أكد الرئيس العراقي فؤاد معصوم أنه كان واثقا من سلامة موقفه القانوني من تكليف حيدر العبادي لتشكيل الحكومة، لا سيما بعد اتساع دائرة المشاورات مع مختلف الأطراف السياسية.
وقال معصوم في اول مقابلة صحفية له، بعد تسلمه منصبه رئيسا لجمهورية العراق إنه بعد أدائه اليمين الدستورية أمام أعضاء البرلمان شعر بحمل ثقيل على كاهله وواجهته أول قضية خلافية وهي تكليف مرشح الكتلة الأكبر.
وأعرب الرئيس معصوم عن سعادته بالتأييد الإقليمي له خاصة من المملكة العربية السعودية، معربا عن اعتقاده بأن البرقيات التي تلقاها بهذا المعنى ستشكل أرضية جيدة للتواصل وتقوية هذه العلاقات، كاشفا عن نيته القيام بمبادرات وصولا إلى تحقيق ذلك. وفيما يلي نص الحوار:
* الكثيرون يرون أنكم اجتزتم بصمت أهم أزمة قد تكون مرت بها العملية السياسية وهي تكليف رئيس للحكومة.. كيف جرى اتخاذ هذا القرار؟
– بعد أداء اليمين الدستورية في مجلس النواب شعرت بحمل ثقيل على كاهلي. وكان ترشيح السيد نوري المالكي جاهزا من أول يوم، لكنني ارتأيت أن أستأنس بآراء الآخرين فاتسعت دائرة المشاورات مع الأخذ بعين الاعتبار موقف المرجعية الدينية، إذ إن رأي المرجعية مهم جدا في مثل هذه القضايا الحساسة. وبحسب خبرتي المتواضعة فإن المرجعية دائما هي مع مبدأ التوافق والالتزام بالدستور. وعند وصول الكتل السياسية إلى توافق سياسي اتخذت القرار بتكليف الدكتور حيدر العبادي بتشكيل الوزارة الجديدة. وأود أن أشير إلى أنني في كل تلك الفترة التزمت الصمت إلى حين اتخاذ القرار.
* لماذا التزمتم الصمت؟
– التزمت جانب الصمت ولم أطلق أي تصريح لا بشكل مباشر أو غير مباشر حتى لا يتدخل الإعلام في الاختيار أو القرار.
* أنت واحد من أهم صانعي الدستور العراقي.. كيف تقيم تنازل المالكي عن رئاسة الوزراء بعد أن اعتبر أن خرقك للدستور أخطر من انتكاسة الموصل؟
– السيد المالكي دافع عن موقفه في محاولة منه لتجديد رئاسته لمجلس الوزراء، وهذا من حقه، لكنه في الأخير قبل بالقرار الذي اتخذناه وأيد تكليف العبادي وكان ذلك خطوة جيدة للحفاظ على التوافق الذي هو أساس بناء العملية السياسية في العراق. وأنا واثق من أنه لم يكن هناك أي خرق للدستور.
* إلى أي مدى كنت واثقا من سلامة موقفك القانوني وأنت توقع على كتاب تكليف العبادي رغم الضغوط الهائلة التي مورست عليكم طوال 12 ساعة ربما هي الأخطر؟
– لو لم يكن موقفي مبنيا على أسس دستورية لما كنت أصدرت قرار التكليف، وربما كان هناك من يفسر القرار بشكل آخر، لكن كنت مقتنعا بسلامة موقفي واتخذت قراري بموجب هذه القناعة، ثم أنني أحد كتاب الدستور العراقي ومثلما رأيتم فإن القرار لاقى ترحيبا وطنيا وإقليميا ودوليا لم نكن نتوقعه، وعلق كثير من خبراء القانون والدستور على سلامة موقفي.
* لكن سيادة الرئيس كان لائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي رأي آخر؟
– أود الإشارة هنا إلى أن دائرة مشاوراتي اتسعت لتشمل ائتلاف دولة القانون أيضا. وكان هناك من بين ائتلاف دولة القانون من هم ليسوا مع ترشيح المالكي. وبالإضافة إلى مختلف الآراء كان هناك نقاش معمق، فضلا عن إننا لم نسمع بأن ائتلاف دولة القانون خرج من التحالف الوطني. كما أن ترشيح العبادي لمنصب نائب رئيس البرلمان جرى عن طريق التحالف الوطني، وبالتالي لم يكن ممكنا تشكيل حكومة من دون التحقق من الأجواء المحيطة بكل ذلك، ولو كان الأمر يتعلق بالعلاقات والصداقات الشخصية لكنت قد كلفت المالكي بالمنصب.
