شعوب القوقاز و «شعوب» سورية

42

 

رائد جبر

لا توحي التحضيرات الجارية لتنفيذ فكرة الرئيس فلاديمير بوتين بالدعوة إلى مؤتمر «شعوب سورية» بأن المبادرة الروسية تبلورت في شكلها النهائي. إذ لا أجندة واضحة للنقاش. وما زالت لوائح المدعوين تخضع لتعديلات تهدف الى إيجاد توازن بين الرغبة الروسية بحضور أوسع تمثيل ممكن للمكونات القومية والدينية والمناطقية من جهة، والسعي الى تجنّب «فيتو» متوقع من النظام وإيران على شخصيات وقوى من الجهة الأخرى. ولم يهدأ الجدل المحتدم حول الصياغة التي اختيرت لطرح الفكرة، وحول التوقيت والأهداف المرجوة.

عندما سئل ديبلوماسي روسي بارز عن جوهر المبادرة، ولماذا اختيرت عبارة «شعوب سورية» كعنوان للمؤتمر، قال إن ثمة خطأ في تأويل كلام الرئيس. لكن التجربة دلّت إلى أن «زلاّت لسان بوتين» غالباً ما كانت متعمّدة. وفي أكثر من منعطف أطلق عبارات كشفت لاحقاً تطورات محسوبة بدقة.

في هذه المرة، كما في مرات سابقة، استجاب بوتين «توصيات» فريق من الخبراء المقربين، يقع تحت إغراء مقارنة الوضع الحالي في سورية، بالمشهد السياسي والعسكري والمجتمعي في منطقة القوقاز مطلع الألفية الثالثة، عندما كانت الحرب الشيشانية الثانية تقترب من الحسم العسكري، لكن تعقيدات كثيرة تعترض تسوية سياسية وتثبيت سلم مجتمعي مستدام. قاد هذا في عام 2007 إلى إطلاق «مؤتمر شعوب القوقاز» الذي أنيطت به مهمة «تطبيع الوضع وتطوير الحوار بين القوميات والمكوّنات وتوحيد جهود المجتمع المدني والسلطة لإقامة توازن يسفر عن تسوية كل الصراعات عبر الحوار والمفاوضات السلمية». العبارات تكاد تنسحب حرفياً على سورية 2017.

والإشارة إلى «الشعوب السورية» تعكس اقتراب الكرملين من التبنّي النهائي لفكرة الفيديرالية في سورية، التي باتت أوساط الخبراء والديبلوماسيين ترددها كثيراً.

لمَ لا؟ التجربة «أثبتت نجاحاً في حفظ وحدة روسيا ونأت بها عن هاوية التفكّك».

لكن هذا السيناريو ينبغي أن يصدر عن مؤتمر جامع للسوريين، من دون تدخّل خارجي. وفي هذا السياق، تهدف التحذيرات المتكرّرة لبوتين من «خطر التقسيم» إلى توجيه رسائل واضحة، وترسيخ فكرة البديل الأكثر قدرة على تثبيت حل شامل ودائم.

ولكي تتضح قدرة روسيا على إطلاق المؤتمر وتحويله الى آلية ثابتة على رغم التعقيدات التي تعترضه، تسعى موسكو إلى تذليل عدد من العقبات. ووقع الاختيار على حميميم كمنصة للمؤتمر باعتبار القاعدة العسكرية «أراضي روسية» وفق تعبير مسؤول، مع ما يتبع ذلك من التزام موسكو توفير الحماية للحاضرين، وممارسة «ضغط» على الحكومة السورية لضمان قبولها نتائج الجلوس مع طيف واسع من ممثلي مكونات الشعب. وهذا ما لا توفّره الخيارات الأخرى التي كانت مطروحة، وبينها عقد المؤتمر في دمشق، أو في بيروت.

وتجاوز معضلة غياب المعارضة «الخارجية» مرهون بدعوة أوسع مروحة اجتماعية وقومية ودينية، لتكون البديل عن فقدان التمثيل الموحد للمنصات السياسية.

بهذا المعنى والشكل، المطلوب من مؤتمر «الشعوب السورية» تبنّي الخطوة الأولى لإعلان «انتهاء الحرب الأهلية». وبداية شاملة لحوار يقوم على المصالحات بين الطوائف والمكونات، ودرس ملفات الدستور والانتخابات وغيرها من المسائل المعلقة.

ولا يقلل من أهمية الجهد، التحفّظ الذي أبداه المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا الذي تردّد أنه رفض فكرة المشاركة في المؤتمر كي لا يمنحه رعاية دولية، يمكن أن تحوّله مساراً بديلاً عن مسار جنيف.

ويضع إعلان موعد الجولة الجديدة من مفاوضات جنيف، قبل «توحيد وفود المعارضة» وفق المطلب الروسي، مزيداً من التحدّيات أمام فكرة «مؤتمر الشعوب». تضاف إلى غياب التنسيق الروسي مع واشنطن التي اختارت هذا التوقيت لتعلن مجدداً أن بشار الأسد وأسرته ليس لهما مكان في مستقبل سورية.

المصدر: الحياة

التعليقات مغلقة.