البغدادي : آخر ظهور له بريف حلب كان في ربيع 2013.. ومعارضون يرصدون مواكب لقيادات تنظيمه «داعش»
يجمع المعارضون السوريون على أن افتقادهم المعلومات الدقيقة عن تحركات زعيم تنظيم «داعش» أبو بكر البغدادي، الذي ظهر للمرة الأخيرة في سوريا، في شهر مايو (أيار) 2013، أثناء تلقيه البيعة في مدينة الباب الواقعة شرق حلب، فيما يرجح آخرون أن تكون زياراته إلى سوريا نادرة في ظل انشغاله في التطورات الميدانية العراقية، على الرغم من ترجيحات بأن يكون زار الرقة أخيرا، على ضوء رصد موكب يتألف بأكثر من عشر سيارات رباعية الدفع ترافقها محمولات عسكرية في الرقة (شمال البلاد).
وبرزت الأسئلة عن موقع إقامة البغدادي، على ضوء الضربات الأميركية لمواقع تنظيمه في العراق، إلى جانب الضربات التي توجهها الطائرات العسكرية السورية في سوريا، مما يعني أن كل مواقع التنظيم فقدت صفتها كمكان آمن تلوذ بها قياداته.
وتأتي هذه الضربات بموازاة جهد استخباري تبذله واشنطن لملاحقة البغدادي الذي وصفته صحيفة «ذي ميرور» البريطانية، بـ«الشبح» كونه «لا يترك أي أثر على الرغم من تشغيل جيش من الأتباع». وذكرت الصحيفة أن جهاز الاستخبارات المركزية في الولايات المتحدة «شكل وحدة ضاربة لمطاردة البغدادي، يقارب عدد أعضائها الـ100 عضو»، وهي «أكبر عملية بحث لمكافحة الإرهاب منذ تعقب الأميركيين زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن وقتله عام 2011»، مشيرة إلى أنها تستخدم أيضا طائرات تجسس دون طيار والطائرات وغيرها من صور الأقمار الصناعية، وخبراء الاستخبارات الذين يجمعون بيانات مكالمات هاتفية متنقلة، وترصد التحركات على الأرض في العراق وسوريا.
ويستبعد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن يكون البغدادي لجأ إلى الرقة، مؤكدا على لسان مديره رامي عبد الرحمن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «قيادات (داعش) أخلت مدينة الرقة منذ السبت الماضي، واتخذت من الأرياف مواقع إقامة»، مستندا إلى «انخفاض أعداد القتلى في صفوف التنظيم جراء استهداف عشرات الغارات الجوية المركزة لمواقعه في الرقة، من غير أن تسجل مقتل أكثر من 31 عنصرا». وقال إن «بنك أهداف النظام السوري في الرقة يكاد يكون انتهى، بعد تدمير كافة مقرات التنظيم».
وتلتقي هذه المعلومات مع ما يؤكده عضو المجلس الوطني السوري حسان نعناع لـ«الشرق الأوسط» الذي أكد وجود قيادات التنظيم في ريف الرقة، مشيرا إلى رصد المزيد من مواكبه بعد بدء الضربات الجوية لمقراته في العراق. ويقول: «كانت هناك معلومات متضاربة، يبدو أنها غير صحيحة، بأن بعض الضربات السورية النظامية كانت موجهة نحو أبو بكر البغدادي على ضوء معلومات بأنه انتقل من العراق إلى سوريا».
غير أن عبد الرحمن، يؤكد ألا معلومات عن البغدادي، مشيرا إلى أن زعيم «داعش» كان يقيم في الرقة في ربيع عام 2013، قبل زيارة مدينة الباب (تبعد 30 كيلومترا شرق حلب) في شهر مايو، بهدف الحصول على البيعة من أتباعه. وقال: «بعدها، انقطعت أخباره، ولم يعرف ما إذا كان زار دير الزور أم لا، بعد السيطرة عليها».
