حول تصريحات آلدار خليل ..كي يستقيم النقاش
أكرم حسين
1-في البدء أودّ التأكيد بأنّ كل ما تحاول هذه الكتابة مقاربته، هي المناقشة الهادئة للزوبعة الفيسبوكية التي أثارتها تصريحات عضو الهيئة التنفيذية في حركة المجتمع الديمقراطي آلدار خليل بدعوة المجلس الوطني الكردي للحوار والمصالحة، والتي استجلبت معها ردّات فعل سلبية ومتشنجة على وسائل التواصل الاجتماعي، عبر معارك فيسبوكية دونكيشوتية لا معنى لها، بعيدا عن موضوع الحوار، لابل وصل الأمر في بعض الحالات إلى حد القدح والذم والتخوين، وهي ثقافة استحدثت مؤخرا من قبل البعض، ممن لا همّ لهم سوى توتير الأجواء والاصطياد في المياه العكرة، وأجزم بأن كتابتي هذه أيضا ستقابل هي الأخرى، بالرفض والعنف والسلبية.. لأنها تتصدى لبعض الممارسات “المادون” وطنية والتي ما زالت تتغذى من التهويلات الإيديولوجية، التي يمارسها البعض من حراس العقائد تحت ذريعة “الكردايتي “كي يقفوا في وجه كل محاولات التقارب والحوار، التي تزعزع مملكتهم وتكشف عيوبهم وعوراتهم في فبركة قضايا لا صلة لها بالواقع العياني.
2-
تنصّ الوثيقة السياسية التي أقرها المؤتمر الوطني الكردي الثالث والمنعقد بشهر حزيران ٢٠١٥على ما يلي :
في المجال الكردي :
* يؤكد المجلس الوطني الكردي على سعيه الدائم إلى وحدة الموقف والصف الكرديين كما يؤكد على التزامه باتفاقية دهوك نصّاً وروحاً ويعمل من أجل إحيائها من خلال :
* بناء شراكة حقيقية بين طرفي الاتفاقية (المجلس الوطني الكردي – حركة المجتمع الديمقراطي tev dem ) يلغي الهيمنة والتفرد بالقرارات. .
* الالتزام بالرؤية المشتركة الموقعة بينهما بخصوص بناء الدولة السورية الاتحادية والإقرار الدستوري بالحقوق القومية للشعب الكردي في سوريا وفق العهود والمواثيق الدولية .
3-يعتمد المجلس الوطني الكردي كافة أشكال النضال السلمي الديمقراطي لتحقيق برنامجه السياسي .
اذاً يقر المجلس الوطني الكردي بسعيه الدائم إلى وحدة الموقف والصف الكرديين، وهذه الوحدة لا يمكن الوصول إليها بالإكراه بل عبر الحوار، لأنه ينبذ العنف ويعتمد في تحقيق برنامجه كافة أشكال النضال السلمي الديمقراطي، ولا يتهرب او يمانع من قبول ايّة دعوة إيجابية في هذا الاتجاه، لأن الحوار قيمة إيجابية في حد ذاته، ويساعد في تقريب وجهات النظر بين الأفراد والجماعات المختلفة، وهو الطريق المناسب والملائم لحلّ الخلافات والانقسامات بين الجماعات وصولا إلى التفاهم والتعايش وتحقيق السلم والاستقرار.نجاح الحوار يستدعي مناخا مناسبا لتحقيق أهدافه، كعدم الانطلاق من الأحكام والمواقف أو الشروط المسبقة الغير قابلة للتحقيق أو التغيير، وعدم ادعاء العصمة أو امتلاك الحقيقة، وإظهار المرونة اللازمة من أجل إنجاح الحوار وصولا لتحقق غاياته، وبالعودة إلى نص الوثيقة السياسية للمجلس نجد بأن الالتزام بإحياء اتفاقية دهوك نصاً وروحاً، هو من أجل تحقيق شراكة حقيقية كي يتمّ إلغاء الهيمنة والتفرد بالقرارات من قبل” تف دم”، مما يعني بأن المجلس الوطني يقرّ ضمنا بقومية مشروع “تف دم” ووطنيته وينسف ارتباطه بالنظام ، والسؤال الذي يحرق اللسان كيف يكون المجلس شريكا حقيقياً مع طرف “غير كردي” أو “غير وطني”، ويرتبط بعلاقات تبعية مع نظام اضطهد الكرد، واستسهل قتل السوريين وتدميرهم؟ بمعنى آخر كيف تكون الشراكة الحقيقية مع “تف دم ” في ظل علاقاته مع النظام ؟ هل سيشاركه المجلس أيضاً في هذه العلاقات؟ إن وجدت؟
النقطة الثانية من الوثيقة تؤكد بأن تف دم قد وقعت على الرؤية المشتركة التي تتفق مع المجلس الوطني الكردي بنقطتين:
الأولى حول شكل الدولة السورية التي تمّ تعريفها بالاتحادية، أما النقطة الأخرى فتتعلق بحل القضية الكردية الذي تجسد بالإقرار الدستوري بالحقوق القومية للشعب الكردي في سوريا وفق العهود والمواثيق الدولية ، مما يعني بأن هناك اتفاق مشترك بين الطرفين حول قضايا سياسية رئيسية منها حل القضية الكردية في سوريا أيضاً.
