الرواية والسلطة – البعد النفسي- الإكراه
هل استطاعت الرواية القيام بالدور المنوط بها، وهو الانتقال بالحياة والمجتمع من طور إلى آخر، أكثر تقدما وتطوراً؟ هل يمتلك الكاتب الحرية في التعبير عن أفكاره، في كل زمان ومكان، على الرغم من التحولات الجذرية العميقة التي طالت بنية المجتمعات والشعوب والدول، وغيرت معها الكثير من المفاهيم والأفكار والرؤى؟ أم ما زال الكاتب الروائي لا يعبر في روايته بالشكل المطلوب والذي يرتاح هو له، ويلجأ إلى التعميه والترميز والمداورة وأنسنة الموجودات الأخرى، كما حدث في بعض الكتب الأدبية التاريخية القديمة، ويتسلح بالحذر الشديد في طرح فكرته، ويلجأ إلى الرمز والأسطورة، وغيرها من الأدوات التي تمكنه من نقل أحاسيسه ومشاعره وأفكاره؟ هل يرضى كذلك حقا، أم مازال يشعر بالحبل يلف حول رقبته، فيمنعه من التحرر من القيود التي تمنعه من ذلك؟
على الرغم من التطورات الكبيرة التي حدثت في كافة المجتمعات، والتي أدت بطبيعتها إلى حدوث تغيرات عميقة في بنيتها، وخلقت واقعا جديدا، ودافعا للكتابة، والتعبير عن الحياة الإنسانية بكافة مواقفها وهمومها ومشاكلها، والتي ما عادت تنتهي، ولم تكن معقدة لهذه الدرجة، نتيجة تزايد الحاجات الإنسانية أولا، والضغط الكبير الممارس عليها ثانيا، إلى بروز واقع صعب جدا، إضافة إلى النكبات والكوارث الكبيرة التي شهدناها، وما زلنا، وبالتالي يمكن التساؤل هنا:
هل صار بإمكان الرواية باعتبارها الجنس الأدبي الذي يتمتع بقدرة كبيرة في التعبير عن واقع جديد، بغية التوقف عليه، وتحقيق نقلة نوعية فيه نحو الأفضل، أن تقوم بذلك؟
هل توجد عوائق صعبة تحول دون ذلك، كصعوبة الواقع الذي يعيش فيه الكاتب، بمعنى آخر، هل تخلص الروائي من السلطة والجبر والإكراه، بكل المقاييس النفسية، الداخلية والخارجية؟ والذي مازالت تمنعه من الكتابة، وتعرية واقعه، وتجاوز الضغط الممارس عليه في ذلك؟
لا لم يستطع، لأن القيود رغم كل شيء ما زالت أقوى منه، ومن إرادته، وخاصة في الكثير من المناطق التي رغم ما حدث فيها، ورغم توفر مواد كثيرة، وتربة خصبة للكتابة عنها، إلا أن ما توفر من تلك المواد، والبيئة القابلة لذلك تخلق معها سلطة جبر وإكراه تمنع من ذلك، وتبقى الرواية عاجزة عن ممارسة دورها بشكل فعال، فالخوف من الملاحقة والمساءلة والاعتقال والتعذيب والقتل حتى، وخاصة عندنا في الشرق، هو الذي يقف عائقا، وهذا بحد ذاته أدى إلى تشكل حالة اغترابية لديه، تقف عقبة في سبيل ذلك، وتستلب ذاته، وتمنعه من الخوض في مواضيع حياتية اجتماعية مهمة، والوقوف عليها.
نشرت هذه المادة في العدد /72/ من صحيفة Bûyerpress بتاريخ 15/1/2018
التعليقات مغلقة.