نعم أنا مثليّ جنسياً!

28

المثلية الجنسية. تختلف الآراء حول ماهيتها وكيفية حدوثها، يعتبر البعض أنها حالة صحية بيولوجية تولد مع الإنسان، فيما يراها البعض الآخر أنها مكتسبة بحسب البيئة المحيطة بالشخص وطريقة نموه، أي إنها قرارٌ يتّخذه متأثّراً بمحيطه. لكن مهما كان أصلها، هي واقعٌ يشكل هوية الشخص، بغضّ النظر عن مدى تقبّل المجتمع لهذه الفكرة.

sexul-guy-52ab570f9259dالمثليون جنسياً جزءاً من نسيج المجتمع

يُخبر الشاب رمزي “النهار” أنه في الثالثة عشرة من عمره، شعر بانجذابه للذكور أكثر من الإناث، فشكّل ذلك الدليل الأول لمثليته الجنسية، قبل أن يتأكد بنفسه من الأمر عند قراءته في إحدى المجلات عن مثليي الجنس في لبنان وشبكات التعارف، ويقول: “عندها علمتُ أني لست الوحيد الذي يشعر بالأمر”، ويضيف أنه عندما أصبح في الـ16 من عمره، ومع انتشار الإنترنت، بدأ بالبحث عن الموضوع وعن أماكن تعارف في لبنان، مشيراً إلى أن ذلك كان عام 1996.

يؤكد رمزي أن والديه لا يعلمان بمثليته الجنسية، خلافاً لشقيقاته اللواتي يعلمن وترجَّينَه ألا يخبرهما، ويقول إنهنّ دَعمنه إلى حدٍّ ما عندما اكتشفن الأمر، ولكن الموضوع لا يناقَش اليوم، ويضيف أنه لا يخاف إخبار والديه، بل يخاف من تحطيمهما معنوياً، خصوصاً في المرحلة الأولى. أما أصدقاء رمزي فيعلمون بمثليته الجنسية، واكتشفوها بأنفسهم وتقبّلوها، وهناك أشخاصٌ من محيطه يعلمون أيضاً، وهو يقول إنه لم يكن فعلاً بحاجةٍ ماسّة لتقبّلهم له، بما أنه كان دخل مرحلةً أصبح فيها مرتاحاً بينه وبين نفسه، ومتقبّلاً لمثليته الجنسية ولرغبات جسمه. ويشير إلى أن الصعوبة حينها كانت مسألة تقبّله في لبنان الخارِج من حربٍ أهلية، وغياب التوعية الاعلامية حول هكذا موضوعات خصوصاً في مجتمع يُعَدُّ محافِظاً، لافتاً إلى الفوائد التي يتمتع بها مثليو الجنس اليافعون اليوم جرّاء كثرة وسائل الإعلام وتطرقها أكثر فأكثر للموضوع.

قانونياً، لا يقلق رمزي بما أنه لا يمارس مثليته الجنسية علناً ويقول إنه حتى لو لم يكن مثلياً، فأيضاً لن يقوم بأي تصرف جنسي مع الجنس الآخر علناً، ويشير إلى أن القانون أصلاً يعاقب أي علاقة جنسية تحصل في مكانٍ عام، أي بين رجلٍ وامرأة، فكيف إذا كانت بين رجلين؟ واجتماعياً، يرى أن العقلية بدأت تتغير حتى عند كبار العمر، “ولكن يعود ذلك للإعلام العالمي وليس المحلي! فالإعلام المحلي يعرض المسألة بطريقة سلبية، ويتطرق إليها من ناحية المتحولين جنسياً أو المختلين عقلياً أو المتحرشين جنسياً بالأطفال، فيما المثليون جنسياً أشخاصٌ أخلاقيون أي لنا حصة في المجتمع، لكن ميولنا الجنسية مختلفة” يوضح رمزي.

ويؤكد لـ”النهار” أنه يرتاد الأماكن الخاصة بالمثليين جنسياً والأماكن العامة، مضيفاً أنه لا يذهب حيث من المعقول أن يتم اعتقاله بالطريقة الفاضحة التي يحصل فيها الاعتقال: “أحياناً يلاحظ الجالسون بالقرب مني وفي محيطي أني مثلي الجنس جرّاء حديثٍ ما، ولكنهم يبتسمون لي ويشاركون في الحديث بطريقة ودّية”، معتبراً أنه بإمكان المجتمع اللبناني أن يتقبل المثلية الجنسية، خصوصاً إذا ما ساعد الإعلام المحلي بذلك، “فوسائل الإعلام في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية أصبحت تتطرق لزواج المثليين وتشجّع على إعطائهم هذا الحق، فيما هنا لا ينفكّ الإعلام عن نشر صورة سلبية عن مثليي الجنس”.

الرافضون للمثلية الجنسية أو من ينفرون منها، يرى رمزي أن “منهم من يكونون أصلاً كذلك، أي هم مثليو الجنس، ولا يزالون غير متقبّلين لهذه الفكرة لديهم، وهي تشكّل قسماً من هويتهم، والبعض الآخر علينا منحهم بعض الوقت لتقبّلها في المجتمع، بينما الجيل الجديد ليس لديه مشكلة معها ولا يعتبرها أمراً سلبياً”.

من جهته، يرى اللبناني المثلي جنسياً غاس نعماني أن التمييز العنصري ضد المثليين في لبنان هو ضمن التمييز الإجتماعي الشامل ضد العديد من الأشخاص الآخرين، ويؤكد لـ”النهار” أنه “على الرَّغم من رفضها من الغالبية اللبنانية، ولكن المثلية الجنسية موجودة، ونحن جزءٌ من نسيج الشعب اللبناني ولدينا الحق في أن نعيش، ونتمتع بكامل حقوقنا”.

