سياسة عليا … ستوب

30

 

15493948_1501516363196538_440880582_n
إبراهيم خليل

إبراهيم خليل

” سياسة عليا ” من مفردات ” الزمن القبيح “، وواحدة من المصطلحات الفضفاضة والغامضة التي كانت تثير الرعب في نفس أي مواطن سوري بسيط في دولة البعث حين يسمعها. كان يمكن ﻷيّ موظف درجة عاشرة في أيّ دائرة من دوائر النظام الأمنيّة أو شبه الأمنية أن يلجم بها أي ” لسان طويل ” يخرج من أي حلق جائع، وكان المواطن العادي ابن التسعة يشعر إزاء كل واحدة من هاتين الكلمتين على انفراد بمدى ضعفه وجهله وحقارته وانحطاط رتبته الاجتماعية والثقافية والوطنية، فما بالك بهما إذا اجتمعتا. أمّا أسباب هذا الشعور فهو لارتباط السياسة بالسجون والأقبية والتعذيب وارتباط العليا بسيارات الشبح والأطقم والنظارات السوداء والمقرات الحصينة التي لا يجب النظر باتجاهها عند المرور بها.

كل ما يريده الإنسان “الطبيعي” هو أن يأكل ويشرب ويعمل وينام بأمان، وتلك وفق سنن الكون الإلهيّة مسؤوليته لوحده في ظل قوانين القضاء والقدر وصراع الأضداد والانتخاب الطبيعي وتعلق النتائج بالمقدمات. أمّا المواطن الطبيعي في الوطن الطبيعي فليس مجرد إنسان متحول عن قرد ولا مجرد عبد من عباد الله بل هو ” إنسان سياسي ” ومن حقوقه الطبيعية -مقابل الجزء من حريته الذي نزل عنه للسلطة الحاكمة-أن تتكفل السلطة الحاكمة بحمايته وتضمن له على مدار العام حقوقه الأساسية بالإضافة إلى شؤون معيشته اليومية التي تشمل أمان الطرق وملاءة السوق واعتدال الأسعار.

بالنسبة لوضعنا : نفترض أنّ المواطن – خارج أحزاب المعارضة الكردية – يقرّ للإدارة الذاتية بسلطتها ويقرّ لعناصرها وموظفيها ومسؤوليها وقادتها وكوادرها بحقهم في تنظيم وتسيير الحياة العامة وضبط المخالفات واستثمار المرافق والتصرف في الثروة العامة، وهو إقرار لا يجب الاستهانة به أو وضعه في خانة ” تحصيل الحاصل ” بقدر ما يجب التحوط منه والسهر على استدامته والتخوف من فقدانه لكن ما يحدث على أرض الواقع ينطبق عليه مسمّى ” اختلال ميزان الحقوق والواجبات ” ما بين المواطن الروجافاوي والإدارة الذاتية الديمقراطية في أقلام عديدة نخصّ منها قلم التموين الذي يعاني من حالة مد وجزر متواصلين فإذا حضر الغاز فقد السكر، وإذا وجد الزعتر غاب الزيت، وإذا توفر الغاز والسكر والزيت والزعتر فرغت الجيوب قبل انتصاف الشهر وأصبح المواطن أجير التاجر وأسير السمان.

المواطن -وليس التاجر -هو سند الإدارة الذاتية وظهرها، ورأيه فيها هو المعيار الذي يحدد مدى نجاحها أو فشلها، والإدارة الذاتية تعريفا لا تعني أن يدير المواطن شؤونه إّلا بصيغة مجازية، صيغة لا يمكن حضورها إلّا مع غياب جميع الأطر الحاكمة والمسيرة والمنظمة لحياة المجتمعات مهما اختلفت تسمياتها، وهي بالطبع صيغة مغرقة في البدائية لا يجب الطموح إليها، ناهيك عن التفاخر بالعيش في ظلالها وإلّا تحولنا إلى العمل بقانون “دبر راسك” اللا قانوني أصلا.

إنّ المواطن -الموالي للإدارة الذاتية أو المعارض لها -يستحق خبزه كفاف يومه بدون منّة من أحد لأنه قد سبق وأدّى ثمن هذا الخبز بإقامته في روجافاي كردستان وخضوعه لقوانين الإدارة ورفضه الهجرة رغم توفر ألف سبب وسبب.

والخبز والماء والكهرباء والغاز والمازوت وسكر الشاي ليست كماليات حتّى نستغني عنها، وليست تفاهات حتّى نترفع عن الكتابة عنها وليست “سياسة عليا ” -لا قدّر الله -حتّى نسكت عن المطالبة بها بصوت مسموع.

نشرت هذه المقالة في العدد 55 من صحيفة “Buyerpress”

بتاريخ 15/12/2016

15497547_1501479549866886_1444010399_n

 

التعليقات مغلقة.