موقع الكرد في مشروع الشرق الأوسط الجديد الكبير

179
%d9%86%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d9%86-%d9%85%d8%aa%d9%8a%d9%86%d9%8a
نارين متيني

نارين متيني

إنّ مصطلح الشرق الأوسط الكبير قام على إعداده لويس برنار،  وانتهى من تجهيزه سنة ١٩٨٤،  وفي نفس السنة وبضغط من الرئيس الأمريكي رونالد ريغان ومستشاره للأمن القومي برجنسكي،  و بدعم من اللوبي اليهودي أقرّه الكونغرس الأمريكي قرارا ملزما لكل الإدارات الأمريكيّة المتلاحقة لتطبيقه، وبذلك أصبحت كل إدارة أمريكيّة منتخبة تتولى رئاسة الولايات الأمريكية عليها أن تنفذ هذا المشروع، وتعمل على التجهيز لتنفيذ كل بنوده. في عام ١٩٩٦، قام الرئيس الاسرائيلي السابق شمعون بيريز بتأليف كتاب سماه // الشرق الأوسط الكبير //، شرح فيه الكثير من الخطوط العريضة لهذا المشروع، وكان صريحا في شرحه وعند تولي إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الحكم في أمريكا، كان واضحا في شعاراته النابعة من ذلك المشروع كتصنيفه لمحور الخير ومحور الشر والقيام بغزوة العراق، كان ترجمة حرفية لتنفيذ ذلك المشروع الذي يسمّى مشروع الشرق الأوسط الكبير، لكنّه في عام ٢٠٠٤، في شهر آذار أعلن عن المشروع بحجج عديدة معتمدا على تقارير التنميّة للأمم المتحدة والمستوى المتدني في تنمية الدول التي تشكّل ما يسمى الشرق الأوسط، علما أنّ هذا المصطلح /الشرق الأوسط/ ظهر في الحرب العالميّة الثانية، عندما وضع البنتاغون الخرائط العسكرية: وهي منطقة ممتدة من المغرب العربي إلى أفغانستان، مرورا بإيران ودول الخليج، لذا سبق جورج بوش غزو أفغانستان قبل العراق

 إن كونداليزا رايس مستشارة الأمن القومي الأمريكي في إدارة الرئيس جورج بوش، قامت من باب المواربة بإطلاق تسمية جديدة ألا وهي مشروع /الشرق الأوسط الجديد/ لإخفاء بعض النوايا.

وكما ذكرنا سابقا في البداية أنّ الرئيس الأمريكي جورج بوش عندما قدّم المشروع المسمّى /بالشرق الأوسط الكبير/ إلى الأمم المتحدة لتسويقه علنيا ولكسب الشرعية الدولية، اعتمد على تقارير واحصائيات التنمية في دول الشرق الأوسط، وهي بالفعل نتيجة الدكتاتوريات والاستبداد والصراعات الجانبية التي أدت إلى مستويات كارثية.

  وإذا أمعنّا النظر فيها، فعلى سبيل المثال برغم الثروات الكبيرة والتي لا تحصى والتي تشمل الثروات الباطنية والزراعية ..الخ، فإن مجموع الناتج المحليّ لكل هذه الدول لا تساوي الناتج المحلي لأفقر دولة في الاتحاد الاوربي وهي اسبانيا، وكذلك مجموع عدد الشركات في هذه الدول لا تتجاوز عدد الشركات الموجودة في دولة صغيرة جدا من الاتحاد الأوربي؛ مثل لوكسمبورغ، وكل هذا السلب والنهب الذي يقوم بها الأنظمة الدكتاتورية للموارد.

