صحيفة الحياة: الشاعر شيركو بيكس.. صوت كردستان
Buyerpress
فجأة، اكتشفنا شيركو بيكس من خلال ديوان صغير «مرايا صغيرة» صدر في دمشق عن دار الأهالي في أواخر الثمانينات، قصائد كردية قصيرة، مكثفة، باذخة، تهز القارئ من الداخل وتأخذ بيده نحو جبال ووديان وشمس وصباحات وأنهار وأزهار ونجوم وليل كردستان.
تضمنت المجموعة مختارات من قصائد الشاعر الكردي كتبها بين 1975 و1985 وأشرف شخصياً على ترجمتها إلى العربية بمساعدة نخبة من الأدباء الكرد، وقام بمراجعتها، وأعاد تحرير الكثير من القصائد وترجمتها بنفسه، فاحتفظت بالكثير من نضارتها التي تضيع عادة عند الترجمة.
تجربة شيركو بيكس كانت مغايرة استفادت من منجز الشِّعرين العالمي والعربي، لكنها حافظت على هويتها الكردية، من هنا أهميتها ودورها الريادي في التأسيس لقصيدة نثر كردية خالصة.
وبينما انحاز مجايلو شيركو بيكس للشعر السياسي… ظل مخلصاً لروح كردستان… وهذا ما نراه ونتلمسه ونحن نقرأ قصائد هذا الشاعر الكردي المتفرد… الذي لم يأسر القارئ الكردي فقط، بل القارئ العربي أيضاً الذي وجد شعراً كردياً مختلفاً، وقريباً منه بحكم الجغرافيا والتاريخ وليس هذا فحسب، بل الألم والأمل الكرديان، هما ألمه وأمله أيضاً.
بعد «مرايا صغيرة»، قرأنا بالعربية «ساعات من قصب» و «سفر الروائح» و «إناء الألوان» و «الكرسي» وأعمالاً أخرى، حتى أصبح شيركو بيكه س شاعراً لا ينتظره القارئ الكردي فحسب، بل العربي أيضاً وبشغف.
وُلِد شيركو بيكس لعائلة كردية فقيرة، كان والده فائق بيكس شاعراً معروفاً ومناضلاً صلباً، قاد انتفاضة كردية كبيرة في مدينة السليمانية عام 1930 قبل ولادة ابنه الذي سيسير على خطى والده في الشعر والسياسة والحياة…
وبسبب عمل الوالد معلماً (وناشطاً سياسياً سراً) تنقلت عائلة فائق بيكس بين المدن والقرى والجبال الكردية، الأمر الذي أتاح لشيركو بيكس وهو طفل رؤية جغرافية كردستان وتضاريسها وبيوتها وأشجارها وجبالها ووديانها وأنهارها ونجومها وشمسها في قصائده، خصوصاً في قصائده القصيرة الموغلة في الدهشة والفتنة بعيداً من البلاغة المزمنة والخطابية الفجة والمباشرة التي وسمت القصيدة الكردية، خصوصاً في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية، وبسبب تسلُّل الواقعية الاشتراكية إلى الأدب الكردي شعراً ونثراً.
منذ قصائده الأولى، كان واضحاً انحيازه إلى القصيدة القصيرة التي ظهرت في الشعر الكردي خلال فترة السبعينات، وحققت حضوراً كبيراً على يد شيركو بيكه س، ولطيف هلمت، وعبدالله بيشو. وإذا كان الأخيران انحازا إلى السياسي على حساب الشعري، فإن شيركو بيكه س ظل مخلصاً للطبيعة وللتفاصيل الصغيرة المشحونة بطاقة شعرية هائلة.
ورغم أن شيركو بيكس كتب نصوصاً طويلة مثل «سفر الروائح» و «إناء الألوان» و «الكرسي» تُرجمت كلها إلى العربية طبعاً. تمتزج فيها القصيدة بالمسرح وبالأسطورة والحكاية، لكن القصيدة القصيرة، والتي أطلق النقاد (الكرد) عليها لقب الهايكو الكردي ظلت هي الأثيرة عند شاعرنا الكبير، حيث الاختزال واصطياد البرهة العابرة ودمج الشعر بالسرد، بحيث تتحول القصائد إلى نوع من الحكاية المعبّرة أو الأقصوصة.
في هذا الديوان، سبعون نافذة متجولة أو سبعون قصيدة متجولة في دروب كردستان وبراريها، وكما في كل قصائده ودواوينه هناك توثيق من خلال الصورة الشعرية للكثير من التفاصيل… البيوت والأشجار والينابيع والبحيرات والأزهار والنباتات والوعول والناس طبعاً… كأنه خوفه الأزلي على حياة كردستان لذلك يستحق بجدارة أن يكون شاعر كردستان وحارس آمالها وآلامها طبعاً.
بقي أن أشير إلى الجهد الكبير الذي بذله المترجم الكردي المعروف حسين عمر لنقل هذه القصائد من اللغة الكردية إلى العربية من دون أن تفقد ألقها ووهجها وحضورها ودهشتها.
المصدر: الحياة
التعليقات مغلقة.