المقاومة حقٌّ شرعي تكفله القوانين والمواثيق الدولية
خبات محمد
بعد مرور أكثر من ثمانية أسابيع على الغزو التركي الهمجيِّ لمنطقة عفرين السوريّة، دون أن تحقق هدفها النهائيّ بالسيطرة الكاملة على هذه المنطقة التي رفض أبناؤها والمدافعون عنها من وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية والدفاع الذاتيّ الاستسلام والخنوع، وفضلوا المقاومة كحقٍّ شرعيّ تكفله المواثيق والقوانين الدولية وسطروا ملاحم أسطورية معيدين بدفاعهم الكرامة المهدورة مدركين تبعات هكذا قرار على منطقتهم الوادعة، والتي كانت قبل أمد ليس ببعيد ملجأً للهاربين من أتون الحرب الأهلية في الجوار القريب المنكوبين من صفاقة السياسات التي حولتهم إلى مجرد أرقام ضمن لعبة قذرة بين المتدخلين في الشأن السوريّ لتتوضح ملامح اللوحة الكارثية التي وصلنا إليها نحن كسوريين.
هذه اللوحة التي تنذر باستمرار الحرب والقتل والدّمار لأمد غير منظور.
إن المُتتبِّع لسياسات حكومة العدالة والتنمية التركية بالنسبة للشأن السوري لن يكون من الصعب عليه إدراك أن المحدد الأساسي لها هو إبراز تيار الإسلام السياسيّ الطائفيّ وضرب أيّ حضورٍ كرديّ فاعل أينما وجد وهو ما لا تخفيه تركيا وعلى لسان كبار مسؤوليها، ومع بداية هذا العدوان السافر أُعلن في تركيا الدولة المدنيّة النفير العام ولبس سلطانها الزِّي العسكري وبدأت حملات التجييش بلبوس دينيّ لإعادة إنتاج وإحياء منظمة القاعدة مرافقة لحملات عنصرية قوموية تنذر بدورها إلى اتساع دائرة الحرب الأهلية التي تبتغيها تركيا من هذا العدوان ولتتجه نحو توسيع الهوة بين المكونات السوريّة، هذا العدوان يأتي كمحصِّلة للسياسات التركيّة وعلى مدى ثماني سنوات من عمر الأزمة السوريّة والتي حاولت وبكل جهدها جرّ الكرد إلى صراع عسكريّ من خلال انتهاكات صارخة لسيادة الدّولة السوريّة وحدودها وتوغُّلها في أكثر من منطقة حدودية، ناهيكم عن بقاء مئات الهيكتارات من الأراضي الزراعية المتاخمة للحدود بوراً وتماديها في قتل العشرات من المدنيين العزل من القرى والبلدات الحدودية، وعلى طول حدودها مع سوريا وتحديداً المناطق الكردية لتشكل إرهاباً حقيقيّاً للمدنيين لكن الجانب الكردي المسيطر على الطرف الآخر من الحدود التزم بضبط النفس ليفشل مآرب تركيا التي لجأت إلى أدواتها في الدّاخل السوريّ من المرتزقة المؤتمرين بأوامرها والذين توجّهوا إلى المناطق الكُردية تحت غطاء المعارضة للنظام القابع في دمشق، ومن ثم دعم الدولة الإسلامية المزعومة وتمدّدها في الجغرافية السوريّة والعراقيّة وارتكابها أفظع الجرائم في المناطق الكرديّة، في هذه المرحلة، برز دور المقاتلين الكُرد في مقارعة الإرهاب واكتسبت قضيتهم بعداً دولياً وتعاطفاً شعبيّاً وحكوميّاً، وهيأت الأرضيّة المناسبة لدخول هـذه القوات ضمن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية؛ هنا استشعرت تركيّا فشلها في تحقيق أهدافها عن طريق وكلاءها فعمدت إلى التدخُّل بشكل مباشر بداية في جرابلس وإعزاز وبعدها إدلب والآن بعدوانها السافر على عفرين. وهي إحدى تجليات اللعبة القذرة بين الأطراف الفاعلة في الأزمة السورية.
