تقول الاغنية( 2-2)
طه خليل
دافعت المرأة الكردية عن حبها بلا تردد او خجل فالمجتمع الكردي الذي لم ينظر اليها كمخلوف ناقص او جالب للعار كما في التراث العربي، وهي لم تكن لتمتلك تلك الجرأة في الدفاع الا لأنها تستند لقضايا كبيرة تتعلق بمصير شعبها او قبيلتها او ربما عائلتها، و نجد ذلك في كلام عدولة وهي تفتخر بدرويشي عفدي، فافتخارها وجهرها بحبها وما يتعدى حبها كذلك هو استنادها لشهامة درويشي عفدي في الدفاع عن أهلها أمام هجمات قبائل الكيس العربية، فهي لا تجد ضيرا ان تضحي بأخوتها وابناء عمومتها من أجل رجل آخر هو حبيبها، ولكن ومن خلال سياق الحدث في الاغنية نجد ان عدولي تستند في جرأتها تلك الى جرأة الحبيب وجيشان الكرامة والنخوة التي اقدم عليها الحبيب المحارب وبلاءه في المعركة ضد الكيس، وتقدم نفسها كامرأة و كيان وليس كمنتمية الى قبيلة او عائلة فهي ليست كيكية ولامللية كما تقول:
وقفت عدولي امام البيوت وقالت:
درويشو لست كيكية ولا مللية… انا ابنة تمر باشا المللي… انا احدى حسناوات موشالي، انا كحل عيني درويشي عفدي…. الا قم ايها اليزيدي.. بالله قم
انا اخت لسبعة أخوة فرسان .. واثني عشر ابن عم كالاسود….اقف على قمة جبل قرجيي.. افتح ذراعيي واناجي ربي: ان لم أر درويشي سأحضر اخوتي السبعة وابناء عمومتي.. واجعلهم قرابين لدرويش عفدي.”
ان حديثها عن تضحيتها باخوتها وابناء عمومتها لا يعني احتقارها لهم بل تكريما مبالغا به لحبيب دافع عن كرامة أهلها وقومها، وان كانت اللغة هنا لا تسعف المعنى.
وفي التراث الكردي الغنائي ثمة نزوع قومي واضح يمتزج بمشاعر المرأة الشخصية، مما قد يوضح الكثير من الجوانب المعتمة في المسيرة الكردية الاجتماعية والطبقية، ففي النظريات الماركسية والايديولوجيات السياسية لا يظهر النزوع القومي الا بتراكم اقتصادي يتجاوز مرحلة البورجوازيات الاقتصادية.
واغنية كينج خليل والتي قد أداها الكثير من المغنين الكرد الكبار مثل كاويس اغا وعزيز شاروخ فان المرأة الكردية تبدو في هذه الاغنية في أعلى تجلياتها الانسانية والروحية، فهي قيلت على لسان بنفشي ابنة عم كينج خليل، وحكاية الاغنية تقول ان كينج كان احد الفرسان الذين شاركوا بالذهاب الى دمشق في العهد العثماني، وقبل ان تنطلق رحلة الفرسان العثمانيين، ارتأت حبيبة كينج خليل ان تقدم لحبيبها كل رموز جمالها وعنفوانها كامرأة، ففي التاريخ الجمالي الكردي كانت المرأة الكردية تفتخر بضفائرها وخلاخيلها وأساورها وأقراطها، وظلت مسالة الضفائر ذات حساسية مؤلمة في التراث الكردي الشعبي، فالمرأة الكردية لا تقص ضفائرها الا لخطب جلل او فقدان عزيز، الا ان ابنة عمه هفسدى لاتتخلى عن كل تلك الرموز والمقدسات من اجل حبيب سيغادرها لديار الغربة ، بل هي ستصنع من تلك الممتلكات ما يجعل حبيبها فارسا كرديا جميلا.. ويبعد عنه غمزات الفرسان الاتراك :
سأجعل من نطاقي الذهبي نعالا لفرس ابن عمي… ومن خلاخيلي وأساوري مسامير لنعال فرس ابن عمي كينج خليل…. أقص ضفائري لأصنع منها رسنا لفرس ابن عمي كينج خليل .. كي لا يقول عنه فرسان الطوارنية الاتراك:” انه فارس كردي مهلهل.. بل سيقولون عنه انه فارس كردي جميل.”
تلك وحشة الرجل، وشموخ المرأة التي لم يغب، ونهض اليوم كعنقاء من رماد القمع والاضطهاد، نهض ليتجلى عاليا في ضوء روجآفايي كردستان.. الضوء الذي اتتبعه اينما ذهبت.
نشرت هذه المادة في العدد 55 من صحيفة “Buyerpress’
بتاريخ 15/12/2016
التعليقات مغلقة.