شعوب شاردة لأوطان مفقودة

37
آزاد عنز

آزاد عنز

تُرمّم الأوطان ويصلح رأبها متى فاضت بالانتماء والانتساب، فالوطن هو تحصيل الجماعة، رقعة ممتدة من التراب على البسيطة متى غَلظ واحتدّ حبل الربط بينه وبين المنسوب إليه، أي الوطني.

طاب نهارك سيدي: رددها الكردي بلسانه المُعرّب قسراً في دُور تلاوة العلم والمعرفة على أرضه الملحقة. استحضر اللفظ المجازي بلسان الجدل العربي المُحتل للحنجرة الكردية والمستولي على النطق والمنطوق الكردي، هكذا يستورد الكردي الحروف المنطوقة عربياً إلى حنجرته الشاردة كوطنه الشارد، بعد أن تُصدّرها الحناجر العربية إلى الألسنة الكفيلة بإبلاغ المسامع الكُردية نطقاً فصيحاً بليغاً لا لبس فيه.

ونهارك أيضاً: تبسّمت شفاه العربيّ في ردّ التحية قبل المصافحة على أرض ليست بعربية ولا كردية. أرض ما خلف البحار. أرض المنفى المتأرجح بين البارد والرطب. الأرض المتواطئة في صياغة الخديعة قبل تقديمها للعربي وللشريك الكردي. أرض المكائد الكبرى. تُحاك المصيدة المُعمدة على موائد الغرب بفطنة الزعيم الجالس في أقصى الغرب بتدبير منسّق قبل منحها لتزرع في أرض العربي وغير العربي. أرض الكردي وغير الكردي. الأراضي الخصبة. أرض المصائد الكبرى. ولا تزال ابتسامة العربي معلّقة على شفاهه.

قاطعه الكردي قائلاً: أريد وطناً مُشرق الجبين كوطني المفقود.

تفوّه الشريك بالرد: لكنني لا أهب الأوطان المفقودة. أنا أيضاً مثلك منفيّ من وطن شارد إلى هذه الأرض الرطبة. أنا أيضاً سليل بلد مُنهك من الطعنات بعد فشل أداء الطعنة الأولى. نحن كلانا نتمّم نسج الخدائع وكأننا صانعوها. مهّدت حنجرته العربية خطاباً لتلقينه، لكن اللسان الكردي المُعرب سبقها إلى بتر تلك الحروف قبل ترجمتها جُمَلاً، وبدأ اللسان بالنطق: إذاً انحت لي وطناً على حجر أخرس لكن جُد عليه بلسان كردي لا تعريب فيه. حجر ينطق الكردية فصيحاً.

تسلّل العربي النحات إلى غرفة المزاولة وبدأ الإزميل بلسع الحجر الأملس بتحريض من المطرقة، بعد أن قام النحات بالرسم على الحجر الأصم الأخرس، الحجر الذي سيتصدق عليه العربي النطق لاحقاً لإشباع رغبة وتوصية الشريك الكردي الذي اشتهى نطقاً كردياً فصيحاً، لولا أن الإزميل نكث بالعقد المبرم بين الشريكين المنفيين في الغرب الواسع، وبدأ بالنحت على ما يشتهيه اللاوعي الشرقي برمته. ما زالت المطرقة تحرّض إزميل النحت على أكل الحجر الذي كان سيؤول إلى المجسم الوطن على غرار الطعنات التي تأكل البلد الأصل. كل مجسم نحت هو ظل وطن لمنفيّ تائه إلى أن يصلح الوطن الأصل من نزفه. كل مطرود هو سجين الصور المعلّقة في مخيلته إلى أن يتعافى البلد من جرحه السحيق.

وبينما كان الكردي يتكفل بأسر دخان لفافة التبغ في رئته أحضر العربي مجسم النحت، بعد تدليكه بورق الصنفرة ليكون أكثر أناقة، وتلاه نفخ من أعماق جسده لنفض الغبار، ووضعه على الطاولة وقال بأعلى صوته: نخب الشعوب التي تُرمّم الأحذية على حساب كرامتها.

الحياة

التعليقات مغلقة.