مذكرات كويتية عن الصراع في سوريا
Buyerpress
في فضاء زمني لا يتعدّى ثلاث ليالٍ تمضي أحداث رواية “وادي الشمس- مذكرة العنقاء” للكاتب بسام المسلم، على لسان ساردين، بين الكويت حيث السارد الأول “عبدالقادر النسر” يتحرك في الزمن الواقعي الحاضر للرواية، وبين صوت السارد الثاني “فواز النسر” الذي يأتي صوته في صورة مذكرات يقرأها أخوه، كان قد كتبها ما بين 2013 و2014 أثناء قتاله في سوريا.
لاحقاً، استطاعت هذه المذكرات أن ترى النور، وتخرج من مخيمات الزعتري في الأردن لتصل إلى يد “عبدالقادر النسر” في الكويت. وذلك بعد أن ظلّت حبيسة في دفترها لفترة طويلة يتناقلها اللاجئون السوريون في المخيّم كأمانة ثقيلة مجهولة بين دفتي دفتر مربوط بخيطين متعامدين مكتوب على غلافه الخارجي “بيت النسر- بيان الكويت”.
تكشف رواية “وادي الشمس” الصادرة مؤخراً عن دار الفراشة بالكويت عن يوميات “المجاهدين” في جبهة النصرة، وعن تحالفاتهم السرية والمعلنة، وعن الانقلابات المريبة في صفوف المقاتلين، وعن تفاصيل الأحداث الدامية في حلب بعد الانسحاب من معركة القصير لترصد عبر أبطالها الأمميين المنتمين إلى النصرة وإلى غيرها من الفصائل المسلحة الصعوبات الكارثية التي واجهوها أثناء قتالهم ضد النظام السوري وحلفائه من حزب الله وإيران، حيث تصف الرواية مشاهد الموت اليومي المجاني في حرب كونية كبيرة ذهب ضحيتها الأبرياء السوريون.
هذا الكشف قد يوقع المسلّم في الاتهام بالتعاطف كـ”روائي” مع النصرة رغم كشفه لحقائقها الدموية وعمالتها للاستخبارات الأميركية وغيرها. لكن السياق ربما يشي بالقول إن “النصرة” تيار ثوري سوري شريف له أخطاؤه، مثله في ذلك مثل بقية الفصائل الثورية اليسارية واليمينية.
عن ذلك يعلّق المسلّم بالقول “ربما في الكتابة في أتون الحرب حرارة قد تفتقد فيما بعد. هذا ما يقوله فواز حداد. من هذا المنطلق لا يمكن إغفال أن ‘وادي الشمس‘ كُتبت عن اللحظة الراهنة رغم سخونتها وضبابيتها. من هنا جاء تعليق إسماعيل الفهد عليها بأنها ‘تراجيديا العصر/الآن‘. تبدو لي أحياناً وكأنها تحاول التقاط تفاصيل يخشى عليها أن تنسى وتندثر. لم أرد لها أن تكون منحازة إلى طرفٍ أياًّ كان، وإن كنتُ شخصياً منحازاً للمدنيين الأبرياء ضدّ عبثية الحرب.
لذا كان إهداء العمل إلى ‘آلان الكردي‘ الذي لفظته أمواج المتوسط بعد غرق قارب لاجئين متوجه إلى اليونان. كان الطفل الغريق لوحة سوريالية مبكية تعكس جانباً من حجم المأساة السورية. صورته ملقياً على الشاطئ التركي هزّت العالم مؤقتاً وأقل مما ينبغي. من يحمل جريرة هذا الطفل وآلاف مثله؟ الحرب جريمة ‘مهما كانت ضرورية أو مبررة‘، هكذا يصفها إرنست همنغواي”.
لا يعتني المسلّم بتتبع المسلسل التاريخي للحدث، لكنه يقف في تفاصيل الكارثة على المسكوت عنه في زمن صراعات الميديا الضخمة بين معسكرين ليوقظ الإنسان الحر الواقع بين المطرقة والسندان. هذه المشاهد تنطوي على ذاكرة حاضرة في وعي القارئ الذي قد تدفعه الأحداث لاستحضار العديد من القصص المرتبطة بالحروب وبالسجون وبكتائب الإعدام، مثل قصة “الجدار” لجون بول سارتر، تحديداً في مشهد الإعدام الذي يتوقف فجأةً بناءً على مزاج الضباط، وتفاصيل الاعتقال التي وصفها كارلوس ليسكانو في “عربة المجانين”، الأمر نفسه في يوميات الحرب العالمية الثانية والمجازر النازية ضد اليهود.
