الــكـــرد من الإقصاء .. إلى قيادة المرحلة

31

15942387_1524638240884350_822813767_nآلدار خليل

لقد عانى الكرد المآسي على يد الأنظمة القومية التي اتبعت واتخذت من السلطة والدولة الواحدة المبنية على حطام أحلام الشعوب منهجاً، وكانت القوموية المتخذة نمطاً سبباً مهماً لحالة الإبادة التي تعرضت لها الشعوب ومن بينها الكرد، وما يمر به اليوم الشرق الأوسط عموماً وسوريا على وجه الخصوص ناجم عن تداخل النهج القومي مع السلطة المركزية والتي حالت دون تطور حالة التعدد السائدة في المجتمعات ومنها سوريا، حيث أنَّ أجهزة الدولة في سوريا سخّرت كل ما تملك من أجل عدم نفاد حالة السلطة وإرهاب الحكم السائد وبالتالي خلقت لدى الشعب السوري هواجس وهوامش محددة لا يمكن التحرك خارج إطارها والتي كانت تخدم الدولة دون شك، اليوم وبفعل حالة الثورة السائدة في روجآفا وحالة التقدم في الحياة المجتمعية والمنظمة وفق هدف الثورة وجوهرها، وبعد أن أثبت الكرد دورهم الريادي في الالتفاف حول ثورة مُنتهِجةً التغييرَ والتطور ضمن الدائرة الكردية وما حولها وبعد أن استطاع الكرد ومن خلال الإرادة الصلبة وبالتحالف مع باقي المكونات الرئيسة في روجآفا من خلق واقع مغاير للواقع التقليدي بالرغم من وصول الكرد إلى درجة يمكن لهم الثأر للحقبة الماضية بمنطق يكفل لهم التبرج بالسلطة، ولأن الثأر بمنطق القومية نهج خاطئ ولا يمكن له أن يكون أخلاقياً كما كان على الدوام، لذا اضطهاد الكرد وتعرضهم لحالات تهميش وتصفية على يد الدولة القومية يجعلهم اليوم ينأون عن المبادرة أو التفكير في المعاملة بالمثل لأن من سُحق بمنطق لا يمكن له أن يحول ثورته الحرة إلى ذاك المنطق، فالأمة الديمقراطية تلبي حاجة التنوع والاختلاف السائدة في مجتمعنا، لذا فهي أفضل نموذج للرد على الممارسات القوموية كافة من خلال التنظيم والاتحاد على حالة التنوع والاختلاف وهي تنظر إلى الإدارة على أنها قيمة كما قيمة الأخلاق ولكنها – أي مشروع الأمة الديمقراطية – لا تقدسها كما فعلت الدولة، لأنه بتقديس الإدارة ستنشأ طبقة من العبيد وهذا ما يتنافى مع جوهر التغيير في بنية المجتمع المتكون من نماذج متعددة ومتداخلة في العيش والعمل ويتعارض مع رغبة الكرد في قيادة التحول التاريخي الديمقراطي في المنطقة، اليوم الأمة الديمقراطية تأتي بمثابة حل للقضية الكردية وضمان الاستحقاق الكردي في الثورة التي تعم المنطقة، وإن انتهاج مشروع الأمة الديمقراطية سيؤدي إلى حل المعضلة الكردية والمعضلات المترافقة، حيث أنَّ جميع الشعوب المسحوقة تدرك أنَّ العمل بنهج السلف سيؤدي حتماً إلى المزيد من المشاكل والنعرات وبالتالي سوف تضيع الحقوق كما حال اليوم في سوريا، وبالتالي فإن الأمة الديمقراطية تعيد كل العلاقات الممزقة إلى وحدتها الأصيلة من أجل تسخير الحال لخدمة تطلعات المجتمع.

ومن مضامين الأمة الديمقراطية المشروع الفيدرالي الذي يعتبر ضمانة أساسية من أجل تحقيق التحول الذي يتبناه مشروع الأمة الديمقراطية، حيث أنَّه لا يمكن في ظل المكتسبات التي حدثت أن تطغى الصبغة القومية على حساب تحقيق مجتمع ديمقراطي يكفل الهوية والدور الكردي وتنسج حلاً يمكن من خلاله خلق دور رائد للكرد، وإن أيَّ دورٍ قوموي لأي فئة سيفسح المجال لعودة التيار الجارف الذي يفضي بالنهاية إلى تلف الحقوق عامة وخلق فراغ تستثمره الدولة المركزية وهذه حال الأطراف التي تحاول خلق هذا الشرخ، ففي المساحة الديمقراطية التي أوجدها شعبنا في المنطقة لا يمكن لمشروع الدولة القوموية أن يتطور وهذه ضربة قاصمة للأطراف التي تعول على التفكك والتناحر ومنها الأنظمة المركزية في المنطقة، والمؤسف أنَّ الكثير ممن ينادون بالثورة يقعون في معظم الأحيان فريسةً لمصيدة هذه القوى.

إن السوريين يحتاجون اليوم إلى وطن جديد مشترك على خلاف الوطن المنسوب إلى لغة واحدة أو قومية واحدة أو لون واحد او دين واحد، وإن الحاجة للدفاع عن الذات ضد التيارات الساعية إلى الإبادة أمر مهم حيث أنَّ التوازن المجتمعي وسد الطريق أمام إبادة المجتمع وخنق محاولاته نحو التطور هدف جاد للطرف المضاد، فالتفكير القائم على عرقلة التحولات التاريخية التي يسعى إليها الكرد في سوريا وباقي المكونات الأخرى وخلق أزمة في المصطلحات إنما هو إهانة للمصطلح ذاته وطمره مع بقايا التاريخ الذي طمرته القوى المستبدة لتطلعات الشعوب ومنهم الكرد، وفي الثورة عمل أي شيء من أجل الغاية القصوى هدف لا يمكن إدراكه بسهولة، هنا في روج آفا نحن نسمو نحو خلق مسافات شاسعة بيننا وبين الماضي الذي سُحقنا فيه، وسياستنا ورؤيتنا واضحة حيث نحن وغيرنا تعرضنا للويلات واستطاع البعض إنقاذ نفسه في حقبة ما، أما الآن نحن ننقذ أنفسنا وننقذ الكثيرين معنا، وهذا حدث تاريخي هام لم يستطع أحد فعله، لذا مهامنا وطنية وأخلاقية وديمقراطية نفتخر ونعتز بها.

جريدة روناهي

التعليقات مغلقة.