عرب وكرد: من أجل المستقبل

41

علي العبدلله

نظّم «المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات» مشكوراً ندوة تحت عنوان: «العرب والكرد: المصالح والمخاوف والمشتركات»، دعا إليها عدداً من المفكرين والمثقفين العرب والكرد ناقشوا على مدى ثلاثة أيام العلاقات العربية الكردية ومواقف العرب من التطلعات القومية للكرد في سورية والعراق.

عانت الندوة من نقطة ضعف رئيسة، ترتبت على تحديد الموضوعات وعلى المواقف المسبقة التي حكمت معالجات المشاركين لموضاعاتهم، تمثلت في القفز على السياق التاريخي الذي تشكلت فيه الكيانات السياسية القائمة والجغرافيا السياسية القلقة وغير القابلة للحياة وولدت الصراعات السياسية الراهنة.

لا يمكن بحث طبيعة العلاقات العربية الكردية والتوصل إلى حل منطقي للخلاف/الصراع من دون تحديد السياق الذي تشكلت فيه القضية الكردية وربط الحل المتصور بهذا السياق. وعليه لا بد من دراسة السياق والكشف عن الدور الذي لعبه في ولادة القضية الكردية وتأثيره على الخيارات المطروحة والفصل في منطقيتها وفرص نجاحها في حل الخلاف/الصراع.

يشير السياق التاريخي إلى ارتباط نشوء الكيانات السياسية الراهنة بانهيار الدولة العثمانية بعد هزيمتها مع دول المحور(ألمانيا واليابان) في الحرب العالمية الأولى، وبرسم حدود دول المنطقة من قبل الدول الغربية المنتصرة تلبية لمصالحها السياسية والاقتصادية القريبة والبعيدة. كما يستدعي البحث عن حل للخلاف/الصراع التعريج على طبيعة الدولة العثمانية كإمبراطورية أساسها ومحدد المواطنة فيها ديني (الإسلام)، وما فرزته من تنظيمات اجتماعية واقتصادية في ضوء سياسة الاسترضاء التي اتبعتها لشراء الولاءات عبر توزيع الأعطيات مكافأة على خدمات أو إغراء واستدراجا لأدوار وخدمات، وما أنتجته من تقسيمات إدارية وإقطاعيات وخرائط سكانية متداخلة ومركبة ومتنوعة من جهة، وعلى القاعدة التي اعتمدتها الدول الغربية في صياغة الكيانات السياسية الجديدة: القومية، قاعدة مخالفة، يمكن القول مناقضة، لتاريخ الاجتماع الإسلامي، وما ترتب عليها: بعث هويات وطنية متمايزة، صحيحة أو مصطنعة، أسست لانقسامات عمودية ولتباينات مصلحية وأطلقت صراعات جديدة على خلفيات جديدة. وهذا، بالإضافة إلى القواعد السياسية للدولة الإمبراطورية: الحدود المفتوحة، حرية تنقل الأفراد والجماعات، تحريك الجيوش، والمجتمعات بالتالي، وفق احتياجات الدولة العسكرية والأمنية، ولّد تمازجاً عرقياً واثنياً وقومياً ومعادلات سياسية واجتماعية متشابكة ومتداخلة ومتعارضة إلى درجة التناقض، أطلقت صراعات وعقدت فرص حل الخلافات والمشكلات بين دول وشعوب المنطقة.

لقد أصبحت المنطقة أسيرة طرفي معادلة متناقضين: تكوين تاريخي سياسي اجتماعي موحد، إلى حد كبير، مبني على وحدة العقيدة، وواقع قومي متمايز جديد مفروض، غدت بها متعارضة المصالح متعددة الولاءات تعيش ازدواجية الحنين للماضي، لما ينطوي عليه من عزة وكرامة وفخر، والالتحاق بالواقع الجديد لاعتبارات عملية يفرضها الواقع الدولي ومســـتدعياته السياسية والأمنية والاقتصادية.

في هذا السياق ولدت القضية الكردية، ولدت من الإجحاف بحق الكرد، خرجوا من توزيع تركة الدولة المشتركة (الدولة الإسلامية) التي كانوا جزءا منها طوال قرون، 13 قرنا، صفر اليدين، من جهة، وتعرضهم لغبن وتمييز في الدول التي الحقوا بها، من جهة ثانية.

لم تتطرق أوراق الندوة للسياق التاريخي للاجتماع الإسلامي ومترتباته، ولا للكيانات السياسية (الدول) التي أنشأتها الدول الغربية المنتصرة وما انطوت عليه من تركيبة سكانية غير متجانسة وما ولدته من تباينات في المصالح والولاءات والصراعات. دخل معظم الأوراق موضوعه من لحظات تاريخية وسياسية انتقائية استنسابية تخدم توجهه الفكري وخياراته السياسية، ما جعل الاتفاق على فهم القضية والتوافق على مخرج إيجابي وناجح يحقق الاستقرار والأمن لشعوب المنطقة بعيد المنال. أصر العرب على التمسك بالكيانات القائمة وعلى تثبيت حدودها وجغرافيتها، على رغم أنهم في مجالات أخرى يهاجمونها باعتبارها دول سايكس – بيكو والسبب في تجزئة الأمة العربية ويدعون إلى تهديمها وإقامة دولة عربية واحدة، تنفيذاً لحق تقرير المصير الذي أعلنته عصبة الأمم وأكدت عليه الأمم المتحدة، حق يتمسكون به وينكرونه على الكرد، في ممارسة فجة لازدواجية المعايير. في حين وقف الكرد في جهة مقابلة ومناقضة يريدون استعادة حقهم من تركة الدولة المشتركة ويريدون المشاركة في نظام العصر بإقامة دولة خاصة على أسس قومية، وعلى المبدأ الدولي ذاته: حق تقرير المصير.

تقضي الجدية والمسؤولية اعتماد معايير واحدة عند التعاطي مع مسائل متماثلة، والعدالة والإنصاف، الإقرار بحق الكرد بكيان سياسي يلبي تطلعهم القومي، والمصلحة، التوصل معهم إلى تفاهم يأخذ بالاعتبار أسئلة الحاضر والمستقبل. وهذا يفرض الاتفاق على المنطلقات والمبادئ الحاكمة للمعالجة السياسية وأولها، في إطار القضية المطروحة، الاعتراف بوجود قضية كردية ضاغطة والانطلاق في حلها من الإقرار بحق تقرير المصير للكرد، باعتبارهم شعباً وأمة مميزة لها الحقوق التي للعرب ذاتها، والعمل على الاتفاق معهم على حل توافقي بالطرق السلمية لإخراج المنطقة من الصراعات المريرة التي عانت ويلاتها لعقود طويلة، حل يفتح الطريق أمام المنطقة نحو الازدهار عبر توفير الأمن والاستقرار والتنمية المستدامة وتحقيق تطلعات شعوبها المادية والمعنوية.

المصدر: الحياة

التعليقات مغلقة.