في هذا السياق يرى ضيفنا أن في رواية “وادي الشمس” الكثير من الواقع. والخيال فيها يستند إلى حقائق. يقول “حاولتُ فيها أن ألقي بشخصيتي الرئيسية إلى أتون الحرب السورية لتشكيل نظرة من الداخل. لم يكن سهلاً تتبع هذه الشخصية في رحلتها من الحدود التركية أقصى الشمال السوري إلى الجنوب حيث الحدود الأردنية.
حاولتُ الالتزام الزمني في الأحداث، لكني وجدتُ نفسي منحازاً إلى الواقع على حساب المتخيل. ربما مردّ ذلك اعتقادي أن الواقع أقوى من الخيال مهما كان الأخير جامحاً. أستشهدُ في ذلك بالمشهد الذي يصف فيه الراوي توقّف عملية الإعدام فجأة بناء على مزاج الضابط، حيث أوّلها البعضُ استحضاراً لقصة جون بول سارتر ‘الجدار‘، بينما كان المشهد في الحقيقة توثيقاً تفصيلياً لجانبٍ من مجزرة نهر قويق في حيّ بستان القصر بحلب، والتي وصفتها الغارديان بواحدة من أكثر صور الحرب الدائرة ترويعاً وفظاعة، ومع ذلك كانت مغيبة نسبياً في الإعلام العالمي وحتى العربي”.
نتطرق مع ضيفنا إلى الحديث عن أوضاع المثقفين المبدعين “البدون” في الكويت وكيف أنهم وصلوا شأناً كبيراً، وتقدموا على المستوى الإنساني والإبداعي إلى منطقة لا يمكن تجاهلها أو القفز عليها من قبل الحكومات والمؤسسات والهيئات داخل الكويت وخارجها. لكنهم ما زالوا يعانون من التهميش الواضح.
يرى المسلّم أن ملف غير محددي الجنسية أو الـ “بدون” جنسية من الملفات الكبيرة الشائكة. ويوضح أنه من الملفات التي كانت مركز اهتمام العديد من الأعمال الأدبية منذ أكثر من عشرة أعوام، ويشير في هذا الصدد إلى رواية “في حضرة العنقاء والخل والوفي” لإسماعيل فهد إسماعيل الذي ألقى الضوء على المشكلة بشكل واسع خصوصاً مع ترشح الرواية للجائزة العالمية للرواية العربية “بوكر” قبل أعوام قليلة.
يقول “على الرغم من ذلك، أظن البدون هم أصدق من يعبّر عن قضيتهم، وأعمالهم حاضرة بالفعل شعراً ونثراً، ومن المنجزات الخصبة في هذا المجال أعمال ناصر الظفيري الذي لا يمكن تجاوز قضية البدون وما يتشابك معها من قضايا الوطن والهوية عندما ننظر في منجزه الروائي”.
وفي معرض حديثنا عن الربيع العربي وتداعياته الانقسامية على المثقفين في ظل تجدد المواقف على المستوى العربي نسأل المسلم إن كان يرى أن بالإمكان خلق هوية جامعة للمثقف العربي بتعدد أطيافه وانتماءاته؟ ليجيب متسائلاً “من هو المثقف العربي؟ من ألف قصة أو رواية؟ الشاعر؟ من نال جائزة أدبية؟ هل عضويتك برابطة الأدباء تجعل منك مثقفاً؟
هناك إشكالية في تعريف المصطلح. من يسمون أنفسهم مثقفين يظنون أنهم النخبة، هم ليسوا كذلك؛ انجرفوا مع سيل وسائل التواصل/ التناحر الاجتماعي ومنهم من نصب نفسه وصياً على الآراء فتجده يقرّر المواقف التي يجب أن يتخذها حامل لقب المثقف كي يكون جديرًا به. هؤلاء لا يحسنون أدب الاختلاف مع الآخرين وهم أكثر من يشخصن المسائل الصغيرة، فكيف بالقضايا الكبرى كالثورة أو ما يسمى الربيع العربي؟ لا أريد أن أكون في قالب المثقف. من يسمون أنفسهم مثقفين جوقة لها آراؤها المعلبة، التي قد اتفق أو أختلف معها”.
للمسلّم إصدارات سابقة، وهي “تحت برج الحمام” عام 2010، ومجموعة “البيرق- قصص في مهبّ الريح”، الحائزة على جائزة الأديبة ليلى العثمان عام 2013، ولا يزال مشغولاً برصد ردود الأفعال إزاء إصداره الأخير. وعلى طاولته كتب مكدسة يطمح في الانتهاء من قراءتها. وفي غضون ذلك يترجم مقالاً هنا وينشر قصة هناك. ويفضل التأني في القراءة والتريث في الكتابة.
المصدر: العرب اللندنية
التعليقات مغلقة.