* هل تأثرت علاقتك الشخصية بالمالكي التي كانت توصف بأنها متميزة ربما من أيام منحه شهادة الماجستير حيث كنت رئيسا للجنة المناقشة، لا سيما أنه طالب بإحالتك إلى القضاء بتهمة خرق الدستور والحنث باليمين؟
– علاقتي مع المالكي تعود إلى أوائل التسعينيات من القرن الماضي واستمرت الصداقة بيننا. ومن جانبي سأحافظ على هذه الصداقة. وعلى إثر إلقاء كلمته التي تنازل بموجبها عن رئاسة الوزراء التي أيد فيها تكليف العبادي كتبت له مهنئا على هذه المبادرة وكان جوابه رقيقا. فالعلاقات الشخصية شيء والمصلحة العامة شيء آخر. وحتى لو اختلفنا اليوم سنلتقي غدا، وهذه هي سنة الحياة.
* لأول مرة يجري اختيار الرئاسات الثلاث في العراق ليس من خلال السلة الواحدة بل عبر انتخابات عبر كل كتلة.. إلى أي مدى سيمنح هذا الخيار الحرية للرئيس المنتخب من كتلته بدلا من مبدأ التوافق؟
– أعتقد أن ذلك خطوة جيدة وإيجابية لأن الرئيس الذي لا يكون مقبولا من كتلته ويعتمد فقط على أصوات الكتل الأخرى يشعر في قرارة نفسه بالضعف، ولكن ليس معنى ذلك أن يكون جزءا من كتلته ويفضل مصالحها على المصالح العامة. فرئيس الجمهورية هو رئيس كل العراق، ورئيس مجلس النواب هو رئيس كل الكتل، ورئيس مجلس الوزراء هو رئيس مجلس وزراء كل العراق.
* ما أولويات الرئيس فؤاد معصوم؟ وكيف يمكن لرئيس الجمهورية السهر على تطبيق دستور مختلف عليه من ديباجته حتى المادة 142؟
– من أولوياتي الالتزام بالدستور وحمايته من أي خرق قد يحصل من أي مؤسسة داخل الدولة، ثم العمل على توفير الأجواء الملائمة والهادئة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، إذ إن الشعب العراقي صوّت على الدستور بأغلبية ساحقة. نعم قد يكون تفسير مواده يختلف من جهة إلى أخرى أو حتى من شخص إلى آخر، إلا أن الدستور ملزم للجميع والمحكمة الاتحادية هي الجهة التي لها الحق في تفسير مواده.
* انطلق الآن قطار تشكيل الحكومة الجديدة.. هل لديك خريطة طريق أو تصورات بشأنها؟
– نعم، لدي بعض التصورات بهذا الشأن سأقدمها لاجتماعات الأطراف السياسية في مداولاتها لتشكيل الحكومة منها: تشكيل مجلس وطني للسياسات العليا يضم الرئاسات الثلاث وزعماء الكتل ويكون ذلك جزءا من اتفاقية الائتلاف الحاكم. كما أدعو إلى تشكيل مجلس الدفاع الأعلى يشمل بالإضافة إلى الرئاسات الثلاث وزراء الدفاع والخارجية والمالية وقادة الأسلحة وأيضا زعماء الكتل المؤتلفة لأن إعادة تشكيل الجيش والأجهزة الأمنية ليست مهنية صرفة بل هي سياسية ومهنية معا. وأرى أيضا ضرورة تشكيل مجلس الإعمار لأن أغلب المشاريع العملاقة نفذت في العهد الملكي من خلال مجلس الإعمار ثم جرت فكرة إعادة تشكيله إلا أنها بقيت مجرد فكرة. ومن الأولويات أيضا التي نرى أن تقوم بها الحكومة هي إصدار عفو عام يقرره البرلمان وكذلك تفعيل هيئة النزاهة وفق السياقات الأصولية وقد تعديل بعض مواد قانونها لأن الفساد استشرى بشكل رهيب.
* كيف تنظر إلى التوافق الداخلي والإقليمي والدولي بشأن اختيار رئيس الوزراء؟ وكيف يمكن استثماره للانطلاق باتجاه الشروع ببناء مؤسسات الدولة الثابتة وترسيخ مبدأ الفصل بين السلطات؟
– أشعر بارتياح كامل حيال التوافق الداخلي الحاصل الآن وهو الأساس لأن المرحلة التي نمر بها بحاجة إلى مثل هذا التوافق وكذلك التوافق الإقليمي والدولي، وهذا يعني الانطلاق بإعادة النظر في مؤسسات الدولة وترسيخ مبدأ الفصل بين السلطات ثم العمل على تقوية العلاقات مع الدول المجاورة والدول العربية والدول الصديقة ومختلف دول العالم على أساس المصالح المشتركة. فعلى العراق أن ينفتح على الجميع ويعمل في هذا الاتجاه.
