خاص – Buyerpress
– ومن شدّة تعلّق عوائل الهلالية من المكوّن المسيحي بها، فإنّ آخر شخص توفي فيها قبل حوالي سنة، وكانت وصيّته أن يدفن في مقابر المسلمين بالهلالية.
– بعدما أنهينا العمل في اليوم الثالث لبناء الهلالية، جلسنا وأحضروا لنا الطعام، وكانوا قد ذبحوا لنا “جدياً”، ونحن في الفناء، نظر “علي يوسف” إلى السماء فرأى القمر هلالاً، فقال، فلنسمّ المكان بـ “الهلالية“
– جميع الآشوريين الذين هجّرهم الانكليز من العراق عام 1936 واستقبلهم الانتداب الفرنسي خيّموا في الهلالية.
– نقل الفرنسيون في العام 1936 حوالي سبعة شاحنات كبيرة محمّلة بالآثار والأموال من الهلالية إلى فرنسا.
– قام سكان الهلالية ببناء بيوت من اللبن والطين وذو طابقين، موصولين ببعضهما بدرج داخلي، وكانوا يسندون باب الطابق السفلي بعمود ثخين من الخشب لحماية أنفسهم، وكانوا يتحصّنون في الطابق العلوي من البيت ضدّ تلك الغزوات”
تقع مدينة القامشلي “قامشلو” التي لا يتجاوز عمرها القرن الواحد، والتي أخذت أهميتها من موقعها الجغرافي، الذي يربط بين مدينة ماردين التركية، وحلب السورية، والموصل العراقية. حيث يعود تاريخ بناءها للعام 1926 من القرن المنصرم، بأمر من السلطات الفرنسية.
وترتبط بمدينة قامشلو العديد من الأحياء والحارات التي انشأت بعضها حديثاً، بينما يرتبط تاريخ بعضها ببناء المدينة أو حتى قبلها. ومن هذه الأحياء العريقة حيّ الهلالية الذي يقع على تلة مطلة على المدينة في المدخل الغربي.
يقول فاروق عبد الحميد بن إبراهيم بن يوسف وهو من مواليد الهلالية 1952، ومدرس لمادة التاريخ أنّ ملاك “الهلاليّة” الأساسي من نصيبين، وهو من عائلة تدعى “أبو عَيْشِكْ” ولازال البعض منهم ساكنين في نصيبين، وامتداد ملكهم هو من خط 56 الذي بني عليه الحدود-بين الحدود التركية والسورية الذي رسمها الناتو وتوزعت أملاكهم بين الحدود الثلاثة؛ التركي والسوري وبين منطقة الأسلاك الشائكة التي تفصل الحدود بين تركيا وسوريا.
ويضيف:” كانت تلك العائلة تتألف من خمسة أخوة لكن في العام 1923؛ كان ثلاثة منهم على قيد الحياة هم: علي وإبراهيم وأحمد يوسف، والذي جاء وبنى أول بيت في الهلاليّة هو علي يوسف. أمّا أنا فابن عبد الحميد إبراهيم يوسف. والشيء المهم أنّ المنطقة حينها كانت فيها قُرى مثل “ناف كور وجركين ” التي كان يوجد فيها تقريباً 20-25 بيتاً حينها، أيضاً كانت هناك قرية “تل عفر” وكانت عامرة، ولكن مع مرور الزمن انهار بناؤها وكانت فيها قبُّة يهوديّة تتضمن قبور اليهود وكانت فيها تقريباً 15- 20بيتاً، وكذلك قرية “عمبارة”. كانوا يحرثون الأرض في منطقتنا بواسطة الدواب، كانوا يتجهون إلى نصيبين ويحرثون أراضيهم بتلك الدواب من خلال نظام “المُرابعة””.
ويتابع يوسف:” كانت المنطقة التي يسكنها العرب جنوب قامشلو، وكان أهلها متنقلين بخيامهم ومواشيهم ويغزون هذه المناطق. فقام سكان الهلالية ببناء بيوت من اللبن والطين وذو طابقين، موصولين ببعضهما بدرج داخلي، وكانوا يسندون باب الطابق السفلي بعمود ثخين من الخشب لحماية أنفسهم، وكانوا يتحصّنون في الطابق العلوي من البيت ضدّ تلك الغزوات”.