وتتقاطع المعلومات مع ما يؤكده ناشطون في دير الزور لـ«الشرق الأوسط» الذين أكدوا أن البغدادي لم يظهر في مدن المحافظة، تماما كما قائد المعركة أبو عمر الشيشاني الذي لم يظهر في المنطقة، على الرغم من أن الناس يعرفون اسمه، ويدركون أنه يتنقل بين مواقع القتال بين المدن والقرى التابعة للمحافظة.
وتشير تقارير غربية إلى أن البغدادي يتنقل في سرية تامة، ويحيط به عدد كبير من المرافقين والأمنيين ومنظمي المواكب.
وكان البغدادي يتنقل في السابق بين مواقع نفوذه في العراق وسوريا، حيث رصد ناشطون، بحسب ما يقوله النعناع، «حركات وتنقلات داخل مناطق نفوذه في سوريا»، موضحا أنها كانت تتم عبر مواكب مؤلفة من 10 سيارات رباعية الدفع على الأقل ومحمولات عسكرية تواكبها، لكنه شدد على أن الشخصيات في داخل المواكب لم تكن معروفة، ولم يتحدد بدقة ما إذا كان من في داخلها هم قياديون في الميدان أو أبو بكر البغدادي نفسه. وفي ظل غياب أي معلومة عن مواقع وجوده، يشير النعناع إلى تقديرات بأنه يتنقل بين الرقة والحدود العراقية ولا يدخل إلى العراق نظرا لأن القدرات السورية أقل من القدرات الأميركية على استهدافه.
غير أن السرية التي تحيط بتحركات البغدادي، يمكن أن تخترقها الولايات المتحدة إذا كان هناك قرار بتصفيته، كما يقول رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط الاستراتيجية الدكتور هشام جابر لـ«الشرق الأوسط»، مؤكدا أن التطور التقني الذي تمتلكه واشنطن يمكنها من ملاحقته وقتله بواسطة غارة جوية أو طائرة من دون طيار أو فرقة كوماندوز تلقي القبض عليه.
ويوضح جابر، وهو عميد متقاعد من الجيش اللبناني، أن الأميركيين يمتلكون مخبرين يلاحقون التنظيمات الإرهابية، ولا أستبعد أن يكونوا قد اخترقوا «داعش» بعناصر من «سي آي إيه»، إلى جانب قدرة الرصد الجوية التي تمتلكها واشنطن، وقدرتها المتمثلة بالمراقبة الإلكترونية ورصد الاتصالات وحركات الهواتف.
أما السوريون، فإن قدراتهم «أقل بكثير»، كما يقول جابر. وإذ يؤكد أنهم يمتلكون مخبرين في أوساط التنظيم، يقدمون معلومات عن تحركاتهم، فإنه «يشدد على أن إمكانياتهم العسكرية تحول دون قدرتهم على ملاحقته وتوقيفه، كوني أستبعد أن يكونوا يمتلكون قوة ضاربة قادرة على تنفيذ عملية كوماندوز»، على الرغم من أنهم «قادرون على تنفيذ اغتياله بضربة جوية».
ويتوقف جابر عند الحديث عن تدفق لقيادات «داعش» إلى الرقة، مؤكدا استبعاد هذا النوع من التحركات العسكرية لعدة أسباب، أهمها أن «سوريا ليست ساحة قتال عنيف يهدد وجود (داعش)، مثل العراق، كون العدو القادر على صفع داعش في سوريا هو النظام الذي تقتصر عملياته على ضربات جوية»، لافتا إلى أن هذه الضربات «يمكن الاحتماء منها ولا تهدد وجود التنظيم »، خلافا للوضع في العراق «حيث يقاتل التنظيم ثلاثة أعداء، هم الأميركيون والأكراد والحكومة العراقية». ويقول: «تلك المعركة في العراق مصيرية ووجودية، وتفرض عليه أن تكون قياداته على تماس معها، كونها تستحق المتابعة من القيادات على الأرض»، مشددا على أن «الافتراض بأن القيادات اتجهت إلى سوريا، يعني أن التنظيم تخلى عن معركته في العراق بعد خسارتها، وهو ما تدحضه التقارير عن الواقع الميداني».
عن الشرق الأوسط : الطبعة الدولية
التعليقات مغلقة.