* كيف تنظر إلى الموقف الخليجي في دعمكم ودعم تكليف العبادي؟ وهل لديكم خطة لاستثمار هذا الدعم، خصوصا وأن علاقات العراق الخليجية ولا سيما مع المملكة العربية السعودية كانت ملتبسة طوال السنوات الماضية؟
– علاقات العراق مع بعض دول الخليج العربي جيدة بشكل عام. ولكن بالفعل التأييد الذي حصلنا عليه من خلال برقيات الدعم لا سيما من المملكة العربية السعودية أعتقد أنها ستشكل أرضية جيدة للتواصل وتقوية هذه العلاقات لأنني أرى أن هناك ترابطا جدليا بين العراق ودول الخليج. ونود تحديدا أن تكون علاقات العراق مع المملكة علاقات متينة ودائمة ومتطورة وسنعمل على ذلك في القريب العاجل.
* ما الخطوة الأولى التي يمكن أن تقومون بها؟
– سوف نقوم باتصالات ومبادرات وستجرى لقاءات بين المسؤولين السعوديين ونظرائهم العراقيين وعلى كل المستويات خلال انعقاد دورة الأمم المتحدة الشهر المقبل. وأعتقد أننا نعيش الآن خطرا مشتركا هو خطر الإرهاب وما بات يمثله تنظيم «داعش» من خطر على الجميع يستوجب التنسيق وعلى كل المستويات.
* أنت رفيق درب الرئيس السابق جلال طالباني.. والآن أنت تخلفه في رئاسة الدولة وثاني كوردي يتولى الرئاسة الأولى في العراق.. هل ستكون امتدادا له أم أن لك طريقة أخرى مختلفة في الحكم؟
– الرئيس جلال طالباني شخصية تاريخية متميزة تجعل المرء يعجب به، وهو تولى رئاسة الجمهورية لدورتين متتاليتين وخلال عمله في هذا الموقع كان صمام أمان وذا قدرة عجيبة على تشخيص النقاط المشتركة بين الأطراف السياسية المختلفة، بحيث يركز عليها وصولا إلى حل الاختلافات. شخصيا رافقته بشكل مستمر منذ تأسيس الاتحاد الوطني الكردستاني عام 1975 وأتمنى أن أكون ذلك الصمام وأعمل من أجل تقريب وجهات النظر حفاظا على وحدة العراق الاتحادي الديمقراطي.
* هناك من يرى أن منصب رئاسة الجمهورية يفضل أن يتولاه شخصية عربية سنية.
– المناصب السيادية ليست حكرا على مكونات بعينها، لكن العرف الحالي جرى بهذا الشكل وربما في يوم من الأيام نصل إلى مرحلة يكون فيها التعامل مع المناصب على أساس المواطنة وليس على أساس المكونات.
* العلاقة المعقدة بين بغداد وإقليم كوردستان كيف يمكن البحث عن حلول لها؟ وهل لديك خطة لإخراجها مما هو شخصي وإعادتها في الأقل إلى السكة الدستورية؟
– أعتقد أن الحوار والجلوس على مائدة واحدة سيكون كفيلا بحل المشكلات العالقة بين بغداد والإقليم على أساس التزام الطرفين بالدستور. هناك وفد من الإقليم سيزور بغداد قريبا من أجل استئناف الحوار بين الطرفين لإيجاد حلول للقضايا العالقة ومن جانبي سأعمل على تقريب وجهات النظر إلى أقصى حد ممكن.
* هل تؤيد أن تكون سيدة أحد نواب رئيس الجمهورية؟
– أؤيد ذلك بقوة ولكن الأمر متروك للكتل، هي التي ترشح ويخضع هو الآخر إلى مبدأ التوافق.
* العراقيون يتداولون طرفة الآن مفادها أنه طالما أن رئيس الجمهورية أزهري (معصوم حاصل على الدكتوراه في الفلسفة الإسلامية من جامعة الأزهر) ورئيس البرلمان (سليم الجبوري) من الحزب الإسلامي ورئيس الوزراء المكلف (حيدر العبادي) من حزب الدعوة الإسلامي فهل يتعين على الشعب العراقي الهجرة إلى الحبشة؟
– (ضاحكا): أنا علماني!
شفق نيوز
التعليقات مغلقة.