضة الرئيس أردوغان بما قاله عن محمد بن سلمان في قضية الصحافي جمال خاشقجي، ثم كيف توسل إليه لمصالحته عندما التقاه في جدة، ثم استضافه في أنقرة، وعلى أعلى مستوى، بعد أن سلّمه ملف الجريمة.
ويبقى السيسي الحلقة الأخيرة في استدارات الرئيس أردوغان، الذي لم يعد يرفع شعار رابعة، وأوقف نشاط الإخوان المسلمين في إسطنبول، وهو ما فعله مع حماس، وكل ذلك لكسب وده والمصالحة معه، لأنه يعرف جيداً أنه، أي السيسي، هو الأقوى إقليمياً ودولياً بفضل الدعم السعودي والإماراتي والإسرائيلي، بل وحتى الأميركي والأوروبي، له.
قد يحاول أردوغان موازنة الثقل المصري هذا بمزيد من التنازلات لأميركا والغرب، وذلك باتخاذ بعض الإجراءات في سوريا وليبيا والعراق والقوقاز وآسيا الوسطى والبحر الأسود ليؤدي ذلك إلى مزيد من الفتور، وربما التوتر (إذا طلب إليه ذلك) مع إيران وروسيا، وهو ما ستكشفه الأيام القليلة المقبلة (في انتظار مصير مباحثات النووي الإيراني وقمة بايدن في جدة في 25 تموز/يوليو) التي سنرى فيها: هل تواجه طهران وموسكو مثل هذا الاحتمال وهو وارد في أي لحظة؟ وكيف؟!
المصدر: وكالات

التعليقات مغلقة.