– خيوط جواربه تداخلت في لحم قدمه من الضرب المبرح.. وضعت أختي قدمه في الماء حتى تبتلّ الخيوط, وتُسحب من لحم قدمه
– المرض الذي أصيب به محمد شيخو هو نفسه المرض الذي توفّي به أخي “كنعان شيخو”, كلاهما توفي وهو نائم
أجرى الحوار: قادر عكيد
– طبع أكثر من كتاب عن حياة الراحل محمد شيخو, لكن لم تفِ إحداها بالغرض, ولم تشبع نهم القارئ, ما هو السبب برأيك؟
بصراحة لم أكن لأودّ أن يطبع أي كتاب عن حياته, ويبقى جزء من تلك الحياة غير معروفة وضائعة, لأن الجزء المهم من حياته كان في إيران, كنت بانتظار جنسيتي السويديّة, بوسعي الآن السفر بحريّة, حصلت على أسماء بعض الأشخاص الذين كانوا يعيشون مع الراحل, وأود أن أعرف عن طريقهم ما نجهله عنه. سافرت في العام 2004 إلى إيران, إلى المدينة التي كان يعيش فيها (Gunbedê xews), كذلك زرت المدرسة التي كان يدرّس فيها مادة الموسيقا ومن ثم التربية الاسلاميّة.
حسبما أتذكّر فأن الراحل محمد شيخو كان قد ترجم كتابا من الفارسية إلى العربيّة, لكن لا أعلم ماذا كان مضمونه, كل ما أعلمه أن الكتاب خضع للرقابة, وكان اسمه مدّوناً عليه.. حينما كنت في إيران أعطاني أحد الفنانين الإيرانيين كاسيتا (CD), كانت قد كتب عليها ألحان أغنيتيْ:
(Di baxan de birin sorgul) û (Eman leylê ), من ألحان محمد شيخو.. حتى أني التقطت هناك صوراً للمدرسة التي درّس فيها, والغرفة التي تم محاولة اغتياله فيها.
وماهي قصّة محاولة اغتياله؟
لا تزال الأسباب مجهولة وغير معروفة, لذا أصرّ على اللقاء بأولئك الذين عاشوا معه, تمّت محاولة اغتياله مرتين, مرة في منزله في العام 1981, مرّ وا من أمام النافذة وأطلقوا عليه النار, وتطايرت قطع الزجاج التي جرحته, وكانت ابنته فلك حينها في يده. أما المرّة الثانية فكانت في طهران, حينما سافر إليها لاستكمال أوراقه للعودة إلى روجآفا, حينها دخل إلى مركز إحدى الأحزاب – ما عدت أتذكر اسم الحزب- وبعد أقل من ربع ساعة يتمّ مهاجمة المركز واطلاق الرصاص, يلجأ محمد شيخو إلى إحدى الزوايا, ويتحدّث بالهاتف قائلاً: إن لم أمت من الآن حتى نصف ساعة أخرى, فستكتب لي حياة جديدة, بينما أصوات إطلاق الرصاص تُسمع عبر الهاتف.
أثيرت في الذكرى السنوية لرحيل الفنان محمد شيخو نقاط مهمّة من قبيل أن الراحل لم يمت ميتة طبيعيّة, إنما قُتل. ترى ما مدى صحّة هذه الأقاويل؟
لأجل هذه الأقاويل اجتزت الحدود وحضرت, هذه أقاويل غير صحيحة, ولا تمتّ للحقيقة بشيء. لقد مرّت 25 سنة, والأطباء الذين عالجوه كانوا كرداً, لا بدّ من الرجوع للوثائق, أنا قد عدت منذ فترة قصيرة, بحثت في المنزل, ووجدت “تحاليل” الراحل محمد شيخو في الأيام الثلاثة التي قضاها في المشفى, وهي بيدي الآن, وبدوري دعوت الشخص الذي ادّعى هذا الكلام, وأعدت له شريط الأحداث:
ظلّ الراحل ثلاثة أشهر في دمشق, كان مرافقاً لزوجة أخي “الحجي”, وكان الوقت رأس السنة الميلادية ودرجات الحرارة وصلت في دمشق إلى 10 درجات تحت الصفر, تعرّض الراحل حينها لنزلة برد, وصار يسعل دما, وحين عاد للقامشلي زار الدكتور “بهمن” الذي وصف له بعض الادوية.
أذكر, كانت لدي حفلة عرس في قرية “خربى كرما”, وسألته حينها: إن أردت لن أذهب للحفلة, فقال لي , اذهب, فحالتي في تحسّن, ووضعي جيد, فودعته وذهبت.
وأنا في العرس – ظهرا- ساءت حالته, وتم نقله للمشفى, وحين جاء ابن عمي وصهرنا في الساعة التاسعة مساء الى القرية علمت أن هناك خطب ما.
عدت الى القامشلي فورا, وعندما وصلت المشفى الوطني, كان قد تحسن قليلا وقال لي فور وصولي: أين كنت إلى الآن.. ! كنت أنا والفنان محمد شيخو عدا الأخوة, أصدقاء أيضاً, كان يراسلني في فترة وجوده في إيران, وما زلت أحتفظ بتلك الرسائل.
وأين تلك الرسائل الآن؟
هي محفوظة لديّ في السويد.. كنت أبقى طيلة ثلاثة أيام في المشفى حتى الثامنة صباحاً وأعود إلي البيت ليتناوب معي أخي في البقاء قرب رأس بافي فلك. في اليوم الرابع بعدما عدت من البيت إلى المشفى التقيت بهم في الطريق, قالوا لي أن حالته متحسّنة وسنعود إلى البيت .
