تداعيات الأزمة السوريّة اقتصاديّاً وآليات المواجهة
آلدار خليل
بعد عشر سنوات من الأزمة في سوريا والحرب الطاحنة التي أنهكت البلاد مُني الاقتصاد السوري بخسائر فادحة وتدمرت الكثير من موارد الإنتاج، بنتيجة هذه الخسائر تراجع الناتج المحلي لهذا الاقتصاد الذي كان من بين أكثر اقتصادات الدول النامية تنوعاً إلى أقل من 20 مليار دولار بحلول عام 2019 بعدما كان يزيد على 60 مليار دولار عام 2010، ناهيكم عن حجم التضخم في الليرة السوريّة والتبعات المباشرة لذلك على الوضع المعيشي للشعب السوري، هذا بالإضافة إلى فرض الحصار على سوريا بسبب السياسات المتبعة من النظام السوري والإصرار على الحل العسكري والأمني في معالجة الأمور بالتوازي مع الحصار السياسي والدبلوماسي والذي أفضى إلى عزل سوريا عن الساحة الدولية والإقليمية مع تطور المواقف السياسية، كل هذا رافقه كتم تام في المتنفس الوحيد للنظام السوري نحو المنطقة والعالم ألا وهو بوابة لبنان التي كانت بمثابة حديقة خلفية للنظام كان عبرها يحاول العراك مع الواقع الموجود، ويستمد الشيء من عمره، لكن مع تدهور الأمور في لبنان وتفاقمها وزيادة الخلافات وتأزم الوضع السياسي أثر ذلك على هذا المتنفس وزادت الأوضاع في سوريا بأضعاف مضاعفة نحو الأسوأ.
نعاني اليوم في سوريا من واقع لا يمكن الهروب منه على الإطلاق، وضع معيشي صعب واقتصاد ضعيف وتراجع في العمل الإنتاجي وتوقف الكثير من المعامل وخروجها عن الخدمة وتضرر القطاع الصناعي، كذلك يوجد خلل واضح في التوازن من ناحية التجمع البشري وفرص العمل، حيث مع الضرر المذكور تضررت الكثير من المناطق المأهولة بالسكان وخرجت عن استيعاب التواجد البشري فتم النزوح داخلياً نحو مناطق أخرى وزاد العبء عليها، حيث تم تجاوز الطاقة الاستيعابية لها وبالتالي هذا كله جلب معه مشاكل مستفحلة ومعضلات كبيرة.
وسط هذا الوضع المعقد لا بد لنا نحن كسوريين من التفكير بشكل واقعي والإيمان بإيجاد واقع فيه كل هذه الصعوبات وعدم القفز فوق الواقع على الإطلاق، خاصةً في ظل غياب بوادر الحل القريبة وعدم وجود ما يمكن أن نسميه بأنه بصيص الأمل نحو الحل حيث كل ما يوجد الآن من معطيات دلائل تدل على تعميق الأزمة دون حلها في سوريا من توقف المحادثات في جنيف إلى توقف العمل في اللجنة الدستورية التي أصلاً لا علاقة لها بسوريا وشعبها وصولاً إلى وجود الاحتلال التركي وممارساته وكذلك التحالف الدولي وأيضاً روسيا على الخط.
لقد مرَّ العالم بأزمات اقتصادية خانقة من أزمة أمريكا 1871 تجاوزتها بتدابير مرحلية، كذلك الكساد العظيم 1929 حيث المجاعة جعل العالم يعيد خطواته في الوضع الاقتصادي، النرويج والسويد في عام 1973 لجأتا إلى استخدام الدواب كوسيلة نقل بعد الحظر النفطي عليهم، الصين في عام 1976 لجأت إلى استغلال المساحات الزراعية بقوة فأدى ذلك إلى تحسين معيشة الملايين (850 مليون خرجوا من دائرة الفقر). هنا يتضح أن الحلول الناجحة أكثرها هي التي يتم تجاهلها ولا يتم إدراك قيمتها إلا في الضائقات الكبيرة.