ويؤكّد يوسف أنّ أول من بنى في الهلالية وأسسها هو علي يوسف، وبمساعدة من صهره إبراهيم – الذي توفي في الهلالية قبل ثلاث سنوات وله من العمر 123-. وكان لعلي يوسف علاقات مع حاجو آغا، وطلب منه حينها أن يعطيه عشرة إلى خمسة عشر عائلة؛ لأنّه وحيد، والقرية لا تبنى بشخص على حد قوله وقتها، فساعدته اثنا عشر عائلة مسيحية من مسيحيّي “طوري” وأصولهم أمريكية، ساعدوه في البناء. من ساعده في بناء الهلالية في العام 1929 أصبح لهم بيوت فيها، لكن تركها معظمهم فيما بعد، ومن بقي فيها فقد انتقل إلى قرية ” دمخية” وهي قرية مسيحيّة على طريق قامشلو – تل براك.
وقد توافد إليها الناس بعد البناء من نصيبين ومن الغرب ومن الجنوب، لذلك ترى أنّ معظم أهلها ينحدرون من عشيرة “الميرسيني” أو من جنوب قامشلو، أو من نصيبين مثل عائلة “سيد حاج” وهم أوّل من جاؤوا من نصيبين، ولازال أبنائها على قيد الحياة.
وعن العوائل المتوافدة إليها يذكر يوسف أسماء بعضها، مثل عوائل من عشائر “حَسَنا وحيدرا” كعائلة “حجي جركس”، وعوائل أخرى أتت من نصيبين ولازال قسم منهم في نصيبين وهي عائلة “يوسف عبدالله” وعائلة “أبو عَيْشِك” ولازالوا معروفين في نصيبين بهذا اللقب. وكذلك عائلة “محي كلي”، وعائلة ” حجي داوى” ولازال ابنه سليمان داوى في الهلاليّة، وأيضاً عائلة “صوفي محمد بعيف” وبعض من عوائلهم تسكن الهلالية. كما توافدت بعدهم عائلات مسيحيّة في أعوام 1950 -1955 مثل عائلة “مخسي كريم، برو شعباني، وحيدو، وحانونو، وآحو”. كما كانت هناك عائلة أخرى في قرية “دمخية” تدعى عائلة ” طكطك ” من المكوّن العربي وأصلهم من عشيرة “الراشد”. وجدعان الحنظل مع أبناءه، وأصله من نصيبين، ولا زال أبناءه حتى الآن هنا وهو الوحيد العربي الذي جاء إلى الهلالية. وكانت العلاقات طيبة مع الجميع على حد وصفه.
وعن أسباب تسمية القرية بهذا الاسم يذكر يوسف الحدث التالي:” الهلالية تم بنائها في شهر نيسان من عام 1929 وأنا سمعت هذه المعلومة من عمتي حج خنسة التي توفيت في عمر 126 سنة، ومن إبراهيم علي 123 سنة، حيث زهد في الفترة الأخيرة وصار ينام ليلا بين المقابر. كان رجلا واعياً ومهتماً بالتاريخ. يقول بعدما أنهينا العمل في اليوم الثالث لبناء الهلالية، جلسنا وأحضروا لنا الطعام، وكانوا قد ذبحوا لنا “جدياً”، ونحن في الفناء، نظر “علي يوسف” إلى السماء فرأى القمر هلالاً، وكان رجلاً متعلما يجيد التحدّث باللغة العربية والفرنسية والتركية، فقال، فلنسمّ المكان بـ “الهلالية” لأنه ليس هناك أفضل من هذا الاسم المبارك وفي هذا اليوم المبارك. قال له ابراهيم علي، هذا اسمه هلال، فمن أين استقيت اسم ” الهلالية”؟ قال لدينا معارف في قرية “الهلالية” قرب قصر “حسين قنجو” في مدينة “قزل تبه” بتركية وهم من المكوّن اليزيديّ، وأنا دائم الزيارة لهم، وهم أيضاً يزورونا في نصيبين، وكنت أودّ أن أبني يوماً ما قرية هنا أيضاً وأسميها بـ “هلالية”.