 لذا فإنّ التخلص من هذه الدكتاتوريات ونشر الديمقراطيّة هي وصفة سحريّة لإنقاذ تلك المجتمعات وتطويرها كما تقول بعض نصوص المشروع، وبما أنّ عماد هذا المشروع هو إلغاء الخرائط التي تمّ رسمها في اتفاقية سايكس بيكو، عام 1916 وإنشاء خرائط جديدة تُقسّم دول وتُنشأ دول جديدة، فإنّ حصّة الكرد وكردستان ستكون فيها حصة  فمن خلال الخرائط المسرّبة نجد أنّ الدول الأربعة التي تحتل كردستان، وهي تركيا، سوريا، عراق، وإيران    ستقتسم إلى أجزاء عديدة حسب الإثنيات الموجودة فيها، وسيتمّ تشكيل دولة جديدة اسمها “كردستان الحرّة” تمييزا لها عن كردستان الكبرى التاريخية، حيث نجد أنّ المسمّاة بكردستان الحرّة في تلك الخرائط تكون أكبر مساحة، وتضمّ منابع النفط في أذربيجان إليها، وبذلك تكون كمساحة أكبر بكثير من كردستان الكبرى التاريخية التي يطالب بها الشعب الكردي عبر نضاله الطويل، ونستطيع القول بما توفّر لدينا من معلومات مسربة بأنّ المشروع سيكون له جانبين:

– الجانب الجيوسياسي، يُختصر بتفتيت دول بما يعرف بالشرق الأوسط إلى دول ضعيفة ومشتتة أثنيّا وقوميّا تسودها الصراعات،                           وتكون كل من دولتين فقط تنعمان بالاستقرار السياسي وهما كردستان الحرة، ودولة اسرائيل التي ستكون بحسب المشروع سيدة المنطقة، كما لا نستطيع إنكار أنّ المشروع ولد لخدمتها وخدمة مصالحها.

– الجانب الاقتصادي، بما أنّ هناك قاعدة ثابتة في الاقتصاد تقول “إنّ أجمل  شيء هو الرأسمال” فإنّه من الطبيعي أن الرأسمال لا يبحث عن الاستثمارات في المناطق الساخنة، بل تبحث دائما عن المناطق المستقرة أمنيا وسياسيا، لذا يجب أن تكون كردستان مستقرة أمنيا وسياسيّا حتى تلجأ إليها كافة (الرساميل) رؤوس الأموال الاقتصاديّة من مناطق التوتر المحيطة حولها.

لذا فإننا نفهم من النقاط العريضة للمشروع المسمّى بكردستان الحرّة يجب أن يشهد وبرعاية أممية استقرارا سياسيّا وإنعاشا اقتصاديّا ويكون واحة لجذب الاستثمارات الأجنبية وكافة الشركات العالمية العابرة للقارات.  ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بكل جديّة وشفافيّة بعيدا عن المواربة؛ نحن كشعب كردي يعيش على أرضه التاريخية منذ آلاف السنين، وعانى ما عاناه من كافة أصناف الظلم والإرهاب والقتل والتهميش من كافة أعداءه التاريخيين، لكنّه حافظ على وجوده ولغته وإرثه الحضاري وفلكلوره، وقدّم ملايين الشهداء على مذابح حريته، ولم تستطع كلّ أصناف القتل والإرهاب إذلاله وإزاحته من أرضه، ويعدّ من الناحية التاريخية الضحيّة الأولى لاتفاقية سايكس بيكو، والشعب الذي دفع أكثر الأثمان نتيجة هذه الاتفاقية الظالمة، والتي ثُبتت باتفاقيات أكثر ظلما كاتفاقية “لوزان وسان ريمو”،حيث أنّ أعداءه كانوا يختلفون دوما لكنّهم يتحدون على تدمير وسحق أي تطلع كردي لنيل حريته المشروعة، والتي كفلتها كل القوانين السماوية والبنود الدوليّة لحقوق الانسان، وهو الآن بحاجة إلى تصحيح تلك الخرائط الظالمة ورفع الظلم والغبن عن كاهله وتمزيقها ورميها إلى مزبلة التاريخ.

لكن هل نحن الشعب الكردي ونتيجة تلك الممارسات والسياسات بكافة أشكالها من قبل المحتل، وما زرع فينا عبر هذه السنين من بذور التخلف والتفرقة، هل نحن قادرون على إعادة هيكليّة فكريّة جديدة للعقليّة الكردية، سواءا العقلية السياسية أو العقلية الشعبية كي نكون على قدر كاف من المسؤوليّة لاستغلال هذه المرحلة وبدء مرحلة جديدة..!؟

نشرت هذه المقالة في العدد 54من صحيفة “Buyerpress”

16/11/2016

15139258_1465660056782169_621634399_n-1

 

التعليقات مغلقة.