سوريا من المأمول إلى المجهول
دلدار قامشلوكي
ستة أشهر من الاحتجاج والتظاهر السلمي الذي انطلق من حاضنة النظام العقائدية (درعا) حيث تجذر ثقافة البعث العروبية وامتد على كامل المساحة السورية كانت كفيلة بإسقاط النظام لولا أن إرادات فوق وطنية شاءت غير ذلك.
الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الكبار الذين يمتلكون غالبا خيارات متعددة في القضايا الدولية لم يقفوا مكتوفي الأيدي أمام الفيتو الروسي – الصيني المزدوج لأكثر من مرة في مجلس الأمن الدولي إلا بقدر مشيئتهم في تعقيد الوضع السوري وكانوا يدركون تماما تداعيات هكذا (عجز) أمام روسيا المنحسرة النفوذ في أكثر من مكان.
كان الصمت الدولي وتعاميه عن ممارسات النظام التي تجاوزت كل (خطوطهم الحمراء) مدروسا ومنسقا ويهدف إلى ضخ المزيد من العنف في السلوك السوري سلطة ومعارضة.
الموروث الثقافي السوري الناتج عن عقود من التسلط والعنصرية وواقعه المتنوع عرقيا ودينيا والمليء بالتناقضات والثقافة القومدينية المتشددة أضافت عبئا جديدا لمعادلات الصراع وجعلت من الساحة السورية مختبرا ناجحا لمخططات القوى العظمى التي غضت الطرف عن تدفق مختلف الميليشيات وآلاف الجهاديين إلى الأراضي السورية عبر حدود الحلفاء وكان بالإمكان منع حدوثه.
كان في تحرك الأسطول البحري الروسي باتجاه سوريا تزامنا مع تحريك الولايات المتحدة الأمريكية لأسطولها رسالة واضحة مفادها إن روسيا لن تتخلى عن النظام السوري الذي يضمن مصالحها في كامل حوض البحر الأبيض المتوسط باعتبار سوريا آخر ما تبقى لها في ذلك الحوض.
اغتيال زعيم القاعدة (أسامة بن لادن) من قبل وحدات خاصة أمريكية كان إيذانا بانتهاء مرحلة وبدء مرحلة جديدة عنوانها الأبرز تحويل مركز الإرهاب العالمي إلى مناطق أخرى، فكانت سوريا الوجهة والمركز الجديد.
تغول الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وحصولها على كافة مقومات القوة في فترة قصيرة وبشكل يثير الشك والريبة لم يكن خطأ في التقدير أو عدم دراية بأمور المنطقة من قبل الدول العظمى؟؟ (فالفوضى الخلاقة) التي تم إحداثها عن طريق داعش كانت الوسيلة الأنجع لتسهيل تمرير المخططات الدولية التي تهدف إلى تغيير واقع الشرق الأوسط انطلاقا من مركزه، وقد تؤدي إلى إنهاء الوجود الفعلي لدول عديدة ابتداء من سوريا والعراق وليس انتهاء عندهما، لكن دون إحداث تغيير جذري في الخرائط السياسية والحدود المعترف بها دوليا في المدى القريب.
اقتطاع روسيا لشبه جزيرة القرم من حليفة الولايات المتحدة الأمريكية (أوكرانيا) كان استنهاضا (للدب) الروسي من سباته واستعادة لهيبة روسيا الناهضة من (إخفاقات) عديدة.
التدخل العسكري المتعدد الأطراف في سوريا بحجة محاربة الإرهاب بداية لمرحلة جديدة من مراحل الصراع المختلفة والمرسومة النتائج، لذلك فإن (إصرار) الدول العظمى على حل سياسي دون خطة واضحة وضمانات بتنفيذها لا تتجاوز كونها تبرئة ذمم وإطالة أمد الحرب.
تعميم حالة عدم الاستقرار في كامل منطقة الشرق الأوسط وربما ما هو أوسع وتحويل بلدانها إلى دول فاشلة غير قادرة على تشكيل حكوماتها أو ضبط دواخلها وحدودها بدون توافقات دولية كالحالة اللبنانية والعراقية هي أكثر السيناريوهات المتحملة الحدوث، تلك بدايات لا بد منها لإجراء أية تغييرات مطلوبة في هذه الدول.
تغيير خارطة الشرق الأوسط بشكل جذري لا يمكن أن تتم بدون اتفاقات مسبقة وقرارات من مجلس الأمن، ذلك صعب تحقيقه في ظل تناقض مصالح المتحكمين بالمجلس، لكن من الممكن استحداث (كيانات) ذات طبيعة خاصة ضمن الدولة الواحدة أو أكثر من دولة استنادا لتغيير الوقائع على الأرض بما يخدم ذلك الهدف، فأوضاع شبيهة بحالة كردستان العراق أو جنوب السودان يمكن أن تتكرر في أماكن أخرى.
استنادا لما سبق، ليس ثمة فرص حقيقية لإيجاد تسوية سياسية في سوريا في المنظور القريب، فالأولوية لمحاربة الإرهاب، فضلا عن أن أية تسوية تتطلب تغيير الاصطفافات الحالية وإحداث تغييرات جذرية في مواقف كل من النظام والمعارضة باتجاه القبول بالدولة الاتحادية، ذلك لا يزال يحتاج لوقت طويل نسبيا، مما يعني استمرار حالة الحرب إلى أمد آخر.
كذلك يتبين من سياق الأحداث أن مهمة (الدولة الإسلامية) شارفت على الانتهاء، ربما ستشهد السنوات القليلة القادمة خلاص سوريا والعراق من (داعش)، معركة الموصل هي بداية النهاية، لكن دون أن يعني ذلك القضاء التام على الإرهاب، بل إنه سيظهر في أماكن أخرى، ربما بمسميات أخرى، فالإبقاء على مسافة اتصال بين تركيا وداعش يعني إفساح المجال لعودة الجهاديين عبر تركيا إلى أوطانهم أو إلى أماكن أخرى، سيظهر ذلك جليا في المعركة الأخيرة في الرقة (عاصمة الخلافة)، بعدئذ يمكننا الحديث عن فرصة حقيقية لتسوية سياسية طويلة الأمد في سوريا أساسها الشراكة والتعددية.
نشرت هذه المادة في العدد 53 من صحيفة “Buyerpress’
1/11/2016
التعليقات مغلقة.