وقد اشتهرت الهلالية -بعد ذلك – بمائها، كانت أنهارها وطواحينها كثيرة، وكان هناك نهر ينبع من نصيبين ويمرّ من غربها، ويسمّى “ساقية جركين”. كانت هناك ثلاثة أنهار تمرّ من هنا حتّى قرية هيمو، وملاحظ ذلك أيضاً على الطريق العام، حيث توجد ثلاثة جسور صغيرة. ومن هنا إلى القامشلي كان هناك نهر واحد واسمه “خنيز” يمرّ من أسفل وادي الهلالية، ولازال جسرها موجودا حتى الآن عند معمل بلوك”غربي”، كان ذلك النهر يمرّ باتجاه الجنوب ويلتقي مع نهر جغجغ قبيل المطار.
ويتحدّث يوسف عن عائلتين كانتا موجودتين هما “أصفر” و”نجار” يزرعون أراضي “جركين” و “كرباوي” الزراعية إضافة إلى أراضي جنوب شرق قامشلو بمحصول الرز، ولم يكن النهر القادم من “تلعفر” عبر جركين يكفي سقاية المحصول، لذلك حوّلوا نهراً آخر من غرب الهلالية إلى جركين، وبذلك صارت هناك ساقيتين باسم “جركين”، وكان ذلك في أربعينيات القرن المنصرم. وقد بنى جدّي على هذه الساقية أسفل تلة الهلالية مطحنة وسمح للجميع بالاستفادة من المياه، على شرط أن يسقي بها أراضيه هو أيضاً. وحوّل ما بين ساقية “جركين” ونهر جقجق لسهول وبساتين، يزرع فيها جميع أنواع أشجار الفواكه من تفاح ودراق وغيرها”.
كما ويتحدّث يوسف عن حدث جلل وواقعة عظيمة حدثت في العام 1936 في الهلالية، حين خيّم جميع الآشوريين الذين هجّرهم الانكليز من العراق واستقبلهم الانتداب الفرنسي في الهلالية، وكانت الهلالية صغيرة حينها، وهذا العدد الكبير شكّل تهديداً لهم. يُقال أن علي يوسف دعا وجهائهم إلى مأدبة غداء لديه، حيث أقام وليمة كبيرة، وسألوه حينها عن موقع يتوفر فيه الماء، ومن أين تنبع ساقية جركين، فحدّثهم أنّها آتية من نصيبين، لكنهم خشوا أن يقطع عنهم الأتراك الماء يوماً فتسوء حالهم، لذا سألوا علي يوسف عن مكان آخر يتوفر فيه الماء بكثرة وبشكل دائم، فدلّهم على منطقة نهر الخابور، وبعد أيام شدّوا رحالهم وتوجّهوا بمساعدة الفرنسيين إلى تلك المنطقة.
ويشير يوسف أنّه كان لجدّه أثناء الانتداب الفرنسي علاقة مع عائلة نظام الدين، وكان للأخير علاقة مع درويش آغا في “هيمو” وخصوصاً في العام 1937 أثناء طوش عامودا. حيث كانوا يعتبرون وطنيين ملاحقين من قبل الفرنسيين، تركوا “زنود” واختبؤوا في الهلالية فترة ومنها إلى نصيبين. وكانت علاقاتهم جيدة مع سعيد آغا الدقوري والخط الوطني.
ويرجئ الأستاذ فاروق عبدالحميد يوسف عدم حدوث أي مقاومة فعلية في الهلالية تذكر ضدّ الفرنسيين إلى قلّتهم من حيث العدد، حيث كانت عبارة عن تلة فوق الثكنة العسكرية أو ثكنة تل الذهب أو تل الخزنة Girkê Xiznê – Girkê Zêra))، وحتّى الآن هي ثكنة للهجانة والجيش، وما يؤكّده أيضاً هو أن الفرنسيين نقلوا في العام 1936 حوالي سبعة شاحنات كبيرة محمّلة بالآثار والأموال إلى فرنسا.
