التوظيف الماكر لفكرة لا تعارض بين الإسلام والديمقراطية

29

1379032492881160100

 

 

 

 

 

المقولة التي باتت تتواتر بكثرة على ألسن قيادات الإسلام السياسي في السنوات الأخيرة وأكثر من ذي قبل، هي مقولة أنه لا تعارض بين الإسلام والديمقراطية. وهناك من يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، مبرزا أن المسلمين هم أول من مارس الديمقراطية من خلال اعتماد مبدأ الشورى.
في الحقيقة تبدو هذه المقولة – أي مقولة لا تعارض بين الإسلام والديمقراطية – من نوع المقولات ذات المحمول الإيجابي، التي يراد من وراء توظيفها النفعي والموارب تمرير رسالة باطلة وتمويهية. كما تنطوي على توظيف ماكر وخدعة سياسية نجحت أحزاب الإسلام السياسي في تسويقها واستثمارها في مراحل صعودها النسبي، سواء قبل ما يسمى الثورات العربية أو بعدها.
فبالنسبة إلى المقولة في حدّ ذاتها، فهي قابلة للنقاش وحتى للقبول بها في صورة تقديم وجهة نظر متكاملة وتمشٍّ منطقي ينتهي إلى الإقرار بعدم وجود تعارض على المستوى القيمي والجوهري بين الإسلام والديمقراطية.
ولكن الإشكال ليس في علاقة الإسلام بالديمقراطية لأنه في نهاية المطاف لا توجد نسخة ديمقراطية واحدة، بل هناك ديمقراطيات عدّة. ومن ثمة، يمكن لبلد مسلم أن ينتج ديمقراطيته أيضا، أي أن المشكل الرئيسي الذي تحاول جماعات الإسلام السياسي إخفاءه والقفز عليه، يتمثل بالأساس في منهاج فهم الحركات الإسلامية للإسلام أولا وأخيرا، باعتبار أن منهاج الفهم هو قراءة تأويلية للإسلام، ولا شيء يضمن في الإسلام السياسي التماثل بين منهاج الفهم والإسلام، مقاصدَ وقيما. وليس مبالغة القول إن الأزمة تكمن في كيفية تأويل النّص الديني الإسلامي، أي أنها أزمة تثار خارج النص وتعمل على إثقال كاهله بتأويل مخصوص جدا، وتحاول الدعوة إليه وكأنه تتمة له أو جوهره. ويبدو لنا أن الطابع السلفي الأصولي لمنهاج فهم الإسلام هو الذي يجعل من «إسلام» تلك الحركات في تعارض مع الديمقراطية ومع أشياء أخرى كثيرة.
أي أن المشكلة الأولى تكمن في كيفية فهم هؤلاء الإسلاميين للدين الإسلامي وتمثلهم لكيفية تطبيقه في المعيش اليومي للمجتمعات الإسلامية. فمثلا جماعات الإخوان المسلمين، المأزق الذي تتخبط فيه اليوم والذي حال دون تموقعها في الحياة السياسية العربية، إنما يعود إلى طبيعة منهاج فهمها للدين الإسلامي وإلى المبادئ التي تقوم عليها آيديولوجيتها الدينية التي جعلت منها آيديولوجية سلفية وأصولية وعقدية محضة لا مكان فيها للفرد ولا للعقل الحر المجتهد. ذلك أن دور العقل في الفكر الإخواني هو فقط الامتثال إلى الأوامر والنواهي وتطبيقها لا التفكير والاجتهاد؛ لذلك يتخذ مبدأ الجاهلية في فكر الإخوان مكانة جوهرية، باعتبار أن السلفية هي قطيعة مع المعاصرة، وتهدف إلى جعل علاقة الفرد المسلم بعصره وزمنه الحاضر علاقة مبتورة مشدودة إلى ماضي السلف فقط.
من هذا المنطلق، فإن طبيعة التعاطي الآيديولوجي مع الإسلام وما يتمخض عنه من تأويل هو المشكلة والأزمة والقضية، التي من المهم تحويل وجهتنا نحوها وتجاوز ما يريد الإسلام السياسي جرنا إليه من جدل فضفاض وماكر حول علاقة الإسلام بالديمقراطية.
وإلى جانب التعارض الآيديولوجي للإسلام السياسي مع الديمقراطية، فإن هناك معطى تاريخيا مهما يتمثل في عداء هذه الجماعات في بداياتها العفوية غير المُسيسة الأولى للديمقراطية واعتبارها كفرا.
أيضا لا نستطيع أن نغفل عن مظهر آخر أساسي، يتمثل في أن مخيال الإسلام السياسي يتبنى أنموذج دولة الخلافة، وهو في تعارض جوهري مع أنموذج الدولة الحديثة وفكرة المواطنة القائمة على مبدأ الحرية والمساواة بين جميع المواطنين بلفت النظر عن انتماءاتهم الدينية والعرقية، ودليلنا على معارضة الأحزاب ذات التأويل السلفي للدولة الحديثة هو أن مشروعهم الأصلي قام مناهضا لها وبديلا عنها في التغيير الاجتماعي.
ولمّا كان فهم الإسلام السياسي لا يتبنى سوى التصور الشمولي السلفي ومن ثمة فهو فهم في تعارض راديكالي مع الديمقراطية، فإن الحل بالنسبة إلى قياداته كان التوظيف الماكر للديمقراطية من ناحيتين؛ الأولى الإيهام بقبولها وبقبول الدولة الحديثة ومكتسباتها وآليات الفعل السياسي الديمقراطي، أما الناحية الثانية، فهي توظيف الديمقراطية كآلية للوصول إلى الحكم. إنها وسيلة لبلوغ سدة الحكم والتمكن منه. وفي ذلك أولى خطوات البدء في تنفيذ المشروع الآيديولوجي لحركات الإسلام السياسي الراديكالي. تلك الحركات لا يمكن أن تكون في أي وجه من وجوهها ديمقراطية، اللّهم إلا إذا تجاوزت كليا آيديولوجيتها، وهو أمر غير مضمون بالمرة.
ولعل ما يقوي استخدام مقولة لا تعارض بين الإسلام والديمقراطية والنجاح في توظيفها هو أن هذا التكتيك قد خدمته القاعدة الشعبية لهذه الحركات، وهو ما يفسر وصولها مثلا إلى الحكم في مصر ما بعد الثورة، أي أن عقل الإسلام السياسي وبنيته الفكرية ومخياله الديني يجعل من علاقة الإسلام السياسي بالديمقراطية في أقل الحالات محل شك والتباس وريبة.

آمال موسى / عن الشرق الأوسط / الطبعة الدولية

التعليقات مغلقة.