أسئلة برسم المثقف الكردي /صالح جانكو

48

أسئلة برسم المثقف الكردي   700

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

خاص بالنسخة الورقيَّة / العدد الرابع /

 

 

قبل البدءِ بهذا الموضوع لابُدَّ من التطرُّق ولو بإيجاز الى تعريف الثقافة أولاً والمثقف ثانياً.

لن أوغل كثيراً في التنظير للوصول إلى معنى الثقافة والمثقف وذلك كوننا جميعاً نستندُ في هذه التعريفات على المفكرين من أمثال: غرامشي وسارتر وتايلور وصولاً إلى بعض المفكرين العرب أمثال ادوارد سعيد ومحمد أركون وغيرهم، فمصطلح الثقافة ظهر في أوروبا وهو مشتقٌ من كلمة (culture )والذي يعني الرعاية والعناية التي يوفرها المزارع لنموِّ زرعهِ، وتستخدم مجازاً للدلالة على الشروط التي يوفرها المجتمع للنمو النفسي والعقلي لأفرادهِ.

ومن هنا جاء مصطلح (çand) والذي يعني زَرَعَ بالُّلغة الكردية للدلالة على الثقافة. وكلمة ثقَّفَ بمعناها الُّلغوي: ثقَّف السيف أو الأداة الحادة: عالجهُ بالنَّار والطرق عليّهِ حتى يصبحَ حاداً ـ لامعاً ـ وفعالاً.

من هنا نلاحظُ إنَّهُ للوصول إلى هذه الصفات أي صفة المثقَّف يعني المرور مجازاً بمراحل صناعة السيف وما تحتويهِ من الاحتراق والتعرُّض للطرق والصدمات، فاكتساب الثقافة عمليةٌ تراكمية لا تأتي بسهولة، فالصفات السابقة ـ حاداً تعني أن يكون ذو شخصيةٍ مستقلَّة وـ لامعاً ـ أي أن يكون لهُ حضور في مجتمعهِ و ـ فعالاً أي أن يكون قادراً على توظيف معلوماتهِ وقدراتهِ الفكرية في خدمةِ مجتمعهِ وهنا يميِّز غرامشي بين نوعين من المثقفين: العضوي والتقليدي، فالمثقف العضوي هو الذي يوظِّف ثقافتهُ من أجل إنجاز المشروع السياسي والمجتمعي الذي يتحقق فيه الحرية والعدالة الاجتماعية، أما المثقف التقليدي فهو الذي يوظِّف أدواتهُ الثقافية والعمل على هيمنة وبقاء السلطة السائدة بكلِّ ما تحتويه من أساليب لمصادرة إنسانية الإنسان.

فالمثقف هو شخص يمتلك كماً كبيراً من الوعي والمعلومات والمعرفة في الكثير من المجالات, هذه المعرفة التي تؤهلهُ لأن يكون له مشروعهُ الفكري المتكامل ورؤيةً شاملة لقضايا أمته ومجتمعهِ.

إنَّ مهمة المثقف هي في ابتكار الخطاب المقنع القادر على التعبئة ورسم ملامح التغيير، وخاصةً أثناء الأزمات، حيثُ يتجلى دورهُ في المهارةِ في التعامل مع الأزمةِ ومعطياتها على كافة الأصعدة والمساهمة في تقديم الحلول خاصةً في الأزمات العامة، لذلك يعتبرُ تخلّي المثقف عن أداء دورهِ تنازلاً عن دور الثقافة، وبذلك يتعرض أمن المجتمع للتهديد، حيثُ تعتبر الثقافة أمناً للمجتمع وتصنَّف ضمن إطار الأمن أو القوة الناعمة، لأن انتشار الثقافة يساهم في تحقيق الأمن الاجتماعي وذلك كون المثقف الحقيقي متصالحٌ مع ذاتهِ متجاوزٌ للدائرة الضيقة التي تؤطرهُ، متخلصٌ من مُرَكَبْ النقص لديهِ، منفتحٌ على الآخر المختلف عنهُ ويقبلهُ بكامل خصوصيتهِ.

