الحب ومبالغات الأدباء…
هيثم حسين
يظلّ الحبّ موضوعاً أثيراً في الحياة والأدب، لا يكاد كتاب أو مجلس يخلو من التطرّق إليه أو الحديث عنه بهذه النسبة أو تلك، ويكون سرّاً من الأسرار الحياتيّة التي يجتهد الأدباء والمفكّرون لمقاربته وتفكيكه ومحاولة تقديم مقاربات وتعريفات له، وهو من أكثر المفاهيم اتّساعاً ورحابة وتقبّلاً للتأويل.
هل يمكن الوثوق بحبّ الأدباء؟ ألم يودِ الحبّ المفترض ببعضهم إلى التهلكة؟ هل يجب الربط بين الحبّ والتضحية؟ الحبّ والسعادة؟ الحبّ والجنون؟ الحبّ والشكّ؟ هل يفرغ الشعراء والكتّاب شحناتهم الانفعاليّة والعاطفيّة في قصائد وأعمال تصوّر الحبّ وتناجي المحبوب وتصمّم فردوساً مفقوداً معه اعتماداً على الخيال السارح في فضاء الاشتهاء والتمنّي، أم تراهم يفضّلون عيش الحبّ على اللهج به وعنه؟ ألا يمكن أن يصنّف حبّ الأدباء ضرباً من مبالغاتهم اللغويّة وشطحاتهم الخياليّة وبحثهم عن كمال أدبيّ مفترض؟
يمكن الاستطراد في تعداد الأطراف التي يمكن أن يلعب معها الحبّ دور الشريك والمعطوف، على اعتبار أنّه متعدّد الوجوه، عابر للأزمنة، متخلّل كلّ التفاصيل ودافع إلى الكثير من الأفعال والممارسات. وقد عبّر الفيلسوف الألماني إريك فروم (1900 – 1980) في كتابه “حبّ الحياة” عن إيمانه بأن الحب هو المفتاح الأساسي لنمو الإنسان، ما يسميه بالحب والاتحاد بشخص ما أو شيء ما خارج ذات الشخص، الاتحاد الذي يسمح للمرء بالدخول في علاقة مع آخرين ومشاركتهم مشاعرهم، دون تقييد الإحساس بالتكامل والاستقلال. وأكّد أن تجربة الحب هي أكثر الأنشطة الإنسانية التي تمنح البهجة للإنسان، تلك البهجة التي تكون بلا معنى إذا اعتبرت مسلكاً جزئياً، مثلها في ذلك مثل التفكير.
كما يمكن تذكّر بعض مبالغات الأدباء في تضخيم أعمال بعضهم بعضاً، من خلال الإشادة بها وتصديرها على أنّها الأعظم أو الأفضل، وربّما انطلاقاً من حبّ من جانب مختلف، وقد تبدو الجملة التي قالها الفرنسي لويس أراغون (1897 – 1982) في وصفه رواية “جميلة” للروائي القرغيزي جنكيز إيتماتوف (1928 – 2008) بأنها “أعظم قصة حبّ في العالم” مثالاً تاريخيّاً على التضخيم الذي لا يخلو من دعائيّة، ولا سيّما إذا عرفنا أنّ كليهما كانا في المعسكر الاشتراكيّ نفسه، وهنا لا يمكن إغفال تأثير التعاطف والصداقة والتوجّه الفكريّ والسياسيّ على الكاتب وتشجيعه لتضخيم عمل رفيقه.
في هذا السياق، بالإمكان الإشارة إلى أنّ إعادة قراءة تجارب الأدباء وظروف حياتهم التاريخيّة وتوجّهاتهم الفكريّة والسياسيّة تدفع إلى إعادة مراجعة لأعمالهم وتوصيفاتهم ومبالغاتهم ووضعها في سياقها بعيداً عن أيّ تعظيم أو مبالغة أو تهويل، ولا سيّما إذا كانت بوصلة القارئ في ذلك إحساسه وحدسه المؤسّسين على تجربة حياة وتراكم قراءات متنوّعة المصادر، بحيث يكون إقناعه بعظمة هذا الحبّ أو ذاك، أو قصّة الحبّ هذه أو تلك ضرباً من الاستحالة وبحاجة إلى صدق أكثر من محاباة.
صحيفة العرب
التعليقات مغلقة.