تهديد الأطفال بالقتل.. ليس مزحة!
“من نذبح في البداية؟ رأسه أولاً؟”… “هل أقطع يدك أولاً أم رأسك؟”… كان على لؤي، ابن السنوات الخمس أن يختار، يده؟ رأسه؟ يده ثم رأسه؟ هو أم أحد أخويه؟! اليد أولاً.. قرر “المتباهي” بجريمته ذلك. طلب من الطفل أن يتقدم ويضع يده على منصة تعلوها أوراق التبغ المكدسة. لكن الخوف الهستيري ونزعته الطفولية نحو الحياة… لم يسمحا للؤي أن يقبل بتسليم يده لرجل أصابه خلل في بنائه الإنساني.
“هل أنت داعشي؟” سؤال يوجه لطفل لم يتخط عمره الأربع سنوات. ذنبه؟ بالطبع ليس انتماؤه السياسي، أو عقيدته “الداعشية”، وفقاُ للتعبير المتداول. ذنبه أنه طفل، سوري الجنسية، يعيش في مثل هذه الظروف المقيتة. فهو اليوم قد يكون مسؤولاٌ عن خطف الجنود، أو عن ذبح علي وعباس، شهيدا تخلي الدولة. الفرضيات كثيرة، والحقيقة واحدة، أن هؤلاء الأطفال الثلاثة، مجرمون لا محالة.. يستحقون تحمل موجة الهستيريا التي انتابت ضعفاء المجتمع. أولئك الذين لم تسمع أصواتهم الا في الليالي الظلماء، يحرقون الإطارات، يضربون الضعفاء، وينالون من الطفولة… هذه المرة في وضح النهار.
ما فعله “محمد فحص” من بلدة عبا الجنوبية، أكثر من جريمة. وفعلته هذه تحتمل توصيفات جرمية كثيرة. إنه تهديد بالقتل، وهو بذاته تعذيب معنوي. لن يجد من يشاهد ردة فعل الأطفال ما يفي وصف الفعل. خوفهم هستيري، يرمون الموت على بعضهم بعضاً، مجبرين على ذلك. كيف لأطفال أن يجيبوا على هذا السؤال؟ رأس من أقطع أولاً؟…
والتهديد في القانون اللبناني جريمة قائمة بذاتها. وهو بالإضافة إلى ذلك، يعتبر ظرفاً مشدداً في بعض الجرائم، أي أنه يؤدي الى زيادة فترة العقوبة في بعض الجرائم. والتهديد هو كل فعل من شأنه أن يؤدي إلى بث الرعب أو الخوف في نفس شخص آخر، بقصد الحصول على مطلب محدد أو ازعاج الشخص المهدد أو المساس بأمنه وحريته الشخصية. لم يحدد القانون اللبناني أسلوباً معيناً يمكن اعتباره تهديدا، بل إن الجرائم المهدد بفعلها تحدد العقوبة. أما وقوع الجريمة على قاصر، وذلك في جريمة التهديد بالقتل كما القتل، يستحق الجاني تشديداً لعقوبته تلقائياً.
وفقاً لما تقدم، فأن شريط الفيديو الذي تم تناقله على مواقع التواصل الإجتماعي، يوثق جريمة واضحة. وهي واحدة من عدة!
والحقيقة أن تخطي النظرة التقليدية للجريمة تضعنا أمام واقعة ترتبط بالنيل من الكرامة الإنسانية. ذلك أن الجاني لم يتوان عن الإستمرار ببث الخوف والمذلة في نفوس أطفال قصر. في هذه الأثناء، كان يستمتع وصديقه بالمشهد المهين أمام أعينه. وبحسب تقرير بثته “قناة الجديد”، تظهر والدة الأطفال أيضاً مرتاحة لما حصل لأطفالها، تعلن عن رغبتها في الحصول على نسخة عن الفيديو، لما وجدت فيه من خفة دم. إنها خفة عقل أيتها الوالدة! كان عليك أن تسمعي أطفالك، وهم لا يملكون سوى الإستغاثة بذكر “ماما” طيلة الوقت، لإدراك قساوة الواقعة.
يتمتع الأطفال بصفتهم فئة مستضعفة بهامشهم الحقوقي الخاص. فهم يستحقون الحياة أولاً، على أن تكون حياةً آمنة. وحياة الطفل الآمنة لا تقف عند حد حمايته من القتل أو الإتجار به أو إخضاعه للإستغلال.. بل تتخطى ذلك الى الأمن النفسي والجسدي للطفل، بدءا من حقه في العيش ضمن عائلة، مروراً بالتعليم والإستشفاء وصولاً الى حظر اخضاعه لأي شكل من أشكال التعذيب، سواء النفسي أو الجسدي. كما خصت القوانين الدولية، الأطفال بحماية خاصة خلال النزاعات المسلحة، فهم من الفئات التي لا يجوز أن تتحول بأي شكل من الأشكال الى جزء من النزاع.
