تنظيم الشعب وتمثيله

57

صالح مسلم

 

“من يمثل هكذا مجتمع منظم يمكنه أن يتحدث باسم الشعب والجماهير، أما غير ذلك فيمكن أن يكون متحدثاً باسم الجهة التي وظفته، فقد يكون حزباً عائلياً أو حزباً يمثل طبقة اجتماعية محددة أو حكومة تمثل طبقة مهيمنة في بلد ما. وبما أننا نعيش في مجتمع الشرق الأوسط، فلدينا تجارب مريرة ورصيد وفير من المعرفة بالأحزاب السياسية التي لا تخدم مجتمعاتها، وترفع شعارات لا تتناسب مع واقعها وعملها”

 

كثيرون من يتحدثون باسم الشعوب والجماهير، ويدعون بأنهم يمثلون الشعوب أو إراداتها، فهل حقاً هؤلاء يمثلونها؟ هذا الواقع يدل على أمر مهم وهو: أن إرادة الشعوب تحظى بقدسية يجب على الجميع احترامها ورعايتها والعمل بها، ولهذا يدعي الجميع تمثيلها. ولكن كم من ديكتاتور مستبد يكتم أنفاس شعبه ولا يحترم حقوقه الديموقراطية ويدعي أنه يمثل شعبه؟ وكم من سياسي منبوذ بين الشعب يتاجر باسم الشعب والجماهير؟، وكم من آغا أو شيخ يتاجر باسم العشيرة ويدعي تمثيلها؟

الجميع يتشدق بالديموقراطية، والديموقراطية تعني إرادة الشعب، والديموقراطية الجذرية هي التي تعبر عن إرادة الشعب الحقيقية لأنها تعني مشاركة جميع شرائح المجتمع في القرار. وحتى يتمكن المجتمع من ممارسة حقه بشكل يعبر عن إرادته يجب أن يكون منظماً، فالمجتمع المنظم هو القادر على القيام بكل شيء. والمجتمع غير المنظم يتحول إلى مجتمع قطيع، وعندها يكون المجتمع معرضاً لكل أشكال الكوارث والمصائب.

من خلال تجربتنا خلال الثورة السورية تأكد لنا أن المجتمع المنظم الواعي هو القوة الأكبر والسلاح الأمضى في مواجهة كل الاعتداءات والدسائس والمؤامرات. فقد كان شعبنا منظماً بعض الشيء مع بداية  الثورة السورية والتنظيم يعني عقلاً جماعياً مما جنبنا الانزلاق إلى مسارات ليست في صالح شعبنا في البدايات، ومع التطورات عملنا على مزيد من التنظيم ومزيد من التوعية بما يجري حولنا، واحتكمنا إلى شعبنا وإرادته، وهذا ما دفعنا إلى انتهاج النهج الثالث لأن النهجان الأول والثاني لم يكونا يمثلاننا في شيء، بل لا يعترفان بوجودنا. ولهذا اعتمدنا على مجتمعنا فعملنا على تنظيم صفوفه بما في ذلك الدفاع الذاتي.

الذين استهدفوا مجتمعنا توفرت لهم كل الإمكانيات المال والسلاح والإعلام والمأجورون، بينما مجتمعنا لم تتوفر له سوى إمكانياته الذاتية، ولأنه كان منظماً واعياً بما يجري حوله ومؤمنا ومتمسكاً بحقوقه، استطاع الدفاع عن نفسه وكرامته فانتصر في سري كانية وكوباني، وعندما وجدت الأطراف الأخرى صدقه وبسالته وتضحياته، ووجدوا في التحالف معه يخدمهم أيضاً فتحالفوا. وهكذا تلاحقت الانتصارات إلى أن سقط الإرهاب، وتغيرت المعادلات في مجمل المنطقة. ولا زال أمامنا الكثير من المهام والانتصارات.

الأحزاب السياسية هي أيضاً أداة وظيفتها تنظيم وتوعية الشعب، ومن المفروض أن تعبر عن إرادة الشعب، أما إذا تحولت هذه الأداة إلى وسيلة لأغراض أخرى فهي تبتعد عن وظيفتها، وعندها لا يمكن أن يمثل الحزب الإرادة السياسية للشعب. وعندما نقول تنظيم الشعب فإننا لانقصد تنظيم الشعب ضمن صفوف الحزب، بل نقصد تنظيمات محددة لأغراض محددة في المجالات المختلفة من اجتماعية واقتصادية وثقافية بل وحتى دفاعية. فالمجتمع المنظم هو المحمي. وهذا ما نسميه بالديموقراطية الجذرية. أي الديموقراطية التي تأتي من القاعدة إلى الأعلى. فالكومونات تمثل أوسع قاعدة شعبية تعبر عن إرادة الشعب، ولجانها المختلفة هي التي تلبي حاجات الشعب من توعية وتثقيف وحماية بما في ذلك الحاجيات اليومية. ورئاسة الكومون تمثل إرادته، والمجالس تمثل إرادة الكومونات. وهكذا وصولاً إلى قمة الإدارة.

الكومونات والمجالس المحلية والمجالس الشعبية ليست من ابتكارنا، وإنما اكتسبتها البشرية بعد تجارب مريرة من النضال والصراع، والمجتمع الأوروبي هو أكثر المجتمعات عملاً بها، بينما نحن تنقصنا هذه الثقافة بعض الشيء، ونحن أول من يعمل بها في منطقتنا ولهذا نواجه عقبات ونواقص كثيرة، فكثير من أبناء شعبنا لا زال يجهل أهمية ووظائف الكومون والمجالس المحلية، ولهذا شهدنا نواقص كثيرة عند تأسيسها انتخاباتها، ولكن رغم ذلك يبقى هذا التنظيم المجتمعي خطوة سليمة على السبيل السليم، وسيتم تدارك تلك النواقص والأخطاء وتصحيحها مع الزمن.

من يمثّل هكذا مجتمع منظم يمكنه أن يتحدث باسم الشعب والجماهير ، أما غير ذلك فيمكن أن يكون متحدثاً باسم الجهة التي وظفته، فقد يكون حزباً عائلياً أو حزباً يمثل طبقة اجتماعية محددة أو حكومة تمثل طبقة مهيمنة في بلد ما. وبما أننا نعيش في مجتمع الشرق الأوسط، فلدينا تجارب مريرة ورصيد وفير من المعرفة بالأحزاب السياسية التي لا تخدم مجتمعاتها، وترفع شعارات لا تتناسب مع واقعها وعملها.

ولهذا نقول مرة أخرى أن تمثيل الشعوب والجماهير يقوم على أسس وقواعد من دونها لا تتوفر شرعية التمثيل.

نشر هذا المقال في العدد /81/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 15/7/2018

 

 

التعليقات مغلقة.