مشروعية الدولة الكردية

30

عمر الرداد

رهانات كثيرة يتم تداولها حول إمكانية تراجع الأكراد عن المضي في إجراء الاستفتاء المقرر الاثنين القادم ، لإعلان استقلال إقليم كردستان العراق ،دولة مستقلة، في ظل المواقف الإقليمية الرافضة للاستفتاء وخاصة من قبل إيران وتركيا والحكومة المركزية في بغداد ،والتحفظات الدولية، ارتباطا بالتغيير الجيوسياسي الذي سينشأ بالمنطقة ،في حال إعلان الدولة الكردية ، تحت عناوين المزيد من الصراعات الإقليمية ، وتفجر النزعات القومية المطالبة بالاستقلال، في أوساط قوميات متعددة بالإقليم ، علاوة على الإضرار بجهود الحرب القائمة ضد داعش في العراق وسوريا ، كما ورد في بيان الأمين العام للأمم المتحدة.

 

يبني الأكراد مقارباتهم في طرح شرعية دولتهم ، وفق حق تقرير المصير المقر امميا، والحكم الذاتي الذي تم تحقيقه بتوافق مع النظام العراقي السابق ، والانقلاب عليه من قبل السلطة المركزية في بغداد منذ عام 2003 ،التي يقودها المكون الشيعي العراقي ، رغم ان المظلومية كانت قاسما مشتركا لهما ،إبان حكم البعث والرئيس صدام حسين. ومنذ 14 عاما قدم الإقليم في ظل كيانية أعلى من حكم ذاتي واقل من دولة نموذجا يؤسس لدولة تحظى بالاحترام ، حيث الالتزام بالعمل ضد الإرهاب ، مما جعلهم مصدر ثقة للغرب، امتدت هذه الثقة الى سوريا ليكون الأكراد عنوان الحرب على داعش، ونجح الأكراد في هذه الكيانية بتقديم صورة نموذجية للأمن والاستقرار والتنمية، لم تتحقق في بقية مناطق العراق، لدرجة  أصبح  فيها الإقليم ملاذا آمنا لكل العراقيين من كل الطوائف للنجاة بأرواحهم من بطش السلطة في بغداد، خاصة في المرحلة التي تولى فيها السيد نوري المالكي حكم العراق.

 

المعارضون للاستفتاء في الإقليم، وخاصة إيران وتركيا، يبنون مقارباتهم على خطابات تاريخية حول أحقية أو عدم أحقية الأكراد في إعلان دولتهم، وان هذه الدولة لن يكتب لها النجاح وستكون معزولة، في ظل جوار معادي لها سيمنع عنها الهواء، ولغة تهديد تركية وإيرانية وعراقية، باستخدام خيارات عسكرية ضد الإقليم”الدولة” ربما تعكس حجم المخاوف الوجودية لكل من إيران وتركيا، اذ تضم الدولتان النسبة الأكبر من الكرد ( في إيران أكثر من 12 مليون كردي ،وفي تركيا أكثر من 15 مليون وفي سوريا حوالي 2 مليون) إضافة لاثنيات أخرى ، عاجلا ام أجلا سينتقل إليها مطلب الاستقلال ،كما تتضمن هذه المقاربات إعادة إنتاج مقولات حول علاقات الأكراد مع إسرائيل ، في وقت لم تعد هذه العلاقات من المحرمات عربيا وإسلاميا ، والتي يرجح ان تصبح قريبا تحظى بشرعية دينية وقومية، واتهامات بان من يريد الانفصال الرئيس برزاني لأسبابه الخاصة المرتبطة بضمان استمرار قيادته للأكراد ،وان عموم الأكراد لا يريدون الانفصال .غير ان الأهم في خيارات المعارضين هو الخيار العسكري ، والمرجح رغم ضعف احتمالات وقوعه إلا انه يبقى خيارا مطروحا ، خاصة بالنسبة لإيران التي ستخوضه عبر قوى عراقية ، على رأسها الحشد الشعبي لتبدو المعركة عراقية عراقية .وهنا يبرز التساؤل حول موقف سنة العراق العرب، الذين ترجح قراءات كثيرة ان مصلحتهم ستكون بالنهاية مع الكرد.

 

صحيح ان احد أوجه القضية الكردية عربي في سوريا والعراق، إلا انه عمليا مشكلة إيرانية تركية بالدرجة الأولى، ومن الملفت للنظر ان الدول عربية او إسلامية المعنية بالقضية الكردية، تطالب ب”حق تقرير المصير” للشعب الفلسطيني على أرضه التاريخية في فلسطين، تحجب هذا الحق عن الأكراد، الذين يشكلون قومية متجانسة أكثر بكثير من شعوب أوروبية حصلت على الاستقلال بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. وربما يحتاج العرب والإقليم اليوم لاستحضار مقولة الملك حسين بن طلال، حينما رفض احتلال العراق للكويت، على أساس ان القبول بذلك سيحرم العرب من المطالبة برفض مبدا احتلال أراضي “الغير” بالقوة عند بحث القضية الفلسطينية في المحافل الدولية ،فكيف لتركيا وإيران ان تطالب اليوم بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره؟!

 

تطرح اليوم  تساؤلات حول إمكانية  استجابة البرزاني للضغوط والوساطات والمبادرات الدولية، التي تطالبه بعدم إجراء الاستفتاء، لكن هل سيقبل بإلغاء او تأجيل الاستفتاء دون الحصول على ما يقدمه لشعبه كبديل له، اذ تشير تطورات ردود الفعل ولغة التهديد والوعيد ان القضية وصلت الى مراحل كسر العظم، في ظل قناعات بان الاستفتاء ربما يتم تأجيله لكن لن يتم إلغاؤه، وانه كما تم حرمان الأكراد من دولة في اتفاقية لوزان عام 1923، فإن إعلان دولتهم لا بد ان يكون بتوافق دولي، ربما لم يحن موعده لتاريخه، رغم تغير القوى الفاعلة والظروف الدولية.

 

وبصرف النظر عن إجراء الاستفتاء من عدمه، والمؤكد حصوله على نسبه أكثر من 50% إذا ما تم إجراؤه، فان نتيجته المطلوبة قد تحققت إقليميا ودوليا ،بوضع ملف القضية الكردية على طاولة البحث، وفي الخلاصة فان غياب دولة القانون والمؤسسات والحقوق والمواطنة ، أسهمت في دفع الأكراد  للحرص على التمسك  بنيل الاستقلال ، إذ إن تجاربهم في الدول التي يشكلون فيها جزءا تاريخيا أصيلا منها ،وتعامل الأنظمة معهم، تهميشا وتمييزا وحرمانا من الحقوق وحتى الهوية والجنسية، طرحت شكوكا عميقة حول فرضية اندماجهم في الدول التي يقيمون فيها، خاصة تجاربهم مع شركاء “المظلومية “في العراق منذ 2003.

 

المصدر: رأي اليوم

التعليقات مغلقة.