والحقيقة أن لبنان ليس في حالة نزاع مسلح، وفقا للتعريف المعتمد لهذه الحالة. وقد يصلح أن يتم الكلام عن حالة اضطرابات أمنية. ذلك أن الدولة تشهد حالات خطف وخطف مضاد وأعمال الشغب وغيرها. وفيما تنظم القوانين الإنسانية، وهي قوانين الحرب، حقوق الأطفال، وتحسم وضعهم بوضوح. تستمر الإنتهاكات التي تمارس على الأطفال، بسبب النزاع القائم على الأراضي السورية، وموقف الشارع اللبناني من الأحداث الجارية. وتلقى هذه المواقف ترجمتها بأساليب عنصرية حيناً، وعنفية أحياناً، من دون أن يسلم الأطفال من التعذيب والتشهير. وفي ذلك زج للأطفال في حلبة الصراع القائمة، وتحويلهم لضحايا حرب فروا منها إلى بلاد اللجوء، فلم يسلموا!
بعيداً من القوانين، التي لم تردع المجرم عن القيام بفعله الذي انتهك كرامات ثلاثة أطفال وحياتهم. وانتهك ما فيهم من طفولة. الأسئلة حول مصير الأطفال بعد أن واجهوا ما واجهوه كثيرة. لماذا قد يتوانى الذين سمعوا بالذبح قبل أن يتعلموا تهجئة كلمة “داعش”، عن قطع الأعناق عندما تتمكن أناملهم من السكين التي لاحقوها بأعينهم في كل اتجاه؟ ماذا سيتوقع المجتمع من هؤلاء عندما يستمعون للخطاب المتطرف؟ أليسوا هم من اختبروا التطرف منذ نعومة أظافرهم؟
هكذا نصنع المجرمين، ونثبت أن التطرف المضاد ليس سوى الإبن المتمرد للتطرف الأصيل. دقائق قليلة، كفيلةً بأن تخلق وحشاً كاسراً داخل طفل بريء. لكن هذه اللعبة ستتحول في ما بعد، إلى ما هو أسوأ من “داعش”… ورفيقاتها من الأطراف كافة. يبقى أن الخطوة الأهم الآن في هذه الجريمة، ليست العقاب فحسب. الأهم هو احتواء هؤلاء الأطفال وحمايتهم من الإنجرار إلى ما تم زجهم فيه. وفي شتى الأحوال لا بد من التهيؤ للتعامل مع استغلال الموضوع من قبل المستفيدين، لتسويق الحقد وتجييش النفوس وتبرير المزيد من القتل.
عن المدن
“هل أنت داعشي؟” سؤال يوجه لطفل لم يتخط عمره الأربع سنوات. ذنبه؟ بالطبع ليس انتماؤه السياسي، أو عقيدته “الداعشية”، وفقاُ للتعبير المتداول. ذنبه أنه طفل، سوري الجنسية، يعيش في مثل هذه الظروف المقيتة. فهو اليوم قد يكون مسؤولاٌ عن خطف الجنود، أو عن ذبح علي وعباس، شهيدا تخلي الدولة. الفرضيات كثيرة، والحقيقة واحدة، أن هؤلاء الأطفال الثلاثة، مجرمون لا محالة.. يستحقون تحمل موجة الهستيريا التي انتابت ضعفاء المجتمع. أولئك الذين لم تسمع أصواتهم الا في الليالي الظلماء، يحرقون الإطارات، يضربون الضعفاء، وينالون من الطفولة… هذه المرة في وضح النهار.
ما فعله “محمد فحص” من بلدة عبا الجنوبية، أكثر من جريمة. وفعلته هذه تحتمل توصيفات جرمية كثيرة. إنه تهديد بالقتل، وهو بذاته تعذيب معنوي. لن يجد من يشاهد ردة فعل الأطفال ما يفي وصف الفعل. خوفهم هستيري، يرمون الموت على بعضهم بعضاً، مجبرين على ذلك. كيف لأطفال أن يجيبوا على هذا السؤال؟ رأس من أقطع أولاً؟…
والتهديد في القانون اللبناني جريمة قائمة بذاتها. وهو بالإضافة إلى ذلك، يعتبر ظرفاً مشدداً في بعض الجرائم، أي أنه يؤدي الى زيادة فترة العقوبة في بعض الجرائم. والتهديد هو كل فعل من شأنه أن يؤدي إلى بث الرعب أو الخوف في نفس شخص آخر، بقصد الحصول على مطلب محدد أو ازعاج الشخص المهدد أو المساس بأمنه وحريته الشخصية. لم يحدد القانون اللبناني أسلوباً معيناً يمكن اعتباره تهديدا، بل إن الجرائم المهدد بفعلها تحدد العقوبة. أما وقوع الجريمة على قاصر، وذلك في جريمة التهديد بالقتل كما القتل، يستحق الجاني تشديداً لعقوبته تلقائياً.
