لسع الثلج
طه خليل
صمت يارو, وزفر زفرة أضحكت الشبح الوقور، فربت على كتفه، قائلا: إنك غضوب لجوج كوالدك الحاج توفو، لقد التقيته منذ أيام وهو يحمل صورتك على باب الجامع الكبير، سألني عنك، فقلت له: إنك في الصيد.”
وهل عرفك أبي.؟
” هو لم يرني.! كان يرى ظلا, ويسأله عنك.؟”
أبي يسأل ظلا.؟
” كلنا نتحدث إلى الظلال، ما تراهم واقفين أمامك هم ظلال أناس آخرين، هم ليسوا كما تراهم، تعود يا بني أن تنظر لما هو خلف الظلال، أنت كنت تحارب من هنا.؟”
أجاب: الجيش التركي.؟
” لا, كنت تحارب ظلال العثمانيين، هؤلاء الذين غدروا بالخلافة، واستباحوا الأرض للفرنجة، هم من أوصل القائد العسكري الفرنسي غورو إلى دمشق ليقف على قبري ويقول لي منتشيا: ها قد عدنا يا صلاح الدين.!”
وصعق يارو حين عرف من هو الجدّ, لكنه تماسك وأوحى للجد انه كان يعرفه منذ شهور, وسأله على الفور: ” لكنك أنت يا جدي من سمح لبعض المقاتلين الأتراك أن يشاركوك في حروبك,, أليس كذلك.؟”
تلك كانت مواثيق الديانة يا بني, وعهود الدولة, فهؤلاء قد مرت بهم دهور وهم أسيرو الظلمة, و سبق نهيق الزندقة صهيل الايمان في قلوبهم, وتطبعوا بالبطلان, والسرقات, فكانوا مهجورين, مرفوضين, عند ملتنا, فحاولت أن أصنع لهم ما لكل الناس, وكنت أعرف أنهم من بين خلائق الأرض يتربصون بالدولة, لكني رحلت وظل هؤلاء.
– وأنا..؟ أنا ظل من يا جدي.؟
” أنت ظل سيفي على الأرض، كلكم ظلال سيفي “. ورفع صلاح الدين سيفه عاليا فارتسم على الأرض ظلا مقوسا، ثم أكمل: ” قبل أن أرحل من دنياكم، وفي سنة تسع وثمانين وخمسمائة, أرسلت في طلب ولدي علي، وأخي الملك العادل أبي بكر، وسألتهما المشورة، بعد أن انتهيت من أمر الفرنجة، ماذا عساي أن أفعل.؟ فأشار إلي أخي أبو بكر، أن أقصد خلاط، وأشار علي ولدي علي أن أقصد بلد الروم التي بيد أولاد قلج أرسلان, لفتحها، لكن المرض لم يمهلني يا يارو، واختطفتني يد الموت، وبقي أولاد أرسلان وسلجوق، يعيثون فسادا, إلى يومكم هذا، وها أنتم ظلالي، ستقومون بما لم يتسنّ لي, وان اختلفت المقاصد وتبدلت الغايات.
“كانت بلاد الشام مسرحا للمنازعات بين السلاجقة والفاطميين مما أدى إلى تفكك المسلمين, وسهل وصول الصليبيين فاحتلوا أطرافها سنة أربعمائة وتسعون, وبعد ذلك بسنتين احتلوا بيت المقدس, وكان يوم جمعة, وقتلوا من المسلمين الآلاف, وفرّ الناس هائمين على وجوههم متجهين إلى العراق, مستغيثين بالسلطان السلجوقي محمد بن ملكشاه, على الفرنجة, ودعوه إلى الجهاد لكنه لم يلتفت إليهم, و بقي متحفزا لقتال الفاطميين الشيعة. فإنا لله وإنا إليه لراجعون.”
ثم أمسك الشبح برأس يارو وأداره إلى جهة الشرق قائلا:” أترى الضوء، انه يحاول اللحاق بنا، الضوء محنة كذلك.” التفت يارو إلى جهة الشرق، وقلّص بين عينيه، وهو يرى استدارة حمراء، ترتفع من فوق القمم, فرفع رأسه وقال: ” هل ننام قليلا يا جدي.؟”
تلك كانت وحشة يارو في الرواية.. واليوم في الحياة.
” مقطع من رواية قيد الطبع ”
نشرت هذه المادة في العدد (63) من صحيفة “Buyerpress”
بتاريخ 15/6/2017
التعليقات مغلقة.