الحاج فؤاد يوسف
أمّا الحاج فؤاد علي يوسف وهو من أبناء مؤسسي الهلاليّة فيتحدّث عن مجيء والده في العام 1925 من نصيبين لوحده، حيث كان متزوجا بامرأتين حينها، جاء إلى جركين، ثم إلى قامشلو، فالهلاليّة. توفي بعدها بحوالي عشر سنوات، وكان يسكن الهلالية حينها عوائل قليلة كعائلة ابراهيم علي من المكون العربي ومحي الدين علي وسيّد حاجي، لذلك استقدم والدي حوالي عشرة بيوت من المسيحيين من تربه سبييه ولكنهم لم يطيلوا المقام هناك، منوّهاً أنّ عمّه جاء فيما بعد من نصيبين، وأصبح مختارا للهلاليّة.
ويتحدّث الحاج فؤاد عن أملاك ونفوذ آل نظام الدين حينها، فالمبنى الأصفر المشيّد وسط تلة الهلالية بناها آل نظام الدين في العام 1952من القرن المنصرم، وكان حينها عبد الباقي نظام الدين وزيراً للصحة العامة وتوفيق نظام الدين رئيس أركان الجيش. مبيّناً أنّ عائلة نظام الدين هي من أصول نصيبينية، وكان لهم نفوذ وجاه ومناصب عليا في الدولة في نصيبين أيضاً. وهنا كانت أراضي الهلالية وزنود وطرطب وحلكو كلها تعود لهذه العائلة.
كما ويشير الحاج إلى أنّ عائلة “جركز” أيضاً من أوائل من سكنوا الهلالية. ولا يختلف في رواية التسمية عن الأستاذ فاروق حول رؤية الهلال وتسميتها بذلك تيمنا.
ومن الحوادث التي يذكرها الحاج فؤاد جيداً ويرويها هو استيلاء الجنود الأتراك على حوالي 535 رأس غنم من الهلالية قبل خمسينيات القرن المنصرم، حين اقترب قطيع من الأغنام من الحدود، ولم يعيدوه بعد ذلك.
ويرى علي جركس وهو من سكان الهلالية القدامى الذين قدموا إليها في العام 1947 أنّ عائلة حج جميل فاليت هو أيضاً من مؤسسي “الهلالية” ووجهائها. حيث قدم أهلها – حسب ما يروي – من نصيبين إذ لم تكن هناك حدود. أمّا أولاها فكانت عائلة “أبو عيشك، ملا مصطفى، كندورو، سيد حاجي، خلف ميرمي” والعديد من العوائل المسيحية، وكانت معظم هذه الأراضي تابعة لأوقاف جامع زين العابدين في نصيبين.
ومن شدّة تعلّق عوائل الهلالية من المكوّن المسيحي بها، ومنها عائلة مخسي، حانون، شيبي، دنحو، حيدو، كوريه، فإن آخر شخص توفي فيها كان قبل حوالي سنة، وكانت وصيّته أن يدفن في مقابر المسلمين بالهلالية حسب ما يذهب السيّد علي جركس.
ويؤكّد جركس أنّ الكثير من البيوت والعقارات التابعة لهم لا تزال موجودة، وكانت هناك الكثير من العوائل المسيحية. وأنّ بناء مدرسة صقر قريش تعود إلى ستينات القرن الماضي وكان يتوافد إليها المعلمون من جمهورية مصر.
وتبقى ” الهلالية” المطلّة على مدينة قامشلو بتاريخها العريق، شاهدة على تاريخ مدينة بأكملها، وحقبة من الزمن تحكي قصة شعب عريق كان مثالا للحب والوئام والتعايش..
نشرت هذه المادة في العدد 55 من صحيفة “Buyerpress”
بتاريخ 15/12/2016
التعليقات مغلقة.