فشل الحملة الأميركية ضد داعش / بدر الإبراهيم

24

349

 

 

 

 

 

قدّم الرئيس الأميركي، باراك أوباما، الخطوط العريضة لاستراتيجيته في مواجهة تنظيم داعش، ولم يقدم جديداً، أو شيئاً خارج المتوقع، فقد كان متوقعاً حديثه عن الضربات الجوية، وبناء حلف دولي وإقليمي لمواجهة داعش، وإضعاف التنظيم ثم إنهاء وجوده. لعلّ أول ما يلفت النظر في استراتيجية أوباما تأكيدها أن الولايات المتحدة لن تغادر الشرق الأوسط، كما افترضت تحليلاتٌ كثيرة في السنتين الأخيرتين، فقد جاءت استراتيجية مواجهة داعش تأكيداً على استمرار الوجود الأميركي في المنطقة العربية، سياسياً وعسكرياً واستخباراتياً، وهذا الوجود يتحدد حجمه وفق الحسابات الأميركية، لكنه لا يغيب عن منطقتنا.

قلص أوباما في فترتيه الرئاسيتين من التدخل الأميركي في تفاصيل المنطقة، نتيجة الخسائر التي تكبدتها الولايات المتحدة من غزو العراق، ورغبةً في تقليل كلفة التدخلات الخارجية على الاقتصاد الأميركي، ولم يمنع تقليص حجم التدخلات من احتفاظ أميركا بوجودها السياسي، وملء الفراغ الذي تتركه أميركا في التفاصيل بواسطة حلفائها الإقليميين، كما أن الوجود العسكري ظل قائماً من خلال “الدرونز” التي تضرب في اليمن، والقواعد الأميركية في الخليج وتركيا، والتي يستخدمها الأميركيون حالياً في ضرب داعش في العراق، بحسب تقارير في الإعلام الغربي، مثل تقرير كريغ وايتلوك (واشنطن بوست – 26/8/2014).

لن ينجح تدخل أميركي جديد إلا في إعطاء مشروعية إضافية لمثل هذه التنظيمات.

سياسة تقليل الكلفة هي التي تحكم استراتيجية أوباما في مواجهة داعش، وهو طمأن الأميركيين إلى أنه لن يرسل جنوداً أميركيين يقاتلون على الأرض، وسيتبع الاستراتيجية نفسها في مواجهة القاعدة في اليمن وباكستان، بالاعتماد على القصف الجوي، ووجود شركاء على الأرض من أهل المنطقة نفسها. يشير هذا إلى استراتيجية تقوم على اتباع نموذجٍ ثبت فشله، فلم يتمكن الأميركيون من إنهاء وجود تنظيم القاعدة في اليمن، على الرغم من الاستخدام المكثف لطائرات الدرونز، والقتل بالجملة الذي مارسته، وتعاون الحكومة اليمنية وقواتها النظامية مع الولايات المتحدة، كذلك لم تنجح هذه الاستراتيجية في باكستان، بالتعاون مع الجيش الباكستاني، بل حتى في أفغانستان لم ينجح وجود قوات “الناتو” على الأرض في القضاء على حركة طالبان هناك.

الأهم أن أبناء المنطقة سيكونون وقود الحرب الأميركية الجديدة التي لم يحدد أوباما جدولاً زمنياً لها، ما يعني إطالة أمد الصراعات الأهلية في المنطقة العربية، وهو ما يؤكده ترديد مصطلحات السنة والشيعة مراراً في خطابات أوباما والمسؤولين الأميركيين، فالإدارة الأميركية مستمرة في تبني الرؤية الطائفية لمكونات المنطقة، تماماً كما تتبناها قوى طائفية في الإقليم، ومجموعة من النخب والمثقفين الذين تبتلعهم الرؤية الطائفية. ستقوم أميركا بدعم فئات ضد أخرى في الصراع الأهلي في المشرق العربي، إذ إنها ستدعم البشمركة الكردية، والميليشيات الشيعية الطائفية في العراق، شركاءَ في مواجهة داعش هناك، وستضخ مزيداً من الدعم للمعارضة السورية “المعتدلة”، المستعدة للمحاربة في الجبهات التي تقررها التوجيهات الأميركية، ولن ينتج هذا كله سوى تسعير الصراع في المشرق المأزوم.

هنا، تظهر ضرورة التمسك بالرفض الكامل للتدخل الخارجي في الوطن العربي، وهذا الرفض ليس تمسكاً بكليشيهات خشبية حول السيادة، كما يرى مستغيثون بالناتو، ومرحبون بتدخلاتٍ تنصر جماعتهم على الجماعات الأخرى في العالم العربي، لكنه رفضٌ ينطلق من فهم الإشكالية التي تصنعها هذه التدخلات، ليس فقط على مستوى تأجيج الصراعات الأهلية العربية، بل حتى على مستوى بث الروح في تنظيمات مثل داعش، على الرغم من ادعاء محاولة إنهائها.

صحيحٌ أن داعش، ومثيلاته، تضيّع البوصلة، بجعل قتل بني جلدتها أولوية على محاربة الغرب، وهي، بذلك، تشكل خطراً على العرب والمسلمين أكثر من غيرهم، لكن هذه التنظيمات تستمد جزءاً أساسياً من شرعيتها من تعويض تقصير الدول العربية في مواجهة قهر الغرب وظلمه، كما أنها ظهرت نتيجة التدخل الغربي في العالم العربي، ونذكر، هنا، أن زعيم تنظيم القاعدة السابق، أسامة بن لادن، استجاب لتحدي الوجود العسكري الأميركي في السعودية والخليج لتحرير الكويت في مطلع التسعينيات بإنشاء التنظيم، كما أن الجهاديين الذين أسسوا داعش شكلوا تنظيمهم (تغير اسمه أكثر من مرة) بعد الغزو الأميركي للعراق، لذلك، لن ينجح تدخل أميركي جديد إلا في إعطاء مشروعية إضافية لمثل هذه التنظيمات.

يصر الساسة العراقيون على تأكيد فشلهم في كل شيء، وتآكل مشروعية دولتهم شبه المنهارة، عبر الاستنجاد بالأميركيين، ونظام “الممانعة” السوري يغمز لأهل المؤامرات الكونية، ليبدي عدم ممانعته في التحالف معهم ضد داعش، وهو ما يغذي داعش بمشروعية إضافية، فالدولة العربية التي تشرع أبوابها للتدخلات الخارجية، وتفرط في استقلالها، وتتحول إلى طرفٍ في صراعٍ أهلي، لا يمكن لها أن تقدم معالجةً لوجود تنظيمات مثل داعش، بل هي تمدها بأسباب البقاء، وما لم تتم معالجة أزمة شرعية الدولة العربية، فإن الخروج على هذه الدولة سيستمر، بأشكال مختلفة ودرجات عنف متفاوتة.

ليست استراتيجية فاشلة في تفاصيلها فقط، وإنما هي فاشلة من حيث المبدأ، فهي تُنتج نقيض ادعاءاتها، وتؤدي لمزيد من العنف والدماء. هذه ليست حرباً تقضي على داعش أو غيرها، إنما هي حربٌ تلد أخرى.

عن العربي الجديد

التعليقات مغلقة.