هل غدا الكرد مفتاح الحلّ في الشرق الأوسط؟

182
%d8%b5%d9%84%d8%a7%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%86-%d9%85%d8%b3%d9%84%d9%85
صلاح الدين مسلم

بينما كنت أقرأ كتاباً ل”ديفيد فرومكين” بعنوان؛ (نهاية الدولة العثمانيّة وتشكيل الشرق الأوسط) أعجبني هذا الاستشهاد بآرتشيبالد وافيل الذي يقول فيه: “بعد الحرب التي كان هدفها إنهاء الحروب، يبدو أنّهم نجحوا في صنع سلام يُنهي كلَّ سلام”. فمع أنّ المسافة التي تفصل بينهما وبين الشرق الأوسط تصل إلى آلاف الكيلومترات، إلّا أنّ كلّاً من فرومكين ووافيل وغيرهما من المستشرقين قد استطاعوا أن يحلّلوا الشرق الأوسط والحروب التي تحصل فيها، لكن من الوجهة الغربيّة وليست من الوجهة الشرقية، ومحاولاتهم الحثيثة في زرع اليأس في نفسية الشرقيّ.

وهذا ما كان دأبُ المفكّرين الأميركيين في استخدام آلية التجريب على الشرق الأوسط لمعالجة قضاياهم العالقة، ليصلوا إلى فكرة مفادُها؛ “لا يمكن تغيير العالم إلّا من خلال الشرق الأوسط، ويجب عليه أن يكون متأخّراً ومركزاً لاستيراد المواد الخام، ومركزاً لتسويق السلاح والحروب”. لذلك لا نعي نحن- الشرقيين – أهميّةَ الشرق بالنسبة إلينا كما يُدرِكُها الغربيّون بالنسبة لنا، فكلّما أرادتِ الحيّة الدولتيّة الغربيّة العاقر تغيير جلدها، جاءت إلى الشرق المدمّى لتستفرغ فيه قيئها وتعيد تنشئة نفسها على حساب الشرق الأوسط؛ مهدِ الحضارة.

فيأتي الديمقراطيّون الأميركيّون على سبيل المثال ويقولون: (يجب تغيير الأنظمة في الشرق الأوسط، وزرع الفوضى الخلّاقة) فيكون الحلّ في القضاء على الديكتاتوريات الموجودة في الشرق الأوسط كما حصل مع إسقاط صدام حسين وصولاً إلى مبارك وغيره…وعندما لا يتحقّق الهدف المرجو يأتي الجمهوريّون ويقولون: (يجب الإبقاء على الأنظمة وإنهاء حالة الفوضى الخلّاقة في الشرق الأوسط). لذلك نرى كيف يوصل المتحكّمون بمصير العالم فوضويّاً مثل “دونالد ترامب” إلى سدّة النظام المهيمن على العالم؟! ليتناسب مع مرحلة الفوضى في الشرق الأوسط، ليتخبّط المحلّلون السياسيّون في معمعة الفوضى التحليليّة لهذه الأحداث الغريبة في القرن الواحد والعشرين التي ابتدأت بانهيار بُرجَي التجارة العالمية وصولاً إلى الاحتلال التركي لشمال سوريا، وعدم سقوط بشّار الأسد وتحوّل المعارضة إلى أسوأ وجه معارض في العالم… حيث وصلنا إلى مرحلة بتنا نرى فيها أولئك المعارضين يندحرون في حلب تحت وطئة خسران مناطقهم لصالح النظام السوري في أيام معدوداتٍ، وعلى الرغم من ذلك مازالوا يقصفون الشيخ مقصود من كفر حمرة أي من بعد خمس كيلومترات على الأقل وهم أحوج إلى طلقة واحدة ليدافعوا بها عن أنفسهم تحت وطئة هذا الاندحار والهزيمة الشعواءَين، ليس على الصعيد العسكريّ فحسب، وإنّما على جميع الصعد!!!

