محاولة في تعريف الحرب / مناصر رباح
عيد الحرب تعريف الحياة، وتعيد تفسير كينونتك، وربما تعيد الحرب حساباتك مع الوقت والتاريخ. هل أنت بالفعل الشخص الذي تدعيه من إنسانية وحضارة وثقافة وجمال وتمرد وإبداع؟ أم أنك شخص أو كيان آخر مختلف تماماً عما تخيلته يوماً؟ هل أنت بالفعل تنتمي لهذا العام 2014؟ أم انك هنا بسبب خطأ ما صنعته آلة زمن فاشلة في فيلم سخيف؟ أن تصبح مهمتك الأساس توفير كوب ماء صالح للشرب، أن تجد إضاءة لتذهب إلى دورة المياه، أن تجد بيتاً غير بيتك، آمناً من الموت، بقليل من الكرامة والكبرياء أمام مستضيفيك، أن تجد وقتاً لتبكي حياتك التي تفر من يديك بين حرب وأخرى. أنت لم تعد شاعراً، ولا حتى إنساناً، حين تحمل أولادك من بيت لآخر مثل قطة مذعورة، تطاردك أصوات الرعب وصرخات الصغار وفتات القذائف. تلك الفتات الحديدية البشعة التي امتلأ بها الشارع، والتي ستجن حين يصبح جمعها هواية أطفالك الجديدة. أنت لست من لحم ودم، حين تبصر أشلاء جيرانك موزعة كلوحة إعلانات على الرصيف، وتستمر في خطوك بدواعي: أنها الحياة. لست من لحم ودم مطلقاً، حين ترقب عداد القتلى وهو يقفز أمام برود قلبك من مائة لألف كعداد آلة تزويد وقود لسيارتك المتعجّلة. أنت لم تعد أنت، فالحرب أعادت تعريفك لنفسك. أنت مجرد غبار يبعثره هواء متوحش مع كل طلقة مدفعية. بريٌ يطارده الجوع والصيادون والطبيعة القاسية، بدائي بلا أوراق ولا صور ولا كتب ولا معلومات ولا مستقبل. أنت آخر في الحرب، فلا ترهق روحك في الكتابة، ولا حتى في التأمل الجميل، فلن يفهم أحد غيرك هذا الهراء، فماذا يعني بالله عليك أن تكتشف فجأة أن الحرب تعيد تعريف الحياة!
غزة (27 تموز 2014)
عن نوافذ المستقبل/لبنان
التعليقات مغلقة.