وكالات _ Buyerpress
عقد حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للكرد مؤتمره العام يوم الأحد وسط أجواء مشحونة بالضغوط والتحديات إذ لم يكن من السهل على الحزب خوض غمار السياسة التركية منذ أن حقق مفاجأة كبرى في أولى مشاركاته في الانتخابات البرلمانية في 5 يونيو 2015 بعدما تجاوز عتبة الـ10% ودخل البرلمان للمرة الأولى، ناهيك عن إعلان زعيم الحزب صلاح الدين دميرتاش أن الحزب “لن يسمح لرجب طيب أردوغان بأن يصبح رئيسا لتركيا”.
وفي حين لم يتعرض الحزب للحظر والإغلاق كسابقيه، واجه ما هو أسوأ من ذلك مع تعرض دميرتاش وشريكته في قيادة الحزب فيغن يوكسيكداغ للاعتقال برفقه سبعة نواب من الحزب والمئات من الأعضاء، من بينهم العديد من رؤساء البلديات المنتخبين.
ومع تطلع أعضاء الحزب إلى انتخاب رئاسة مشتركة جديدة تسهم في قيادة دفة الحزب في خضم هذه الأوقات العصيبة، لم يكن هناك مجال يذكر لحدوث أي مفاجآت، حيث تم تشكيل لجنة خاصة لاختيار المرشحين لخلافة دميرتاش وأعلنت بالفعل الرئيسة المشتركة للحزب سربيل كمال باي انتخاب المشرعة بروين بولدان لتشغل منصب الرئيسة المشاركة للحزب مع سزاي تمللي كشريك لها في زعامة الحزب.
وقبل وقت قصير من المؤتمر، أصدرت السلطات الحكومية قرار احتجاز بحق كمال باي و17 عضوا آخرين بالحزب للإجهار بمعارضتهم لعملية “غصن الزيتون” التي تنفذها القوات المسلحة التركية في بلدة عفرين السورية بالقرب من الحدود بين البلدين. وكان قد تم اختيار كمال باي لتتولى المنصب أساسا خلفا ليوكسيكداغ التي أمرت السلطات باعتقالها وشطب عضويتها في كل من الحزب والبرلمان.
وبالإضافة إلى منصبها الجديد، تشغل بولدان حاليا مركزي نائب رئيس البرلمان ونائب رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الشعوب الديمقراطي بعد أن تم انتخابها لتمثل الحزب عن بلدة أغدير الحدودية الشرقية.
أما تمللي فقد كان نائبا برلمانيا عن اسطنبول من يونيو إلى نوفمبر 2015 وكان يشغل أيضا منصب نائب رئيس الحزب المسؤول عن وضع السياسة الاقتصادية للحزب.
وبينما تمثل بولدان التيار “المؤيد للأكراد” في الحزب، يميل تمللي أكثر إلى تيار “اليسار التركي”.
لكنها قبل أن تصبح الرئيسة المشاركة لحزب الشعوب الديمقراطي، كانت بولدان إحدى المؤسسات لحركة “أمهات السبت” التي تنظم مظاهرات أسبوعية للمطالبة بالقصاص لضحايا عمليات الإعدام خارج نطاق القانون خلال فترة الانقلاب العسكري في الثمانينيات من القرن الماضي وحالة الطوارئ في التسعينيات بعدها.
وكان زوج بولدان رجل الأعمال سافاش بولدان قد اختطف وقتل عام 1994 على أيدي مجهولين، وقبلها أصدرت رئيسة الوزراء آنذاك تانسو تشيلر التصريح التالي في 4 نوفمبر 1993:
“لدينا قائمة من رجال الأعمال الأكراد الذين يساعدون حزب العمال الكردستاني، وتتكون القائمة من حوالي ستين اسما، وستستخدم الدولة كل الوسائل لمحاربة هؤلاء الذين يقدمون الدعم المالي لحزب العمال الكردستاني بنفس الطريقة التي تحارب بها حزب العمال الكردستاني نفسه”.
وقبيل العثور على جثمانه وعليها آثار تعذيب في بلدة بولو غربي مرمرة، كان سافاش بولدان قد اختطف من قبل مجموعة من مسؤولي الامن، وتحديدا في 2 يونيو عام 1994 في اسطنبول.
بعدها بخمس سنوات، دخلت بولدان عالم السياسة بخوضها الانتخابات البرلمانية في اسطنبول بدعم من حزب (ديمقراطية الشعب)، وهو أحد الأحزاب التي شكلت نواة ما يعرف الآن بحزب الشعوب الديمقراطي. ولم تنجح بولدان في محاولتها الأولى لدخول البرلمان نظرا لأن حزب (ديمقراطية الشعب) لم يتمكن من تخطي نسبة الـ10% آنذاك. وكررت بولدان التجربة مرة أخرى عام 2002، لكن هذه المرة عن حزب (الشعب الديمقراطي) بسبب تعرض حزب (ديمقراطية الشعب) للحظر وقتها. ومرة أخرى، لم يتمكن الحزب من تجاوز العتبة الانتخابية.
