إسرائيل والتسلل إلى عمق القارة الإفريقية

23

979045159

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

في كتاب «انكسارات الواقع وتداعيات الحاضر» يحاول أحمد الحسين أن يبرهن على أنه في ظل غياب استراتيجية عربية للأمن القومي وافتقار الجهود والمبادرات العربية إلى التنسيق والمتابعة استطاعت إسرائيل مستغلة وهن الواقع العربي استثمار الظروف المحلية والدولية أن تتسلل إلى عمق القارة الإفريقية، وأن تمدّ نفوذها الواسع المتشعب في أرجائها بحيث يمكن القول:

إن التسرب الإسرائيلي بأشكاله المختلفة ووسائله المتنوعة صار على مدى أكثر من نصف قرن حقيقة متجذّرة، ممّا أعطى إسرائيل إمكانية الهيمنة الواسعة على مقدرات هذه القارة التي كان ينبغي أن تكون صلتها وعلاقاتها مع العرب أقوى وأمتن لأسباب جغرافية وتاريخية.

وتعود بدايات التغلغل الإسرائيلي في إفريقيا إلى مطلع الخمسينات، حيث عملت على تعزيز وجودها من خلال توسيع نشاطات مؤسساتها السياسية والعسكرية والأمنية، مستفيدة من الغطاء الذي وفرته لها الظاهرة الاستعمارية في إفريقيا.

ومن الطبيعي أن تنظر السياسة الإسرائيلية إلى أفريقيا على أنها مجال حيوي بالنسبة لها، وانطلاقاً من ذلك، حقق لها هذا الفضاء الأمن والاعتراف السياسي وكسر طوق العزلة المفروضة عليها، سياسياً واقتصادياً من قبل العرب، إنها بذلك صنعت نقطة تمركز جغرافي، أتاحت لها التأثير المباشر والالتفاف على بعض الدول العربية ، ولاسيما مصر والسودان، عبر إقامة قواعد عسكرية ومراكز اقتصادية في بعض دول إفريقيا، والتأثير في قرارات بعضها الآخر عبر توطيد صلاتها ببعض النخب الحاكمة فيها.

وكانت الأهداف الأمنية والسياسية مقرونة بأهداف اقتصادية ترمي إلى فتح الأسواق الإفريقية أمام المنتجات والصادرات الإسرائيلية، مما يوفر لها اليد العاملة الرخيصة، والحصول على المواد الأولية لصناعاتها المختلفة، مثلما يتيح لها توفير فرص عمل واسعة للخبرات العلمية والتقنية الفائضة المتوفرة لديها.

وكان من الطبيعي أن تسوّق إسرائيل جزءاً كبيراً عبر باب ادعاء المعاناة المشتركة من جهة، والإساءة إلى العرب من جهة أخرى، بتشويه صورتهم واتهامهم بأنهم كانوا تجار رقيق وعاج في الماضي، لم يستفد منهم الأفارقة في مجالات التنمية، ومعالجة أزمات الفقر والأمية والأوبئة التي تعاني منها كثير من المجتمعات الإفريقية.

وحققت إسرائيل حضوراً واسعاً، خلال الفترة من 1957 – 1973، في شتى أرجاء القارة الإفريقية فصارت لها علاقات دبلوماسية مع أغلب دول إفريقيا، وقامت بتقديم المنح والقروض والمساعدات المالية والفنية، وعقدت الاتفاقيات الاقتصادية والثقافية والتجارية، وأرسلت الآلاف من الخبراء والفنيين، واستقدمت آلاف المتدربين الأفارقة لديها، كما قامت بتصدير الأسلحة والمعدات، وإقامة قواعد عسكرية، ومراكز استخباراتية في العديد من هذه الدول، ولا سيما تلك التي تتيح لها تطويق مصر، والتحكم بأمن البحر الأحمر.

وإذا كانت سنة 1973 قد شكلت في آن الذروة لتطور علاقات إسرائيل بإفريقيا، إلا أنها كانت بداية الانهيار في تلك العلاقات، حيث قطعت أكثر الدول الإفريقية علاقاتها مع إسرائيل، إثر حرب أكتوبر. وكانت الفرصة سانحة كي يحلّ التواجد العربي..

ولكن بدلاً من ذلك فإن اتفاقيات كامب ديفيد واتفاقيات أوسلو، أنقذت إسرائيل من عزلتها، وفتحت أبواب القارة الإفريقية من جديد، فبادرت إلى ترميم علاقاتها، واستعادت دورها، محققة بذلك حضوراً في هذا الفضاء الفني بموارده الاقتصادية، والهام بموقعه الاستراتيجي والأمني.

المؤلف في سطور

أحمد الحسين، باحث يهتم بالدراسات التراثية، عمل في عدة مواقع تربوية وثقافية، عضو اتحاد الكتاب العرب، صدرت له مؤلفات من ضمنها: «أدب الكدية في العصر العباسي»، «أشعار الشحاذين في العصر العباسي»، «تساؤلات بلا ضفاف».

عن بيان الكتب/الإمارات

التعليقات مغلقة.