4- شهدت وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة الفيس بوك ، تهجما من العيار الثقيل على القيادي آلدار خليل ، وجدها البعض مناسبة كي يخرج ما في قلبه من عبارات نابية ،وبعيدة كل البعد عن كل أصول الحوار السياسي والمزاج الكردي العام ، حتى قبل أن يصدر أي رد رسمي من قبل الأمانة العامة للمجلس الوطني الكردي –لازال الجميع بانتظاره – وتركت هذه البوستات أثرا سلبيا على العلاقات الكردية المتأزمة أصلاً، فبدلا من أن يتناول او يناقش أصحابها أسباب الدعوة وأهميتها وتوقيتها وكيفية التعامل معها، ويطالب بفك احتجاز ممن تبقى من معتقلي المجلس لتلطيف الأجواء وبناء الثقة، والتمهيد للحوار من أجل إطلاقه، لعبوا دورهم بالمقلوب وتناولوا الجوانب الشخصية لمطلقها بطريقة غير مهنية وغير سياسية، ولا تليق بمن يمتلك قضية عادلة، وكأنهم كانوا بانتظار الفرصة لخوض هذه المعركة وكيل الاتهامات، بغية تدمير كل جسور التواصل، ودق اسفين في جدار العلاقات الكردية المتصدع .صحيح أن “ب ي د” يمارس التفرد ويرتكب أخطاء – لسنا بصددها الآن – ويعتقل المعارضين – وهو أمر مرفوض- لكنّهم باتوا من يقررون مصير “روجافا” اليوم، فاتساع هامش المناورة أو ضيقه لا علاقة له بالقوى الذاتية ولا بالبراعة أو الكفاءات “، واذا لم تملك القوة فستشرب المياه عكرة “كما قال عمرو بن كلثوم، وباعتقادي فإن إلغاء الاتفاقيات السابقة وتوقف الحوار ليس لمصلحة المجلس الوطني الكردي، الذي أدار معركة الشراكة بشكل سيء، إلا اذا كان المقصود من كل ذلك إظهار براءة ذمته، لكن بث سموم الكراهية لا ينبئ سوى بتصميم وإصرار البعض على تعميم ثقافة الكراهية التي طالما وصف بها الآخرون الكرد بأنهم “أمة في شقاق”
5- أجزم بأن الانحطاط الأخلاقي الذي أصاب المجتمع الكردي اليوم ما كان له أن يصل الى هذا الحد لولا بعض العاهات الكردية التي تصب الزيت على النار وتنفخ في الكير، وباتت تتصدر اليوم المشهد السياسي والثقافي، وأراهن بأنها لم تكن يوما من الأيام في مواجهة نظام الأسد ولم تطالب بالحرية والكرامة، وكلّ ما تقوم به اليوم من تأجيج نار الخلاف الكردي إنما لغايات شخصية أو حزبية ديماغوجية، دون أن تعي بأن النار المستعرة سيكون وقودها الكرد أنفسهم، وينطبق عليهم قول السيد المسيح في تجار الدين بأنهم “أبناء أفاع ”
6-إن رفض الحوار قبل أن يبدأ كمن يغلق الباب على نفسه ويبدأ بالصراخ، لذلك على الطرفين أن يتجاوزا المواقف الأيديولوجية العقيمة والحسابات الخاطئة وأن ينتقلا إلى الموقف السياسي أو الفكري المرتبط بالمكان والزمان الحالي، كي لا تكون الحوارات ضحلة ومخيبة للآمال، وأن يحققا المصالحة التاريخية التي يطمح إليها معظم أبناء الشعب الكردي، فلكل حزب أو تيار موقفه و قراءته للأحداث، وطريقته في العمل والنضال، قد يصيب أو يخطئ، فلا يجوز أن نخون الآخر المختلف أو أن نحط من قدره، مهما كانت درجة الخلاف أو الاختلاف مع فكره وسياسته، يجب مناقشة الأفكار بعيدا عن الشخصنة ، لأن إغلاق الباب في وجه أية دعوة جدية للحوار أو التفاوض من حيث المبدأ، خطأ منهجي يقع فيه البعض، لأنه بالأخير لابدّ من اللقاء والحوار والاتفاق، اذا أردنا العيش معا على أرض واحدة، وفي ظلّ نظام سياسي يحظى بموافقة كل الاطراف، دون إقصاء أو هيمنة، فقد ولّى زمن التفرد والإقصاء والهيمنة، ولن يستطع طرف بعينه الاستئثار أو الحكم مهما كانت درجة قوته واستبداه ، دون شراكة حقيقية في دولة يحظى بها الجميع بالحرية والعدالة والكرامة والمساواة.
7- يلعب الإعلام الكردي دورا سلبيا في التقارب وتهيئة الأجواء من أجل إطلاق حوار كردي جاد ومسؤول، فجاك دريدا يقول بأن “الصفح مستحيل” أما حنة ارتدت فتؤكد بأن “العودة إلى الوراء مستحيلة ” وبالتالي لن يبقى أمامنا سوى النسيان الذي يقول فيه أرنست رينان بأنّه “الطريقة الوحيدة لتجاوز الماضي” لأنه الأفق الوحيد من أجل بناء الحاضر وإنّ ” كل القوميات نسيت أشياء كثيرة” و “جوهر الأمة يكمن في وجود الكثير من الاشياء المشتركة بين سائر أفرادها وبأن سائر الأفراد قد نسوا الكثير من الاشياء”
وبالتالي إذا أردنا العيش معا كأمّة، وترتيب البيت الكردي السوري علينا ألّا ننظر إلى الوراء، وأن ننسى الكثير من الأشياء المؤلمة، ولنا في تجربة إقليم كردستان المثال والنموذج .!!
التعليقات مغلقة.