هذه التوافقات والمساومات والتي كان أبرز نتائجها ضرب القرار الأممي 2401 القاضي بوقف العمليات القتالية في سوريا باستثناء القاعدة وداعش، بل الأنكى من ذلك زيادة مريبة من وتيرة القتل والتدمير بعد إصدار القرار.
إذاً، هي إرادة قوى مارقة لا تعترف بقانون أو دستور وهي من أعطت أردوغان الغطاء اللازم لاحتلاله جزءاً من أراضي دولة جارة بذرائع واهية وتقارير مُلفقة عن تهديد يطال أمن بلده تركيا من وراء الحدود التي انتهكها والحقيقة المغيبة قسراً، إنّ لا وجود لأي انتهاك لحرمة حدود تركيا ولا تهديد ولو بطلقة واحدة قبل اجتياحها لمنطقة عفرين، لتأتي هذه الانتهاكات متزامنة ومرافقة لانتهاكات – لا تقل عنها وحشية – في الغوطة الشرقيّة.
وما يُظِهر للعيان جلياً؛ ضعف وهامشية القرار الوطنيّ السوري من مختلف القوى السوريّة ومدّعي تمثيل مكوناتها وهي الحقيقة التي يتوجب الاعتراف بها ومن ثم العمل لردم الهوة المتشكلة كنتيجة لغياب العقل على مدى ثماني سنوات، ومن المفارقات العجيبة أن يخفت صوت المثقفين السوريين غير الكرد في الحدث العفريني، ويخفت صوت الكرد في حدث الغوطة. إنّها نتائج كارثيّة لمآلات الوضع السوريّ باستثناء بعض الأصوات النادرة الخجولة يدفعها الحسّ الوطني.
أيضاً، هناك استثناءات من بعض السوريين ليس بدوافع وطنية لأنّهم موظفون منخرطون ضمن تلك اللعبة القذرة، وبالنتيجة تتكون مشاريع سياسيّة متضاربة تقسّم الجغرافية السورية وفق مناطق نفوذ لتلك القوى المتدخلة والتي ستشهد المراحل المقبلة مزيدا من التناقضات فيما بينها، فإيران والميليشيات التابعة لها لن يسعدها التمدد التركي في الشمال السوري، والتحالف الدولي لن يكون من مصلحته إضعاف حليفه قوات سوريا الديمقراطية التي بذلت الكثير في مقاومتها للمنظمات الإرهابيّة وإلحاق الهزيمة بها وانحسار مناطق سيطرتها واعتماد مشروعها في شرق الفرات على هذه القوة (التي كانت قبل فترة وجيزة مضرب مثل لدى أغلب عواصم الدول المتحضِّرة والتي خيم عليها صمت مطلق ومريب )، و لن يكون من مصلحته انزياح تركيا حليفها في الناتو نحو الاتحاد الروسي الطرف الأقوى في الجانب الآخر من المعادلة السورية والذي يحاول -وبكل السبل- احتكار الملف السوري بأكمله وقيادة العملية السياسية وفق مصالحه الاستراتيجية في المنطقة.
هذه التقسيمات تأتي في غياب الاستجابة لمشاريعٍ وطنيّة سوريّة تأسست لدولة القانون وتحترم المواثيق الدولية وتراعي حقوق مكوناتها.
والعودة لتلك المشاريع بهذا التبسيط تبدو خياليّة في الطرح في ظل تغييب الإرادة الوطنية السورية وضعف قواها الذاتية مقارنةً مع قوة الأطراف الدولية والإقليمية في إدارة الأزمة السورية وإطالتها على حساب أثمان باهظة السوريون يدفعونها.
و لكن من المؤكد أنّ لا خيار آخر أمامنا كسوريين إلا تبسيط التعقيدات وامتلاك الإرادة الوطنيّة للخروج من هذا النفق المظلم.
*عضو الهيئة القيادية لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (Yekîtî)
نشر هذا المقال في العدد /67/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 15/3/2018
التعليقات مغلقة.