أردوغان وكيفيّة الخلاص من عقدة كوباني في … عفرين
بدرخان علي
مُتلبّساً بالهاجس الكرديّ، راح رجب طيب أردوغان يحذّر من تكرار تجربة كوباني في عفرين. فبقدر ما شكّلت مدينة كوباني (عين العرب) الكردية في شمال سورية، رمزاً للحرب الكردية والأميركية على داعش، وكلّف تحريرها تدمير أجزاء كبيرة منها من طائرات «التحالف الدولي»، شكّلت بالقدر ذاته عقدة شخصية للرئيس التركي أردوغان، الذي ما انفكّ مذّاك يلقّب مقاتلي وحدات الحماية الكردية بـ «إرهابّيي كوباني». وبات يكرر هذه الأيام مقولة إنه لن يسمح بتكرار ما جرى في كوباني في عفرين أيضاً!
وكي لا نخطىء الظن بأردوغان فهو لا يقصد أنه لن يسمح بدمار عفرين ككوباني، بل يعني أنه لن يسمح ببقاء عفرين تحت إدارة سكانها الذاتيّة. ومع ذلك يعود المرء ليتساءل كيف تكون مدينة مدمّرة بالكامل مثل كوباني مضربَ حسد وغيرة؟!
وأمام الحكومة التركية جبهتان تريد أن تحارب فيهما الإدارة الذاتية في مناطق شمال سورية، بيد أن لكل واحدة منهما موانعها ومتاعبها: الأولى في شرق مناطق درع الفرات، أي في الجزيرة وكوباني وتل أبيض ومنبج، وهي ضمن النفوذ الأميركي في شكل خاص، وهناك تواجد للنظام في بعض المواقع هناك، ولأن القيادة التركية قطعت الأمل بإمكان السماح للجيش التركي باقتحام تلك المناطق، على رغم الرغبة الملحة والدفينة بانتزاع بعضها مثل كوباني، لرمزيتها كما سبق التنويه، أو منبج، لقربها من جرابلس والباب ولتوسيع رقعة منطقة درع الفرات، فإن التفكير بهذه الجبهة ليس من أولويات السياسة التركية راهناً، وربما تأمل أنقرة وتعمل سرّاً لأن يقوم النظام والإيرانيون بفتح هذه الجبهة قريباً في الحسكة في شكل خاص وتكتفي هي بالدعم السياسي، هذا إن وافقت روسيا على فتحها ولم تعارض الولايات المتحدة، وهو احتمال مستبعد.
الجبهة المرتقبة والجاهزة لشن الهجوم التركي هي عفرين، المنطقة الكردية الجبلية المعزولة شمال غرب حلب، والواقعة في مجال النفوذ الروسيّ، سيما أنها محاطة من ثلاث جهات (ما عدا المنفذ إلى مدينة حلب) بالوجود العسكري التركي المباشر بعد احتلال الجيش التركي لمحافظة إدلب، وبالجماعات المدعومة من تركيا وبتنظيم القاعدة (فتح الشام) الذي أفسح المجال للجيش التركي للانتشار في إدلب بودّيّة تامة وبلا أيّ صدام. ويبدو أن الاستعدادت العسكرية جاهزة تماماً والهجوم التركي تنقصه فقط الموافقة الروسيّة، والتوافق الروسي الأميركي من خلفها. وهذا المسار محور تحركات القيادة التركية في المفاوضات مع روسيا وإيران منذ المصالحة التركية الروسية، حيث تستغل لقاءات أستانة وسوتشي لتعزيز نفوذها وخلق فرصة للجيش التركي لاجتياح عفرين بعد احتلاله محافظة إدلب المتاخمة بموجب تفاهمات روسية- تركية- إيرانية.
