من راعي ..

22
%d9%85%d9%86-%d8%b1%d8%a7%d8%b9%d9%8a
لوند يوسف

لوند يوسف

 في تلك القرية التي تبعد عن الطريق الذي يربط بين مدينتي قامشلو وعامودا لأكثر من ثلاث كيلومترات، قصّصٌ تنهش القلوب، لكن لا صدى يُسمع ولا أنين حزن يبكي، في القرية التي يستيقظ فيها الرّجال شبّاناً، وينام فيها العمرُ مطويّ الرّأس. ابنٌ كان بارّاً في زمنٍ ما، قسوة الحياة جعلته ابناً للبراري يهتمُّ بالماشية والرّعي أكثرَ من نفسه، يهبها لقمته بدل أن يتناولها، يفكّرُ مليّاً حاملاً ريشةً شفّافة، يرسم بها زوايا عالمه الخاصّ، العالم الذي كانَ بحراً تسبح أحلامه فيه قبل الغرق.

  الابن الذي بلغ من العمر خمسين ربيعاً، قضى جلّ عمره يتفكّر بكيفيّة تأمين لقمة العيش لأسرته، ولم يجد تلك المرأة التي ستكون زوجة له،  تقدّم له قهوة الصّباح بيدين من زهرٍ.

 وبلمحة بصر، التقى فتاة بدويّة ترتدي الزّي الفلكلوري الكردي، والخزام معلقّ على أنفها، والخلخال يحضنُ الكاحل، يهزُّ الأرض، والحزام المحاط بخصرها يحدّد لونَ الشّمس وزرقة السّماء، شغلتهُ في قريتها الأمّ.

 طلب يدها، وبعد موافقة الأهل على عقد القران، والاتفاق على المَهر، بدأ نصاب الزّواج يكتمل. تبخّرَتْ المشاعر في قلب الابن وما عاد قلبه ينبض لفتاته التي احتارت وخافَت من احتمال وجود فتاة أخرى شغلت قلبه، ذلك الابن تمنّع عن الزّواج بها ومن غيرها..

 مرّت مدّة,  أصرّ فيها الأهلُ على معرفة السّبب الذي حال دون زواج ابنهم، فأخبرهم أنّه فقد الرّجولة بعد صدمة، كان قد تلقّاها في إحدى الليالي الحالكة في زُقاق تلك القرية، تحوّل على إثرها من عاشقٍ إلى راع بلحيةٍ وشعرٍ طويلين كالعمر المديد المرّ، يحصي فيها كلّ ليلةٍ النجوم ، ويحاكي كائناتٍ بعيدةً عن البشر وقساوتهم، يراقب الخِراف التي ترضعُ من ثديَ أمّهاتها حليباً حُلواً، يعجزُ عن صنعه الإنسان…

قصة بسيطة مسرحها إحدى القرى، كغيرها من القصص المُهمشة التي لا تلقى آذانا صاغية…!

التعليقات مغلقة.