كان يعالجه كل من الأطبّاء عبدالمجيد خليل, بشير أحمد, فريد جمعة, وغيرهم, وكانوا قد عقدوا العزم على تشكيل لجنة لتشخيص حالته, لكنها لم تتشكل لأنه تحسّن نوعاً ما.
في اليوم الثاني خفت عليه كثيرا, لأن الدم بدأ يظهر مع كل خروج له إلى الحمّام, هرعت إلى الطبيب المناوب” فريد جمعة”, واستفسرت عن حالته وأسباب ظهور الدم, فقال لي أنها من تناول الأدوية.
في اليوم الرابع عدنا إلى البيت, وبقينا معه سويّة, أنا وأخي المرحوم عبدالمجيد, وصهرنا شكري, حتى الساعة الثانية عشرة ليلا, تحدثنا كثيرا, حديثا لا يخلو من الفكاهة والطرافة, ضحك الراحل محمد شيخو ليلتها كثيرا, ثم قال لي: مرّت عدّة ليال لم تنمْ فيها, حالتي جيّدة, وها هما عبدالمجيد وشكري هنا معي, قم واذهب للبيت. عدت للبيت, أيقظوني الساعة الخامسة صباحا, وحين وصلنا هناك, كان قد أدار لنا ظهره, وفارق الحياة.
ما أريد قوله أن المرض الذي أصيب به محمد شيخو هو نفسه المرض الذي توفّي به أخي “كنعان شيخو”, كلاهما توفي وهو نائم. حتى أن ابراهيم نجل الراحل محمد شيحو يعاني من المرض نفسه, وهو مرض وراثي قلبيّ يسمى “مارفان”.
– هل اعتقل الفنان محمد شيخو في ايران؟
نعم, اعتقل في العام 1975 في ايران حينما كان لاجئاً, إثر تسجيله لكاسيت “Ey Felek”, حيث أخذته قوات “السافاك” وسألته: كيف غنيت في كاسيتك ” لا صاحب لنا ولا أهل – Em Bê Dost û Bê Kes in”, ألستم تعيشون بيننا ومعنا, ونحن نعيلكم؟
حينها رد عليه بافي فلك: “لو كان لنا أصحاب وأهل, لما كنا لاجئين لديكم”. فطلبوا منه أن يسحب الكاسيت من السوق. لكن بافي فلك قال لهم: إن كان بوسعكم فافعلوا ذلك, أنا قلت ما لديّ, وافعلوا ما يحلو لكم.. وكانت تلك المرّة الأولى التي يعتقل فيها هناك.
– في أي مرّة اعتقل فيها, تأذّى كثيراً, وعُذّب..؟
أذكر أنه في العام 1974 كان ملاحقاً ومتوارياً عن الأنظار, وما عاد بوسعه النوم في قامشلو, لقد كان يحضّر نفسه للهجرة, كان يأتي صباحاً إلى قامشلو يبحث بين أصدقائه عمن يساعده في الخروج, كنّا قد تعوّدنا أن يرجع بافي فلك قبيل الغروب على دراجته الناريّة الى القرية. في تلك الليلة لم يعد, وتسائلت أمي عن سبب تأخره حتى الآن, وفجأة لاح ضوء من بعيد, من قرية “خجوك الكبيرة”, لقد كان بافي فلك, وحينما وصل ترجّل عن دراجته, واستند إلى الحائط في مشيته حتى وصل إلى الصالون, سألتهُ أمي: لم تأخّرت إلى الآن يابنيّ..؟
ردّ عليها: كنت أتمشّى بين الأشجار. ونحن صدّقناه, قلنا, ربّما كان يتمشّى بين الأشجار, لم نكن نعتقد أبداً أنه قد تعرّض للضرب من قبل النظام..!
قال محمد تلك الكلمات, وأشار أن يوضع له فراش لينام, اندسّ بين الفراش بهدوء, وقال لي بصوت غير مسموع من قبل والديّ: لستُ على ما يرام..!
في الصباح, وضعت المنشفة على كتفي, وأحضرت له “طشتاً” وابريق ماء, ليغسل وجهه بعد إن استيقظ من النوم, وحين بصق, كان مليئاً بالدم, رفع رأسه, نظر نحوي, وقال: أستحلفك بالله ألا تخبر والديّ.
عصراً, قال: سأتمشى قليلا, وسأزور اختي الكبرى” وكان بيتها في القرية المجاورة”, وكان الجو خريفاً, وحينما وصل طلب من أختي “طشت ماء”, وكان قد لبس جوارباً أخرى فوق جواربه, كانت خيوط الجوارب قد تداخلت في لحم قدمه من الضرب المبرح, وضع قدمه في الماء حتى تبتلّ تلك الخيوط التي تداخلت مع لحمه, وكانت أختي عمشة تسحب تلك الخيوط من بين لحم قدمه, ومع ذلك فأن بافي فلك قطع اليمين على أختي ألا تخبر والديّ بالأمر, وأراد أن يحتفظ بهذه المعاناة لنفسه.
ويوم سافر, رافقناه أنا وأمي, وأمينة “أمه بالرضاعة”, مشينا سوية حتى قرية “خجوك الكبيرة”, وبين الفينة والفينة كان يتطلع خلفه وينظر إلى القرية. سألتهُ أمي: إلامَ تنظر يا محمّد؟ قال: أنظر للقرية كي أحتفظ بها في ذاكرتي ولا أنساها.
حينها كان يقول بأنه سيسافر إلى ألمانيا, وحينما ودّع والدي, قال له: سامحني, قد لا نلتقي ثانية.
ملاحظة: هذه المقتطفات من لقاء سابق مع الفنان بهاء شيخو نشر في العددين(0- 1) من صحيفةBûyerpress
عن الكرديّة: Bûyerpres
التعليقات مغلقة.