حق الدفاع عن الذات

26

نايف

 

 

 

 

 

 

نايف جبيرو

لا شك أن حق الدفاع عن الذات يعتبر من الحقوق الأساسية والأصيلة المكتسبة للفرد منذ مئات بل وآلاف السنين, هذا الحق الذي جرى تأصيله وترسيخه بشرائع سماوية عديدة, حيث اعتبر شهيداً مثواه الجنة منْ مات دون ماله أو عرضه أو أرضه أو عقيدته, وأنّ القاتل مثواه جهنم وبئس المصير.

ولا شك أنه لا يمكن النظر إلى هذا الحق في الأحوال العادية إلّا من خلال منظورها الحقيقي والتي تتلخص في إحدى صورها المبسطة, تمكين الإنسان الفرد في الدفاع عن ذاته عندما يتهدد حياته أو حريته أو أمنه الشخصي لخطر ما أو تهديد ما, ولهذا فقد جاء في ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان, ما مضمونه؟, أنه ولما كان الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم, ولما كان تناسي حقوق الإنسان وازدراؤها؟! قد أفضيا إلى أعمال همجية آذت الضمير الإنساني وكان غاية ما يرنو إليه عامة البشر انبثاق عالم يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة ويتحرر من الفزع والفاقة, ولما كان من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان لكيلا يضطرّ المرء آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم.

ومن هذا المنطلق فقد جاء في المادة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان, أن لكل فرد حقٌ في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه, ومن واجب ومسؤولية كل سلطة أو دولة حاكمة توفير ما يلزم من سنّ القوانين والتشريعات للحفاظ على هذا الحق مصوناً لكلّ فردٍ من أفراد المجتمع, وبما أن الدولة مسؤولة مسؤولية كاملة بحماية هذا الحق للأفراد فقد لجأت إلى سنّ قوانين خاصة لحماية هذا الحق وإشراك الأفراد في تحمّل المسؤولية إلى جانب الدولة, عندما يكون هناك خطر خارجي يهدد حق الأفراد في الحياة والحرية والأمان, أو تحسباً لهذا الخطر في أي لحظة.Bûyerspor فلجأت إلى إصدار قوانين خاصة بالتجنيد الإلزامي وخدمة العلم, وقد لاقى هذا القانون في العديد من الدول الديمقراطية النجاح بسبب شعور الأفراد وهم يلتحقون بالخدمة بأنهم وبموجب هذا القانون يحمون حقهم في الحياة ويبّعدون الخطر عن أهلهم وذويهم وعن أرضهم ووطنهم, لكن هذا القانون وفي دولٍ عديدة غير ديمقراطية تعرّض لصعوبة التطبيق والتنفيذ بل ولحالات التمرّد والفرار من الخدمة, وذلك بسبب غياب هذا الشعور وخاصة في حالة نشوب نزاعات داخلية أو حروب أهلية أو طائفية, أو استخدامهم لأغراض لا تمتّ بصلة لغرض حمايتهم وحماية ممتلكاتهم.

لذلك وبالاستناد على تجارب الآخرين, عندما يتم التفكير لسنّ قانون خاصٍ بالخدمة الإلزامية أو ما يسمى بقانون الدفاع عن الذات كما هو الحاصل في كانتون الجزيرة, وحيث نشهد حالة ما يشبه الحرب الأهلية والطائفية, واختلاط الحابل بالنابل كان من الواجب اللجوء إلى إجراء دراسة حقيقية مجتمعية, سياسية وثقافية واقتصادية وفكرية لمكونات مجتمع الجزيرة بغية الوصول إلى نتائج علمية تبين للقائمين في الإدارة الذاتية وللمكلفين بإصدار هكذا قانون إلى أيّ درجة من الممكن أن يلقى هذا القانون تجاوباً لدى الأفراد في عموم مجتمع كانتون الجزيرة أو بقية الكانتونات الأخرى.

كوباني وعفرين ومن ثم معرفة مواضع الخلل والنقص التي من الممكن أن تعرقل تنفيذ هذا القانون, والعمل على إذلالها وتفاديها, ومن الواضح جداً أن هذا القانون الذي مضى على صدوره أكثر من شهر لم يخضع لأي نوعٍ من أنواع الدراسة من هذا القبيل, وكما يبدو أنّ القائمين والمكلفين بإصدار هذا القانون قد اعتمدوا فقط على مسألة واحدة وهي وجود خطر وتهديد المجاميع التكفيرية من داعش وغيرها للمناطق الكردية, دون الأخذ بعين الاعتبار المسائل الجوهرية الأخرى في المجتمع الكردي, تلك المسائل التي لا يمكن أن تغيب عن ذهن أي مراقب للوضع السياسي الكردي, حيث انقسام المجتمع الكردي إلى أكثر من شطرين اثنين, وبمعنى آخر أنّ أكثر من نصف المجتمع الكردي مهمّش أو غير مشارك أو غير مبالي, في كل ما يصدر من قوانين وقرارات يمس المصير المشترك للجميع, إنني وبالتالي أعتقد أن هذا القانون الذي صدر ومن دون إجراء ما أشرت إليه. من دراسة حقيقية سوف لن تؤدي إلى حماية الذات المبتغى الحقيقي لهذا القانون, بل وقد يؤدي إلى تدمير الذات الذي هو تدمير للمجتمع الكردي بصورة خاصة, ومن ذلك يمكن الإشارة إلى بعض ملامح هذا التدمير, حيث ومنذ صدور هذا القانون وكما يعلم الجميع فقد لجأ العديد وبأعدادٍ كبيرة ممن لا يتوافقون أو لا يرون فيها حمايةً للذات الكردية, من شباب مجتمعنا الكردي إلى الهجرة إلى خارج الوطن وبالتحديد إلى الدول الأوربية, وهنا لا يهم نعت هؤلاء بأي صفة من صفات اللاوطنية بل المهم النتيجة المتوقعة وأقلّ ما يمكن القول في هذا الشأن ونتيجة هذه الهجرة قد نتفاجئ في المستقبل القريب أننا وقد أصبحنا في مناطقنا أقلية بالمقارنة بالمكون العربي, هذا إن تمكنّا بالأساس في رد الهجمة البربرية على مناطقنا بعد أن نكون قد فقدنا نصف طاقات مجتمعنا إن لم يكن أكثر, إنني لا أستطيع ومن خلال هذه الأسطر القليلة أن ابيّن مختلف مساوئ إصدار هذا القانون وبهذه الطريقة, ولكن أستطيع القول بأنها أضرّت أكثر بكثير مما نفعت مجتمعنا, ومن هذا المنطلق أتمنى لو يتم إعادة النظر بهذا القانون والعودة إلى دراسته من جديد وبشكلٍ جيد مع مشاركة الآخرين في هذه الدراسة ريثما يتم إيجاد الأرضية المناسبة له وحينها يمكن إصدارها والإستفادة منها كما يجب, وعندها فقط يصبح الالتزام بها ومن قبل الجميع أمراً مقدساً, وعندها فقط يشعر الجميع بأنه يدافع عن ذاته وحياته وحريته وأمن وطنه.

التعليقات مغلقة.