الخطة البديلة (ب) هي في تقديم الدعم للجماعات السوريّة المسلّحة لتهاجم عفرين، من غير أن يدخل الجيش التركي المدينة، إن لم تحصل تركيا على الضوء الأخضر الروسي. لكن هذه الخطة تبدو فاشلة بالنظر إلى جهوزية الاستعدادات العسكرية والأمنية من قبل الوحدات الكردية/ قوات سورية الديموقراطية، والتحصينات العسكرية القوية في محيط المنطقة. وفي حال شن هجوم برّي فقط من دون سلاح الجو التركي، فالحملة على عفرين لن يكتب لها النجاح. وهناك سوابق أخرى لهذه الجماعات في مهاجمة عفرين، مُنيت بفشل ذريع، كان آخرها بتاريخ 27/4/2016 عندما هاجمت المجموعات الجهادية الدائرة في فلك تنظيم القاعدة (بينها «جيش السنة») المكوّن من المسلّحين الذين تركوا مناطقهم في حمص بعد إبرام هدن ومصالحات مع النظام، بوساطات قطرية- تركية- إيرانية، وتم تجنيدهم في تركيا من جديد لمواجهة عدوّ جديد هو الوحدات الكردية وحلفاؤها في قوات سورية الديموقراطية، في محيط عفرين. فشل الهجوم ووقع ضحايا كثيرون في صفوف المُهاجمين، ثم ارتكبت وحدات الحماية الكردية عملاً مشيناً عندما تجوّلت بجثث الضحايا في شوارع عفرين الوادِعة، في مشهد احتفاليّ مقزّز.
الحل البديل الآخر الذي تقترحه القيادة التركية منذ فترة على الروس والإيرانيين والنظام السوري كبديل لاجتياح تركي لعفرين، هو تسليم المنطقة لسلطة النظام السوري. ووفق معلومات راجحة، على رغم الضغط الروسي، لم توافق سلطات الإدارة الذاتية الكردية حتى الآن على هذا الطلب، الذي يروق للنظام (والإيرانيين أيضاً)، لا سيما وهو يعيش نشوة «النصر» هذه الأيام، وتُغريه مهاجمة الإدارة الذاتية في عفرين وغيرها، أو وضع المنطقة رسمياً تحت نفوذ الجيش الروسي والشرطة العسكرية الروسية كصيغة وسط قد يوافق عليها الأكراد مُكرَهين في النهاية. وربما نوقش هذا المقترح في محادثات الآستانة وسوتشي الأخيرة بين رؤساء روسيا وتركيا وإيران.
إن السلطان في ضائقة ولا يهدأ له بال. فرياحٌ كثيرة عصفت بسورية ضدّ رغبته، أشدها إيلاماً أنّ أكراداً مهمشين ومقموعين، رُبْعُهم تقريباً كانوا بلا وثائق تثبت وجودهم في بلدهم، انطلقوا من عدم وباتوا سلطة محليّة (مع ملابساتها وإشكالاتها)، وأنهم يديرون أنفسهم ويفتتحون مدارس كرديّة ويكتبون بلغتهم إلى جانب العربية والسريانية أسماء قراهم وبلداتهم في لوحة واحدة على مداخلها، ويرفعون أعلاماً وصوراً تغيظ السلطان، وهو مكبّل اليدين غير قادر إلاّ على التفرّج عليهم على بعد بضعة أمتار.
في حلّه وترحاله أينما كان، يحمل معه الرئيس التركي الهمّ الوحيد الذي يؤرّقه وشغله الشاغل. من أروقة المؤسسات الدولية إلى اتصالاته وخطبه لجمهوره ورفاقه وأنصاره، في تواصله مع من يسميهم أحياناً بـ «الصليبييّن» و «أعداء الإسلام»، إلى لقائه مع ممثلي الجمعيات اليهودية (نعم اليهودية!) في نيويورك، على هامش زيارته الأخيرة لحضور اجتماعات الأمم المتحدة، محرضاً إيّاهم على كرد العراق وسورية. وهو ينسّق مع المكوّن الشيعيّ (الذي يعادي تركيا، وفق تعبيره) لمعاقبة أكراد العراق على استفتاء الاستقلال وضرب تجربة كرد سورية، متوسّلاً موافقة (قاتل التركمان والمسلمين- بوتين، كما وصفه قبل المصالحة) للهجوم على عفرين، ولا يستبعد التواصل مع (الرئيس العلويّ المتزوج من أمرأة سُنيّة، كما وصف الرئيس السوري بشار الأسد ذات يوم).
فماذا تبقّى من سياسة أردوغان و «أسد السُنّة» في نصرة الثورة السورية ووعوده للشعب السوريّ وخطوطه الحمراء التي وضعها للنظام، بعد توريط نخب المعارضة والثورة وتدمير سورية، غير محاربة التطلعات الكرديّة؟
المصدر: الحياة
التعليقات مغلقة.