السؤال المطروح هو؛ كيف سيحلّل المفكّرون المستقبل السياسيّ للشرق الأوسط؟ إن كانوا يقعون في فخ الحيرَتين السوريّة والترامبية على سبيل المثال. متخبّطين في النظرة الشرقيّة للشرق الأوسط التي لا يرضى بها المحلّلون المستشرقون الذين يرون كلّ شيء من النظرة الغربيّة، أي من النظرة التي تسبّبت  في خلق المشكلة بالأساس، وبين الإعلام الغربيّ الذي باتوا يردّدون مقولاته ببغائيّاً. فإن لم تستطع أن تحلّل الماضي والحاضر فكيف ستحلّل المستقبل؟ إن لم تستطع تحليل المعضلة التركية المتهالكة في فخ الإبادة والصهر أسلوبِ العصور البائدة، وإن لم تستطع تحليل شركة داعش لتفتيت المنطقة، وإن لم تستطع تحليل سياسة الكيل بمكيالين الفاضحة القميئة الممقتة  إلى درجة القرف، فهل من الممكن أن تقول – وإن همساً- : إنّك محلّلٌ سياسيّ أخلاقيّ؟

إنّ السؤال المطروح هو؛ مَن بعد داعش؟ أسيحلّ السلام والهدوء بعد داعش أم سنرى الداعش الحقيقيّ؛ أردوغان؟ وهو يهاجم الكرد من جرابلس وأعزاز وأخترين علانية لا عن طريق اللفّ والدوران؛ ومن خلال إعادة أسطورة دابق البائدة؛ وما أدراك ما دابق؟! والحلم الوابق. وعام 2017 الذي سيحمل معه دماءً جديدة، وحروباً تحمل معها صيغاً جديدة أكثر وضوحاً من معمعة داعش، والفوضى التي قد يحلّها وقد لا يحلّها الفوضويّ الذي اعتبروه حاسماً؛ ترامب.

من كلّ ما سبق نرى أنّ اللعبة تدور على رأس الشعب العربيّ والكرديّ على السواء، والحرب الآتية تستهدف المناطق الكرديّة على وجه الخصوص، ونرى في هذه المعمعة أصواتاً تدعو إلى التفرقة وعدم التوحّد بين الشعوب التي يجمعها عرق واحد وهدف واحد؛ كالشعب الكرديّ المترامي في أطراف كردستان جمعاء، حيث بات الكرد بوصلة الحلّ في الشرق الأوسط رغماً عنهم، بعيداً عن الإجحاف بحقّهم منذ نشوء الدولة القوميّة في الشرق الأوسط وتقسيم كردستان والوطن العربيّ أيضاً عبر الاتّفاقيّات العالميّة الظالمة، لكن الحرب التي تنهال عليهم من قِبل الدولة التركيّة التي استلمت دفّة قيادة الحرب على كلّ الصُّعد، وارتضاء الغرب بتقمّص دور المتفرّج كالعادة عندما يتعلّق الأمر بالكرد.

لقد أضحى من الضروري البحث عن أصواتٍ تستطيع أن تجمع المصالح الكرديّة تحت سقف واحد، لا أن تفرّقها، وبات انعقاد المؤتمر الوطنيّ الكردستانيّ بوّابة الحلّ الوحيدة لصناعة شرق أوسط جديد، وليس آليات التوافق الكرديّ فحسب، إذ أن حلّ القضيّة الكرديّة يعني حلّ جميع القضايا العالقة في الشرق الأوسط، وهذا ما يدركه أعداء الكرد قبل الكرد أنفسهم، لذلك اشتدت نبرة الخطاب العدائيّ بين أوساط القومويين العروبيين والأتراك على حدّ سواء لعدم الوصول إلى حلّ.

نشرت هذه المقالة في العدد 56 من صحيفة “Buyerpress”

بتاريخ 1/1/2017

3696

التعليقات مغلقة.