أكرادنا الذين أهملناهم

30

حسان القالش

عقليّة المعارضين السوريين وخطابهم عصيّان على التطوّر، أبرز الدلالات على ذلك عدم اتّضاح موقفهم من مسألة الأقليات في بلادهم، ما تجلى في عدم جرأتهم على مقاربة المسألة العَلويّة، فضلاً عن القضية الكرديّة. فإذا كان مفهوماً تخاذل المعارضة في الشقّ المتعلق بالعلويين، الناتج عن غلبة الوعي الطائفي على معظم أطيافها في الدرجة الأولى، فضلاً عن تعمّدها ارتكاب الجهل التاريخي بربط تلك المسألة بحكم آل الأسد من دون الفصل بينهما، إلا أنّ ميوعتها بخصوص الشقّ الكردي أشدّ فداحة، وذلك وفقاً لمعادلة بسيطة مفادها أنّ السوريين الأكراد هم جزأ أساسي من الثورة السورية.

وفي هذا السياق، لا بدّ من الإقرار بمحدودية الإلمام بتاريخ القضية الكردية السورية وتفاصيلها عند معظم النخب غير الكرديّة، وهذا ينسحب على موقّع هذه الأسطر، على أنّ ضرورة هذا الإقرار تأتي للإشارة إلى كثرة المنظّرين في الشأن الكردي، أو بالأصح، نقّاده، ممّن يتناولونه فقط من في سياق الأحداث الآنيّة ولأغراض لا تتوخّى إنصاف الأكراد. بيد أنّ ضعف الإلمام بالقضية الكردية لا يمنع من الاتفاق على حقيقة ثابتة وجوهرية، هي عدالة هذه القضية على المستويين، الوطني والإنساني. والحال، أنّ ذريعة المعارضة السورية في إهمال أو تحجيم هذه القضية، وإدراجها في سياق الثورة والتفكير في مستقبل سورية، تقوم على ركيزتينن، أوّلهما التذرّع بانفراد الأكراد السوريين بخياراتهم السياسية الخاصة، ولئن كان هذا صحيحاً فالأمر لم يخلو في المقابل، من تضخيم وضخّ إعلامي أقاما حاجزاً ما بين الأكراد وبين الثوة، عدا عن أنّ هذا الانفراد الكردي قد تعزّز نتيجة أداء المعارضة نفسها، التي لم تُبد الانفتاح المطلوب على القضية الكردية ولم تفكّر في إدراج المطالبة بحلّها على قائمة المطالب الوطنية الأخرى، إذ اكتفت بتمثيل كردي هزيل بين صفوفها، تماماً كما حدث مع غيرها من الأقليات السورية من علويين ومسيحيين. إضافة إلى ضيق أفق هذه المعارضة، التي لم تظهر رحابة حتى على المستوى الشكلي أو الرمزي، الأمر الذي تمثّل بوضوح في مسألة التسمية الرسمية للبلاد، إذ اعترضت على تسميتها التاريخية السابقة لحقبة البعث، أي «الجمهورية السورية»، وأصرّت على الإبقاء على الرمز المُنفّر الموروث من حقبتي الناصرية والبعث، أي عروبة الجمهورية.

هذا وتقوم ركيزة المعارضة الثانية في إهمالها للأكراد على تبرير غير أخلاقي، مفاده أنّنا جميعاً ضحايا نظام الأسد وسواسية فيما تعرضنا له من ظلم. والخطورة هنا هي في تحميل كلّ أزمات الكيان السوري المعاصر إلى نظام الأسد، الأمر الذي يمنع إعادة الاعتبار للتحليل التاريخي لتلك الأزمات، فأزمة الأكراد السوريين قد نشأت بنشوء الكيان، بمعنى أنّ جميع الأنظمة التي حكمت البلاد منذ ما قبل الاستقلال مسؤولة عن المظلومية الكردية، التي فاقمها نظام الأسد بدوره وزادها مرارة.

هكذا، يجد السوريون من غير الأكراد أنفسهم مطالبين بمراجعات كثيرة، تستحق القضية الكردية أن تكون على رأس القائمة فيها، وليست مبالغة هنا الدعوة إلى تقديم اعتذار للأكراد السوريين، كذاك الذي تقوم به الأمم المتحضرة تجاه الجماعات التي تعرضت للتمييز وظلم تاريخيين من أنظمتها الحاكمة، وبهذا، يستقيم العمل الوطني السوري، وتتعطّل ألغام الحروب الأهلية المديدة الموعودة بها بلادنا.

كاتب وصحفي سوري

صحيفة الحياة

 

التعليقات مغلقة.