وفقاً لما تقدم، فأن شريط الفيديو الذي تم تناقله على مواقع التواصل الإجتماعي، يوثق جريمة واضحة. وهي واحدة من عدة!
والحقيقة أن تخطي النظرة التقليدية للجريمة تضعنا أمام واقعة ترتبط بالنيل من الكرامة الإنسانية. ذلك أن الجاني لم يتوان عن الإستمرار ببث الخوف والمذلة في نفوس أطفال قصر. في هذه الأثناء، كان يستمتع وصديقه بالمشهد المهين أمام أعينه. وبحسب تقرير بثته “قناة الجديد”، تظهر والدة الأطفال أيضاً مرتاحة لما حصل لأطفالها، تعلن عن رغبتها في الحصول على نسخة عن الفيديو، لما وجدت فيه من خفة دم. إنها خفة عقل أيتها الوالدة! كان عليك أن تسمعي أطفالك، وهم لا يملكون سوى الإستغاثة بذكر “ماما” طيلة الوقت، لإدراك قساوة الواقعة.
يتمتع الأطفال بصفتهم فئة مستضعفة بهامشهم الحقوقي الخاص. فهم يستحقون الحياة أولاً، على أن تكون حياةً آمنة. وحياة الطفل الآمنة لا تقف عند حد حمايته من القتل أو الإتجار به أو إخضاعه للإستغلال.. بل تتخطى ذلك الى الأمن النفسي والجسدي للطفل، بدءا من حقه في العيش ضمن عائلة، مروراً بالتعليم والإستشفاء وصولاً الى حظر اخضاعه لأي شكل من أشكال التعذيب، سواء النفسي أو الجسدي. كما خصت القوانين الدولية، الأطفال بحماية خاصة خلال النزاعات المسلحة، فهم من الفئات التي لا يجوز أن تتحول بأي شكل من الأشكال الى جزء من النزاع.
والحقيقة أن لبنان ليس في حالة نزاع مسلح، وفقا للتعريف المعتمد لهذه الحالة. وقد يصلح أن يتم الكلام عن حالة اضطرابات أمنية. ذلك أن الدولة تشهد حالات خطف وخطف مضاد وأعمال الشغب وغيرها. وفيما تنظم القوانين الإنسانية، وهي قوانين الحرب، حقوق الأطفال، وتحسم وضعهم بوضوح. تستمر الإنتهاكات التي تمارس على الأطفال، بسبب النزاع القائم على الأراضي السورية، وموقف الشارع اللبناني من الأحداث الجارية. وتلقى هذه المواقف ترجمتها بأساليب عنصرية حيناً، وعنفية أحياناً، من دون أن يسلم الأطفال من التعذيب والتشهير. وفي ذلك زج للأطفال في حلبة الصراع القائمة، وتحويلهم لضحايا حرب فروا منها إلى بلاد اللجوء، فلم يسلموا!
بعيداً من القوانين، التي لم تردع المجرم عن القيام بفعله الذي انتهك كرامات ثلاثة أطفال وحياتهم. وانتهك ما فيهم من طفولة. الأسئلة حول مصير الأطفال بعد أن واجهوا ما واجهوه كثيرة. لماذا قد يتوانى الذين سمعوا بالذبح قبل أن يتعلموا تهجئة كلمة “داعش”، عن قطع الأعناق عندما تتمكن أناملهم من السكين التي لاحقوها بأعينهم في كل اتجاه؟ ماذا سيتوقع المجتمع من هؤلاء عندما يستمعون للخطاب المتطرف؟ أليسوا هم من اختبروا التطرف منذ نعومة أظافرهم؟
هكذا نصنع المجرمين، ونثبت أن التطرف المضاد ليس سوى الإبن المتمرد للتطرف الأصيل. دقائق قليلة، كفيلةً بأن تخلق وحشاً كاسراً داخل طفل بريء. لكن هذه اللعبة ستتحول في ما بعد، إلى ما هو أسوأ من “داعش”… ورفيقاتها من الأطراف كافة. يبقى أن الخطوة الأهم الآن في هذه الجريمة، ليست العقاب فحسب. الأهم هو احتواء هؤلاء الأطفال وحمايتهم من الإنجرار إلى ما تم زجهم فيه. وفي شتى الأحوال لا بد من التهيؤ للتعامل مع استغلال الموضوع من قبل المستفيدين، لتسويق الحقد وتجييش النفوس وتبرير المزيد من القتل. – See more at: http://www.almodon.com/society/0b70a2ce-4023-4a59-b6f7-24d13a45350d#sthash.zRI3Wz1q.dpuf
التعليقات مغلقة.