في سوريا علينا أن نفكر في شكل الحلول التي تتأقلم مع الواقع الموجود بحيث نحاول الحفاظ من خلالها على وجودنا والتخفيف من معاناتنا، توجد الإمكانات التي يمكن تطويرها في سوريا، حيث الشعب السوري له القدرة على الإدارة وكذلك الإمكانات الطبيعية والثروات الموجودة يمكن العمل على استخدامها. الثروة الزراعية والحيوانية الموجودة رصيد غني كبير لنا ويمكن العمل تأمين حاجاتنا الأساسية منها دون التأثر بشكل المتغيرات والأمور التي تتحكم في حياتنا كسوريين، تطوير هذا الجانب له تداعيات إيجابية مهمة تكمن في تأمين الحاجة المحلية دون اللجوء إلى توريد أي شيء وكذلك يعطي دفعاً كبيراً للحركة المعيشية بحيث لا يتم حصر الأمور المعيشية بآليات الشراء المحتكرة، هذه الأمور يمكن تطويرها بشكلٍ كبير في حجم المساحات الموجودة والمتوفرة لدينا خاصةً في القرى، وتطوير هذه المشاريع بشكل خاص وضمن العمل التعاوني وحتى يمكن العمل على أن تكون هذه المشاريع الصغيرة ضمن كل بيت من تربية الحيوانات إلى الدواجن إلى زراعة الخضروات الشتوية والصيفية، وهنا علينا أن ندرك بأن القرى هي البيئة الملائمة المنتجة لهذه الأمور الضرورية. لذا؛ من خلال تطوير هذا الجانب يمكن تطوير العمل في القرى والعودة إليها والتخلص من المتحكّمات الموجودة في المدينة (مفرزات المدنية وتداعيات العيش في المدن) وتخفيف الضغط حيث كل مدننا اليوم تعاني اليوم من ضغط سكاني وصناعي وتجاري يفوق الطاقة الاستيعابية.
لا بدّ العيش مع حقيقة الثورة الموجودة، الثورة التي تتطلب التطوير في كل الجوانب بدون استثناء خاصةً تلك التي يمكن من خلالها تأمين العيش بشكل أساسي، اليوم في مناطق الإدارة الذاتية مقارنةً بالمناطق الأخرى يوجد نوع من الاستقرار النسبي والأمور نوعاً ما مقبولة من النواحي المذكورة لكن لا بد من عدم تثقيل كاهل الإدارة بكل شيء ووضعها تحت ضغط تأمين كل شيء بالنهاية لديها وضعها الخاص ولا زالت تشق الطريق نحو إبراز نفسها كمشروع حل مقبول لدى الأطراف التي تتحاور من أجل الحل في سوريا، من خلال التطوير الذاتي والاعتماد على الذات والعمل على تأمين الحاجيات الأساسية بشكل ذاتي، تطوير الإمكانات الذاتية، كذلك التحول من الاستهلاك إلى الإنتاج، ليتم التخفيف على الإدارة الذاتية كذلك، النموذج المجتمعي من الكومين والمجالس أرضية هامة من أجل تطوير المشاريع الذاتية وتطوير الاقتصاد المجتمعي والاعتماد الذاتي وتأمين الحاجيات اللازمة لهذا التطوير بالتنسيق والعمل مع الإدارة.
هذه الأساسيات التي لا بد من تطويرها، فبدون إدراك هذا الواقع والتأقلم وتوفير الفرص الممكنة للعيش بشكل الاعتماد على الذات سنكون أمام تفاقم للأمور وصعوبات كبيرة أمامنا. لذا؛ من الهام إدراك هذه الحلول للتخلص من المعضلات الاقتصادية عبر تحقيق التكامل في التطوير الذاتي وبرامج الدعم من أجل العيش بشكل لا نخضع فيه لأية تحكّمات، وتجاوز المحنة الاقتصادية التي تمر بها سوريا بحيث تكون الآثار مُخفّفة والتداعيات قليلة.
التعليقات مغلقة.