وأخيرا، تمكنت بولدان من دخول البرلمان بعد فوزها في انتخابات 2007 التي دخلتها كمرشحة مستقلة ضمن قائمة (كتلة العمل والديمقراطية والحرية) التي كانت تحظى بدعم من حزب (المجتمع الديمقراطي)، وهو أيضا أحد مكونات النواة التي تحولت لاحقا إلى حزب الشعوب الديمقراطي. ومنذ ذلك الحين، فازت بولدان بالمقعد البرلماني عن أغدير في انتخابات عام 2011 وكذلك في جولتي الانتخابات عام 2015 وهي أول امرأة تمثل هذه البلدة الحدودية التي تعاني التهميش والحرمان منذ فترة طويلة.
لكنها في الحقيقة لا تنحدر من أغدير وإنما ولدت وترعرعت في بلدة هكاري بالقرب من الحدود مع إيران والعراق في جنوب شرق البلاد. وقبل دخولها إلى معترك السياسة، كانت بولدان ربة منزل وأم تعيش في كنف أسرة تقليدية جدا. وبعد إكمال دراستها في المرحلة الثانوية، تزوجت في عمر التاسعة عشر من ابن عمها سافاش وانتقلت إلى اسطنبول. وفي عام 1991، أنجبت أول طفل لها وأسمته نيتشيرفان وبعدها رزقت بابنتها زلال في نفس يوم مقتل زوجها، ما حدا بها للاعتراف يوما أنها لم تحتفل بعيد ميلاد زلال قط.
وتنشط بولدان كذلك في مجال المجتمع المدني، حيث أسست جمعية التضامن وتقديم المساعدة لأسر المفقودين (ياكاي-دير) وهي ترأس مجلس إدارتها حاليا. وفي عام 2005، رشحتها مبادرة نسائية سويسرية للحصول على جائزة نوبل للسلام إلى جانب مجموعة تضم 1000 امرأة ينشطن في مجالات تعزيز الحقوق السياسية ونشر السلام وتحسين قطاعات الصحة والتعليم والبيئة وحقوق الطفل ونبذ العنف.
كما سعت بولدان إلى أن تصبح “صانعة سلام” بحق، حيث كانت ضمن الشخصيات الرئيسية التي شاركت في إطلاق عملية السلام وإجراء مفاوضات بين زعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل عبد الله أوجلان والدولة التركية بشأن خطوات إلقاء السلاح.
وفي إطار هذه العملية، اجتمع فريق من حزب (السلام والديمقراطية)، وهو أيضا أحد الأحزاب التي شكلت رافدا لحزب الشعوب الديمقراطي، بشكل شبه أسبوعي مع أوجلان طوال عام 2013. واضطر الفريق، الذي كانت بولدان إحدى أعضائه، إلى التنقل ذهابا وإيابا من وإلى سجن جزيرة إمرالي حيث يقضي زعيم حزب العمال الكردستاني حكما بالسجن المؤبد.
ومنذ ذلك الحين، تغيرت الظروف بشكل جذري فيما يتعلق بالمسألة الكردية. وواجهت بولدان عدة دعاوى قضائية ضدها، لكن لم يسبق أن تم إلقاء القبض عليها أو احتجازها.
وعوضا عن ذلك، كانت من بين عدد قليل من أعضاء حزب الشعوب الديمقراطي في البرلمان ممن عوملوا “بشكل إيجابي ومحترم” من قبل أعضاء حزب العدالة والتنمية بينما كانت تشغل منصب نائب رئيس البرلمان. وفي مايو 2016، زعم رئيس البرلمان إسماعيل كهرمان أن بولدان طلبت مساعدته بشكل ودي للذهاب للحج، وكانت هذه لحظة نادرة من التعاطف تجاه عضو في حزب الشعوب الديمقراطي من جانب دوائر السلطة بعد بدء حملة أمنية ضد الحزب.
وعلى النقيض من السيرة الذاتية الحافلة لبولدان، يغلب على شخصية سزاي تمللي الطابع الأكاديمي كما أنه أقل في الظهور كسياسي في المناسبات العامة.
وولد تمللي في اسطنبول في عام 1963 وهو نفس العام الذي ولدت فيه بولدان، وتخرج من قسم المالية في كلية الاقتصاد بجامعة اسطنبول وحصل على درجة الدكتوراه من نفس الجامعة.
وبعد محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو 2016، وجد تمللي اسمه ضمن قائمة الأشخاص الذين فصلوا من وظائفهم بموجب المرسوم التشريعي رقم 675 الصادر عقب إعلان حالة الطوارئ، ليفقد وظيفته كمدرس في قسم العلوم السياسية والإدارة العامة في جامعة اسطنبول.
وقيل إن عددا من المرشحين الآخرين لتولي الرئاسة المشتركة للحزب رفضوا طرح اسمائهم لهذا المنصب لتجنب أن يتم النظر إليهم باعتبارهم منشقين يسعون إلى الإطاحة بدميرتاش الذي يتمتع بشعبية كبيرة حتى بالرغم من وجوده قيد الاحتجاز منذ نوفمبر 2016. كما أن طرح اسم تمللي لتولي المنصب أثار جدلا كبيرا داخل دوائر الحزب لأن تاريخه يستند أكثر إلى خلفيته اليسارية عوضا عن أي صلة ملموسة بالمسألة الكردية.
التعليقات مغلقة.