الديمقراطيّة…الكلمة الساحرة

50
16144339_1533368743344633_1968375877_n
أحمد عباس عثمان

أحمد عباس عثمان

 استغلوك كاستغلالهم للدين والوطن و..و.. فباسم الوطن والوطنية سحقوا شرفاء الوطن، وباسم الدين قتلوا وشردوا وذبحوا معتنقيه، وباسمك اُنتُهكت الحريات واُحتُلت دول وشعوب كلها بحجة الدفاع عنك، وبنفس الحجة قضوا عليك وتغزلتْ بك الدول والأحزاب والمنظمات وزينوا صورهم وأسماءهم بك أيضا.

نعم.. أنها الديمقراطية التي بدأت عند اليونان القدماء وما زالت تحمل الاشتقاق اللغوي نفسه (Demos.kratia). أي حكم الشعب للشعب، أي الشعب كله، ولا تعني طبقة أو فئة أو جنس، لكن مفهوم الشعب لم يكن محددا على مرّ العصور، ففي أثينا مثلا اختصر مفهوم الشعب على الاثينيين (سكان أثينا) حيث استبعد الأجانب والعبيد والنساء، فرغم البذور الصحيحة، لها بعض المثالب كمفهوم الشعب كما ذكرنا، ولم تكن حرية الفرد بالمعنى الدقيق موجودا، ورغم ذلك فهي محاولة إنسانية نحو الأفضل لكنها شوهت في الواقع على مرّ العصور، فالديمقراطية ليست وجود مجموعة من الأفكار والمبادئ والحقوق في الدستور بل هي ممارسة الإنسان عمليا لهذه الأفكار والمبادئ والحقوق، وهي تستهدف تنمية ملكات الانسان وقدراته إلى أقصى حدّ ممكن في الوقت الذي تعمل الأنظمة المستبدة على تدميرها، فالديمقراطية بالمعنى العام طريقة في الحياة، حيث يتمكن كل فرد في المجتمع أن يشعر بتكافؤ الفرص والمساواة في الحياة بجميع جوانبها من سياسية واقتصادية واجتماعية… وممارسة حقوقه بحرية، والدفاع عنها إذا تعرضت لأية انتقاص فمن دونها  تعني عدم ممارسة الحرية والمشاركة في المجتمع وهنا يصعب تفجير طاقات الفرد وتحرير مكنوناته الدفينة التي يسحقها الكبت والحرمان والخوف والتردد، فمن دونها يقول وليد معماري: (عندها تصعد فئات استبدادية لا تحمل أصالة وطنية وتاريخية إلى مراتب القرار، فلا بدّ عندئذ من تراجعات عامة على المستوى الفكري والاجتماعي والمعيشي، حيث تعمل هذه الأنظمة الاستبدادية على تدمير كل ماهو مبدع وفرض نمط واحد من الأفكار والآراء حيث الكلمة للسلطات وأجهزتها ما تقوله وما تمليه على الشعب وتقمع عدا ذالك).

 نعم هؤلاء ملك للمسؤولية والكرسي قضيتهم الأولى ويحاربون عدا ذالك بشراسة لأن فيها نهايتهم.

 وتقول أحلام مستغانمي في هؤلاء: (ويجعلون من الأوطان ملكا عقاريا لهم ولأولادهم يديرون البلاد كما يديروا مزرعة خاصة تربى في خزائنها القتلة بينما ينتشر شرفاء الوطن في المنافي).

ولقد ظلّت الديمقراطية قابعة في وجدان الانسان لم تمحَ قط بل صارت تتعمق كلما أوغلت البشرية في دهاليز الطغاة، ولكنها لم تتخذ في مسارها الطويل شكلا ثابتا لا يتغير، بل كانت لها أشكال ونماذج مختلفة حسب طبائع الشعوب وتراثها وطبقاتها والظروف التي مرت بها، ولنعود لبعض منها.

 فالشورى والبيعة بعد عهد الرسول هل كانت بديلا للديمقراطية وملزمة للحاكم حقا! فعند أخذ البيعة ليزيد كلّف أباه معاوية أحد أتباعه بذلك فخطب في المجتمعين قائلا: أمير المؤمنين هذا مشيرا إلى يزيد ومن أبى فهذا مشيرا إلى سيفه. أما معاوية فيقول: (لا أحول بين الناس وألسنتهم مالم يحولوا بيني وبين السلطة).

