آلاف المعتقلات في سجون النظام السوري لا يزال مصيرهن مجهولا
رغم تعرضها لتجربة اعتقال لم تتجاوز 50 يومًا، لا تزال «هبة» تخشى مجرّد أن تتذكر مشاهد التعذيب التي عاشتها وشاهدتها في فرع أمن الدولة في دمشق، وهي العذابات التي تعيشها آلاف المعتقلات في أقبية سجون النظام، فيما لا تلقى حملات المطالبة بالإفراج عنهن أو كشف مصيرهن آذانا صاغية من قبل السلطات.
تعود هبة (اسم مستعار) بالذاكرة إلى تلك الأيام في عام 2013 وتحديدا بدءا من شهر أبريل (نيسان) حين استدعيت على خلفية مساعدتها في أعمال الإغاثة في أحد أحياء دمشق. وتقول في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «تهمتي كانت أنّني تلقيت الأموال من جهات خارجية، لم تكن في الواقع سوى تحويل مبلغ من المال يعادل 500 دولار أميركي أرسلها لي أخي الذي يعمل في دولة عربية، لتعينني وأسرتي على الحياة نتيجة غلاء الأسعار».
رحلة الاعتقال التي استمرت 7 أشهر عاشتها هبة بين جدران السجن بعيدا عن أي اتصال مع الخارج، حتى أهلها الذين لم يتمكنوا من معرفة ما إذا كانت ابنتهم لا تزال على قيد الحياة أو في أي سجن اعتقلت.
تتحدث هبة عن 7 جولات تحقيق جرت معها. كانت في كل مرة منها تضطر لسرد سيرة حياتها كاملة، وفي النهاية يجري تدقيق أسماء وأماكن العائلات النازحة ومن كان يساعدها في تقديم العون للنازحين.
تتذكر هبة الكثير من قصص الاعتقال لنسوة التقتهن في سجن النساء. كانت الأكثر حرقة قصص الابتزاز الذي تعرّضن له من خلال تعذيب أقاربهن للحصول على اعترافات، أو العكس من خلال ابتزاز الزوج أو الابن عبر إهانة كرامات قريبات لهم من النساء. وتقول: «أشدّ وسائل التعذيب قسوة كانت تلك التي يعمد خلالها رجال الأمن إلى ترك المعتقلات يشاهدن، بشكل متعمد، جثث شباب قتلوا تحت التعذيب، وتركت جثامينهم ملقاة لساعات طويلة في الممرات وداخل الزنازين، وهو الأمر الذي يؤدي، بحسب اعتقاد المحققين، إلى انهيار معتقلين آخرين ويسهّل عملية انتزاع اعترافاتهم».
وتضيف هبة: «7 أشهر في المعتقل مع أكثر من 30 امرأة تنتمي كل منهن إلى بيئة ومجتمع مختلف، تعلمت منهن حساب الوقت من صوت الأذان ومن أوقات الطعام».
ومن دون سابق إنذار طلب من هبة في صباح أحد الأيام، تجهيز نفسها للمغادرة، وهنا تقول: «أطلق سراحي بعد عرضي على المحقق الذي رآني محظوظة لكوني من الأقليات ومن الصعب أن أنجرّ إلى بيئة متطرفة، وهو الأمر الذي أبعد عني شبح إحالتي إلى محكمة الإرهاب».
خرجت هبة من المعتقل لتجد الكثير من الأصوات المطالبة بإطلاق سراحها، بعدما أنشأ أصدقاء لها صفحة على «فيسبوك» كغيرها من المعتقلين كنوع من الوفاء لمعتقلي الثورة، ولتصيح واحدة من هؤلاء الناشطات رافعة الصوت للإفراج عن المعتقلين والكشف عن مصيرهم.
وكان آخر تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان، صدر نهاية العام الماضي، أفاد بأنّ هناك ما يزيد على 40.300 معتقلة داخل الأفرع الأمنية وسجون النظام، فيما كشف مصدر حقوقي من دمشق لـ«الشرق الأوسط»، فضل عدم ذكر اسمه، أنه لا يزال هناك قرابة 600 امرأة معتقلة في سجن عدرا بانتظار إحالتهن إلى محكمة الإرهاب.
ومن أولى حملات الوفاء للمعتقلين كانت حملة «ثلاثاء الحرية» وجرت العادة أن ترفع أسماء المعتقلين على لافتات خلال المظاهرات السلمية المقامة يوم الثلاثاء من كل أسبوع، في الأشهر الأولى لخروج المظاهرات في عام 2011، لكن ذلك التقليد انتهى بعد أن دخلت الثورة زمن التسلح، ليستمر النشطاء بتنظيم الكثير من الحملات هادفين بذلك إلى تسليط الضوء على تلك الفئة، ومحاولين تنبيه الرأي العام العالمي إلى خطورة ملف الاعتقال الذي يعد من الأوليات الملحة، خاصة بعد ازدياد حالات الموت تحت التعذيب وما سرّب من صور كشفت النقاب عن مصير 11 ألف معتقل قضوا جميعًا داخل الأفرع الأمنية.
وسبق أن نظمت مجموعة «نساء سوريات لدعم الانتفاضة السورية»، وهي مجموعة عمل مدني تعنى بالمعتقلين وأسر الضحايا، عددا من حملات المطالبة والكشف عن مصير نساء معتقلات. وجاءت حملاتها تحت عنوان «صمتك عورة»، منها ما كان للمطالبة بإطلاق سراح عميشة شعبان ذات الـ60 سنة، وسميرة الناطور، وطل الملوحي، ورزان زيتونة، وسميرة الخليل، وإخلاص محمد التي اعتقلت بينما كانت حاملا في شهرها الثامن وأنجبت ولدها في سجن عدرا.
وأخيرا نظمن حملة «النساء سوريات» للمطالبة بإطلاق سراح فاتن رجب المعتقلة لدى النظام منذ أواخر 2011، وانقطعت أخبارها طوال عامين إلى أن تسربت أخبار عن وجودها داخل سجن عدرا بانتظار إحالتها إلى محكمة ميدانية.
عن الشرق الأوسط
التعليقات مغلقة.