أما الذي يعاني من مُرَكَب النُّقص في شخصيتهِ والمريض بانتماءاته الضيقة، متوترٌ عدوانيٌّ مشنجٌ متأهبٌ لممارسة العنف، لأنهُ يعتبر كل ما هو مختلفٌ عنهُ عدوٌّ لهُ، لذلك يعمل بكلِّ جهدهِ لإلغائهِ من أجل إظهار وإبراز هويتهِ على حساب إلغاء الآخرين.

لذلك, مثل هذهِ الحالات لا نجدها إلّا في المجتمعات التي تعاني من التخلُّف وفقدان الوعي والمعرفةِ والمبتلاةِ بأنظمة القهر والاستبداد.

أما في المجتمعات المشبعةِ ثقافياً، والتي أنجزت مشروعها الحضاري في انجاز دولة المؤسسات، لا نجد فيها حالات شغبٍ كبيرة، فالحضارة تبنى على الثقافةِ وهما صنوان لا يفترقان لذلك فإنَّ المعيار الحقيقي يتمثَّلُ في الممارسة والسلوك الحضاريين، فالمثقف الذي يتنافى سلوكهُ مع القيَّم الحضارية للمجتمع وكان تعاملهُ صلفاً عنصريأ عنيفأ, تسقط عنهُ صفة المثقف حتى وإن كان موسوعياً في معلوماتهِ.

استناداً على ما سبق ومن خلال هذا السرد البسيط لمفهوم الثقافة والمثقف وإسقاطهِ على الحالة الثقافية الكردية ووضع مثقفيها نستطيع أن نسأل:

– أين هو موقع المثقف الكردي مما جرى ويجري لأمتهِ ومجتمعهِ ماضياً وحاضراً؟

– هل استطاع المثقف الكردي أن يتجاوز الحالة السياسية (الحزبية) السائدة بكلِّ أخطائها؟

– هل استطاع أن يقدِّم شيئاً خارج إطار السائد سوى بعض الملاحظات السطحية والتي لا تخرج عن إطار العموميات والمواعظ؟

– هل كان على مستوى الأحداث في راهنيتها وتشعباتها؟

– هل هو مستوعب للدور المنوط بهِ على اعتبارهِ ضمير الأمة؟

– أين مشروعهُ الفكري والمعرفي للقضايا المصيرية لأمتهِ؟

– ألم يكن صوتهُ خافتاً بل غائباً في أغلب المحطات المفصلية والمصيرية؟

– إذا كان المثقف العربي قد قاد حركة النهضة العربية وكان مُنَظِراً لها في مراحلها الأولى وتراجع دورهُ فيما بعد. ماذا يمكن أن نقول عن المثقف الكردي وأين موقعهُ من قضيتهِ وحركتها السياسية التي لا زالت تعاني من افتقادها للمشروع القومي المتكامل؟

من المعروف أنَّ المثقف بفكرهِ وثقافتهِ هو الذي يحاكم والذي تخشاهُ السلطات السياسية لكن أين مثقفنا من ذلك؟ فنراهُ وقد انزوى في أضيق الزوايا نائياً بنفسهِ من كلِّ ما جرى ويجري فأصبح محكوماً متهماً بالتقصير وعدم الفعالية؟

هنا سأتركُ هذه الأسئلة بين أيديكم عساها أن تكون بدايةً لنقاشٍ جاد يسعى إلى المساهمة في وضع الَّلبِنةِ الأولى للتأسيس لثقافةٍ ومثقفٍ حقيقيين.

أرجو من كل من يرغب في المساهمةِ في هذا الموضوع المراسلة على الإيميل التالي s.jango@hotmail.com

 

 

التعليقات مغلقة.