المظاهرة على وشك النهاية

25

349

 

 

 

 

 

 

خلاصات

 

المظاهرة على وشك النهاية. قطعنا المسافة مشياً بين ساحتي “باستيّ” و”ناسيون”ولم يتغير شيء. الفقراء ما يزالون فقراء. وآدم، ابن صديقي، لم يكبر رغم أننا تناوبنا على حمله على أكتافنا طيلة الطريق. لم يتحقق شيء من المطالب. ربما لأن باريس كبيرة وصوت المتظاهرين لا يصل بسرعة إلى آذان الدولة ذات السمع الثقيل. أو ربما لأن عناصر الشرطة يشكّلون صفوفاً وحواجز في كل مكان ويصدّون بأجسادهم ومعداتهم الشعارات ويعيدونها إلى المشاة. تمطر. تنتهي المظاهرة تماماً. نحن نتجمّع تحت شجرة ضخمة. زوايا الأرصفة وتراسات المطاعم والمقاهي تمتلئ. المظلات تخرج من كل مكان. هذه بلاد الذين يخافون المطر. أنا أيضاً بدأت أكره المطر والشتاء هنا. نتبادل السجائر. الأذكى هو الذي يعثر على مكان تحت غصن ثخين وكثيف الأوراق. لست ذكياً. سيتوقف المطر بعد قليل ولكن الأغصان ستبقى تقطر رذاذاً خفيفاً فيما يشبه محاولة نجّار تقليد زميله الحدّاد في عمله أو انتحالاً رديئاً من شاعر مبتدئ لنص شاعر معروف. هو فعل مزعج على أية حال لأن الإمطار ولو على هذا النحو الخفيف ليس إحدى مهام الشجرة. من لديه قداحة؟ يسأل أحدهم. يغادر آخر إلى محطة الميترو القريبة. يلحقه آخر. آخرون. نحن نبقى. ثلاثة، اثنان. صديقي الأخير يغادر. عليه أن يستقبل حبيبته في محطة القطار. أبقى هنا. ليس لدي حبيبة. أطفئ سيجارتي وأمشي. يمر سياح بباصات ويلوحون ولا يرد كثيرون عليهم لأن ذلك حدث يومي ممل في مدينة مثل هذه. لكنني أردّ عليهم بتلويحة اعتدتها. الغرباء والوحيدون يقدّرون السياح أكثر من السكان الأصليين. سنة واحدة في مدينة ليس لك فيها منزل ولا صديق تشتمه ويشتمك وأنتما تضحكان، تكفي لتصل إلى خلاصات كهذه.

 

 

شاعر

 

تعرفُ أن تلك سذاجة. أن اليوم لن يصبح شهراً إذا ربّيناه وأن الجدار لن يمشي إذا ما رسمتَ عليه ساقي فتاة. الأمور بسيطة وليست بحاجة إلى تعقيد. ما عليك سوى إغماض العينين وقول “آه” عندما تتألم وسوى العواء حينما تشعر بالوحدة. أزرار الياسمين التي تقطفها من السطح لن تنير الغرفة المظلمة كما تعتقد، وكذلك لن ينفع تضييع الوقت في البحث عن حبة كرز تلائم سرّة فتاة قد تحبها. جفّ كثير من الكرز ولم تأت تلك الفتاة. إنها في الصدفة، في البار، في الجامعة، في الحفلات، وليست على الورق أو في أحلام اليقظة. قم، اغسل وجهك واخرج إلى الشارع. انهض، ولا تفكر بكوي الأحلام المجعلكة على الطاولة قربك ولا تنفض عن قميصك أسطراً تحسب أنها انزلقت من كتاب غفوت وأنت تقرأه. الطريق إلى بيت صديقك هي نفسها ولا يبدو أنك ستصل أسرع من المعتاد إذا ما حملت دفتر مسودات فيه عشر مقاطع شعر صغيرة. اطرق عليه الباب واخرجا. وإذا صادفتا جميلةً فقل لها إنها جميلة ولا تكتف بالنظر إليها وبتركيب ملامحها مثل لعبة بزّل على صورة فتاة حلمت بها. قل لها إنها جميلة وادعها لشرب قهوة أو للعشاء. وإذا وافقت، فلا تحدثها عن شيء سواها. لا تقص عليها سيَر شعراء وفلاسفة ولا تحدثها عن الحرب. أخبرها فحسب أن يديها رقيقتان. قل لها إن يدها اليمنى أجمل وإنها نصف قصيدة ويكفي أن تفردها على يدك لتصبح قصيدة كاملة. قل لها ذلك وأنت تمسد شعرها إلى أن تنام وتصبح يدك خصلةً منه.

 

 

سلّة الزمن

 

عمري وعمرك

وضعناهما في السلة ذاتها

 

أخذت ما يكفيني

خذي ما يكفيكِ

 

نحن أطفال

انظري

بنطالي مهترئ عند الركبتين

سنك الأمامية مكسورة

 

تعالي نرمي

ما بقي في السلة

ونكبر سوياً

كما نريد

 

تعالي

أنت جميلة ورقيقة

وأنا وحيد وشقيّ ككلب.

 

 

2/ 5/ 2014

 

كنت أنوي أن أقترح عليكِ

بجدية

عندما التقينا هذا الصباح

أن تستبدلي عمودك الفقري

الذي يؤلمك

بغصن ياسمين

يمكننا قطفه

سوياً

من إحدى الشجيرات

في حديقة الجامعة

أو بجدول صغير

ينبع من صخرة

ويصب في أخرى قريبة منها

لكنني تخليت عن الفكرة

خوفاً من أن هذا الحل

لن يصلح إلا في الربيع

في الوقت الذي

يقترب فيه الصيف

بمقص حاد في يمناه

وقماشة يابسة

في يسراه

نسميها الشمس.

 

 

9/ 6/ 2014

 

مشغول

منذ الصباح

بقصّ أجزاء صغيرة

بسيطة وملونة

من هذا الصيف

أرسل بعضها

إلى الأصدقاء

وأضع الباقي

في محفظتي.

 

 

روتين

 

كل شيء متشابه:

يعتذر السبت

كعادته

مما فعله الأسبوع الطويل.

الخارجون من السينما

يشعلون سجائرهم

متجهين إلى الميترو.

العشاق يقبلون بعضهم

ويلتقط المراهقون صوراً لأنفسهم

بالطريقة ذاتها.

السكارى يحرسون الشوارع

بينما

تكمل النباتات نموّها

ببطء

في زوايا البيوت

وقرب النوافذ.

 

في هذه المدينة الكبيرة

ثمة بالتأكيد

من يرتدون ملابسهم بالمقلوب

ومن يجرحون أنفسهم

قصداً أثناء الحلاقة

فقط ليفعلوا شيئاً مختلفاً.

محمود الحاج/باريس/ عن العربي الجديد

 

 

التعليقات مغلقة.