المصارف اللبنانية في سوريا أقوى من الحرب

24

438

 

 

 

 

 

 

غدت سوريا في العقد الأخير، سوقاً للمصارف اللبنانية، التي قرر معظمها التوسع في هذه السوق. وبعد مرور 10 سنوات على فتح السوق السورية أمام الاستثمار الخاص في القطاع المصرفي، أصبح عدد المصارف اللبنانية العاملة في سوريا سبعة مصارف، من ضمنها ستة مصارف تدير فروعها السورية بشكلٍ مباشر، وهي: بنك عودة، بنك لبنان والمهجر، بنك بيبلوس، البنك اللبناني الفرنسي، فرنسبنك، وبنك بيمو، وكذلك بنك فرست ناشيونال بنك، الذي يعتبر مساهماً صغيراً في بنك سوريا والخليج.

استفادت المصارف اللبنانية من عوامل عدة، فقد قدم الإقتصاد السوري، الذي جرى تحريره، والذي كان قطاعه المصرفي ما يزال بكراً، فرصاً جديدة للمصارف اللبنانية، التي كانت على دراية جيدة بالسوق السورية، حيث اعتاد الكثير من الزبائن السوريين القيام بأنشطتهم عبر المصارف اللبنانية في فترة ما قبل تحرير هذا القطاع، كما أن بعض المصرفيين اللبنانيين، ذوي أصول سورية كآل الازهري وآل عبجي. ونظراً لأهمية القطاع المصرفي بالنسبة للإقتصاد السوري فقد كان يتمتع بحماية نسبية من المحسوبيات، التي لم تكن تسمح عادة، للمستثمرين الأجانب بدخول السوق من دون دفع عمولات ضخمة، أو لقاء حصص كبيرة من الأرباح. ونظرا لوضع نسبة 49% كسقف لما يمكن للمستثمرين غير السوريين امتلاكه في المصارف السورية، فقد عقد هؤلاء شراكات مع عدد من المستثمرين السوريين مما سمح لهم بتطوير علاقاتهم مع وسط رجال الأعمال، وبناء شبكات من العلاقات عبر البلاد كلها. وبالتالي كان من بين المساهمين المؤسّسين لبنك سوريا والمهجر رجال أعمال دمشقيون كراتب الشلاح وإحسان بعلبكي. أمَّا بنك عودة، ذو الخبرة الأقل بالسوق السورية، من منافسيه، فقد وقع اختياره على رجال أعمال من أنحاء مختلفة من سوريا، مثل سعيد الزعيم من حلب، حمد أتاسي من حمص، ونزار الأسد من اللاذقية. أما بنك بيبلوس فقد اختار الذهاب إلى التحالف مع رجال أعمال يتمتعون بنفوذ قوي في الساحة السورية، مثل رامي مخلوف وبعض من زملائه مثل نادر قلعي وعصام أنبوبة.

 

لغاية العام 2011 كانت أعمال المصارف جيدة جداً بفضل اعتمادها أنواعاً من الخدمات درَّت عليها غالبية أرباحها، وتحديداً الإقراض التجاري، والعمولات والرسوم. في السنوات التي سبقت الثورة، راحت المصارف تقرض العملاء أموالاّ أكثر فأكثر، وبشكل خاص بغرض شراء السيَّارات. وقد غامر بعض المصارف، كبنك عودة، بتمويل مشاريع صناعية وعقارية كبيرة مثل معمل اسمنت لافارج. كما أن هذه البنوك، التي ينظر إليها في لبنان، كقوة كليَّة القدرة، وعلى أنها تحقق أرباحاً طائلة على حساب المواطنين، قد قدمت في سوريا خدمات جديدة، لم تكن موجودة قبلا، وبذلك لم تكن النظرة إليها بهذه السلبية.

 

منذ العام 2011، وكبقية الإقتصاد السوري بدأت هذه المصارف تعاني من المشاكل. وعلى الرغم من أن بياناتها المالية استمرّت بإظهار الأرباح، فإن ذلك يعود بدرجة كبيرة إلى انخفاض قيمة الليرة السورية. أما من حيث الدولار، فإنها إما تحقق خسارة، أو تحصل على أرباح قليلة فحسب. وفي كل الأحوال، لا توجد مخاطرة في أن يقوم أحد هذه المصارف بمغادرة السوق السورية، إذ تمتلك المصارف اللبنانية الخبرة في إدارة الأزمات. وبإستثناء بنك بيمو، فإن حجم أعمال المصارف اللبنانية في سوريا قليل، مقارنة مع حجمها في لبنان، ولهذا فإن بمقدورها تغطية خسائرها المحتملة. أما إذا اختارت مغادرة السوق السورية، فإن تكلفة العودة إليها، بعد عودة الأمور إلى طبيعتها، ستكون باهظة. كما يجب التنويه إلى حقيقة أن وجود المصارف اللبنانية في سوريا قد تم عبر شركات تابعة، ذات كيانات متميزة من الناحية القانونية، مما ساعد في تجنب هذه المصارف العقوبات الغربية.

إن المصارف اللبنانية مؤسسات قوية جداً، ستتمكَّن من تخطي الحرب في سوريا، كما استطاعت تخطي الحرب في لبنان.

جهاد اليازجي/ عن المدن

التعليقات مغلقة.