وهذا ما يجري حتى الآن ديمقراطيون نحن إن لم تقتربوا من السلطة وإلا فالقتل والسجون وكم الأفواه في انتظاركم ومع هذا يجب عدم الاستهانة بشعرة معاوية.

أما يلتسين السكير العميل حامل راية الديمقراطية والمتشدق بها بلغت به الشعوذة حتى العظم، ففي السنوات الثمانية من سلطته في روسيا انتشر الفساد والرشاوي والاغتيالات ونهب أموال الدولة وانهيار اقتصادي لم يحدث مثلها طيلة القرن العشرين، فدكت سلطته الفاشية الهميجية البرلمان (مجلس الدوما) بالمدافع والدبابات على رؤوس ممثلي الشعب المنتخبون ديمقراطيا فباسم الديمقراطية قضى على الديمقراطية. فأثرت هذه الحادثة على أحد الصحفيين اللبنانيين وكتب مقالا عنونه كالتالي (ديمقراطية الدبابات ودكتاتورية البرلمان).

أما ديمقراطية النخبة في الدول الرأسمالية وخاصة أمريكا حيث لا يدخل البرلمان وانتخايات الرئاسة إلا من يستطيع أن ينفق على حملته مبالغ قد تصل إلى مئات الملايين من الدولارات فهاهو الملياردير والرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب صرح بأنه صرف على حملته مائة مليون دولار من ماله الخاص فأين تكافؤ الفرص والمساواة. نعم وراء هؤلاء البنوك والمخابرات والشركات العملاقة وتجار الحروب.

وهذا ما يذكرنا بحرب البلقان (تصميم القوة) فمن كان وراء هذا العدوان رغم وجود فرص كثيرة للحل وتفادي العدوان فطلب كلينتون من الكونغرس مبلغ ستة مليار دولار فاذا بالكونغرس يوافق على ضعفي المبلغ ونتيجة هذا العدوان دارت عملية الإنتاج ورواج اقتصادي وأرباح طائلة لأصحاب الشركات وتجار الحروب وهؤلاء هم أنفسهم وراء برنامج انتخابات الرئاسة الامريكية.

 وها هي سلطة العدالة والتنمية الأردوغانية الفاشية تعتقل رئيسي حزب الشعوب الديمقراطية وبعض زملائهم من البرلمانيين وبعض رؤساء البلديات المنتخبون من قبل الشعب تحت حجج واهية مستهلكة.

   لقد أصبح للديمقراطية سلطانا كبيرا بعد الحرب العالمية الثانية وكان الهنود أكثر الناس إعجابا بها فدائما كان زعيم الهند الراحل جواهر لال نهرو يردد بأنّ لديه ست مائة مليون مشكلة بعدد سكان الهند آنذاك كلها قابلة للحل مادام الهنود متمسكون بالديمقراطية، فتخلوا عنها فيما بعد تحت ضغط البنك وصندوق النقد الدوليين حتى جاءت الهند في المرتبة 138لنمو الانسان، ولكن رغم بقائها في وجدان الإنسان هل يمكن ممارستها في كل زمان ومكان وكل الظروف فممارستها تحتاج إلى مستوى معين من التقدم والتطور الحضاري فيقول انجليس (إن مستوى الحريات الديمقراطية يجب أن يتناسب طردا مع تطور القوى المنتجة والمستوى الحضاري لأولئك اللذين يمارسونه)

 فكيف يمكن إدخال الديمقراطية إلى بلد متخلف لم يذق طعم الديمقراطية قط، ويقول انجلس في هذه الحالة :(يمكن بثورة شعبية تجر وراءها الجماهير وتدمر مخلفات القرون الوسطى). أمّا الفيلسوف البريطاني جون ستيورت يقول: إن أفضل نظام لمثل هؤلاء هو استعبادهم ويصفهم بالبربر والهمج وهو الداعية الكبير للحرية ففكرته هذه غاية في الخطورة لأنها تقدم مبررا للاستعمار لاستعباد الشعوب النامية والمتخلفة.

وختاما نقول أنّ الديمقراطية إن لم تطعم خبزا تتحول إلى مثل إله ذلك الأعرابي الذي يصنعه من التمر إذا جاع أكله.

 نشرت هذه المقالة في العدد 57 من صحيفة “Buyerpress”

بتاريخ 15/1/2017

16118034_1532446543436853_1751128725_n

 

التعليقات مغلقة.