المثلية الجنسية أمرٌ بيولوجي… إلى حدٍّ ما

تؤكد دراسة حول الحمض النووي (DNA) أجراها في شباط الماضي علماء في جامعة “نورث ويستيرن” في شيكاغو أن المثلية الجنسية تَنتج جزئياً من الجينات عند الشخص، إذ تبين أن هناك تشابهاً في النمط الجيني عند الرجال المثليين، وذكرت الدراسة أن ذلك يزيد من احتمال مثليتهم بنسبة 40%، بما أن الأمر يتأثر أيضاً بعوامل بيئية واجتماعية.

أوضح أحد المشاركين في الدراسة الدكتور مايكل بايلي أنه استعان بأكثر من 400 رجل توأم مثليين (409 أشقاء مثليين) ليكتشف ما إذا كان بعض الرجال ميالين جرّاء جيناتهم إلى المثلية الجنسية. تم تحليل دم المثليين ودم بعض أقربائهم (غير المثليين)، الذين يتوجب أن يتشاركوا وقريبَيهم الأخوَين المثليين بـ50% تقريباً من الجينات عينها. فتبين أن هناك تشابهاً جينياً بين المثليين جنسياً، مع أنهم ليسوا أقرباء، والتشابه الجيني تمثّل في الحمض النووي الحلزوني المزدوج، حيث تطابقت العلامات الوراثية على قسمٍ من الكروموزوم Xq28.

المثلية الجنسية ليست، إذاً قراراً يتخذه الشخص، بل هي متأثرة بالتركيبة الجينية، بما أن في هذه الأخيرة مجموعةٌ تؤثر في احتمال مثلية الرجل أو عدمها. لكن في الوقت نفسه، لا تشكل الجينات العامل الحاسم، ففيما لها دورٌ في تحديد التوجه الجنسي عند الذكور، هناك عوامل متعلقة بالبيئة التي يعيشون فيها لا يمكن تجاهلها. إذ أشار المشرف على الدراسة أستاذ طب النفس في الجامعة الدكتور آلان ساندرز إلى أننا نكون مفرِطين في إيجاز المسألة بالقول إن هناك جيناً للمثلية الجنسية (Gay Gene)، مؤكداً أن الجينات ليست السبب الوحيد المؤدي للمثلية، بل جلّ ما في الأمر هو أن هناك جيناً يساهم في احتمال حدوثها، والمساهمة في الأمر لا تعني السيطرة الكاملة عليه.

الأمر نفسه أكده بايلي حين لفت إلى أهمية البيئة التي ينمو فيها الإنسان، واصفاً تأثيرها بالأهم، ومشيراً إلى أن هناك فارقاً بين العوامل البيئية والعوامل المكتسَبة اجتماعياً. تقوم هذه الدراسة على بحوثٍ كان قد أجراها الدكتور دين هارمر في معهد السرطان الأميركي الوطني عام 1993، وهو سبق له أن وجد علاقة لمنطقة من الكروموزوم X بتحديد التوجه الجنسي عند الذكر.

أسباب بيولوجية أخرى

توصّل علماء كنديون عام 2013 إلى أنه كلما زاد عدد الأشقاء الذكور الأكبر عمراً، كلما كَبُر احتمال أن يكون الأخ الأصغر مثلي الجنس، فكل شقيق أكبر يرفع من احتمال المثلية الجنسية عند أخيه الأصغر بنسبة الثلث، مفسّرين ذلك بأن ردود فعل مناعية تتزايد عند الوالدة مع كل ولد، فتُنتج صفات أكثر أنوثة في دماغ الجنين الذي ينمو، عبر أجسام مضادة تستهدف المنطقة الدماغية المتعلقة بالتوجه الجنسي. كذلك، تنتج المثلية الجنسية من تواجد علامات لاجينية، أشبه بمفاتيح موقتة تتحكم في كيفية تعبير الإنسان عن جيناته أثناء الحمل وبعد الولادة، بحسب باحثين في جامعة كاليفورنيا، أي إن الأمر لا يتعلق بالموروثات أو الجينات، بل في عملية نمو الجنين داخل الرحم.

هذا التأثير الذي تتمتع به الجينات أو الموروثات يشكل أحد جذور المثلية الجنسية، ويشير أحد أعضاء المؤسسة الخيرية Stonewall البريطانية المهتمة بشؤون مثليي الجنس ريتشارد لاين، إلى أن التوجه الجنسي يختلف بحسب الشخص، وليس خياراً يتحكم به هو وفق نمط حياته. يمكن السيطرة على العوامل البيولوجية هذه، وتجنب حال المثلية الجنسية، وذلك عبر تدخّل التجارب التي يمر فيها الإنسان في مرحلة الطفولة، ما أكده الاختصاصي في علم النفس الاجتماعي في جامعة كورنيل في ولاية نيويورك ديريل بيم، فيتهيأ عندها مزاج الطفل ليفضّل أموراً ونشاطاتٍ على غيرها، وأشار إلى أنه لا يوجد هكذا جينات مشابِهة تؤثر في التوجه الجنسي عند الإناث.

المثلية الجنسية خيار يتخذه الإنسان

مع أن الجمعيات المطالِبة بحقوق المثليين تتبنى الدراسات التي تؤكد أنهم يولدون هكذا، وليس بيدهم حيلة إلا عيش حياتهم الجنسية بهذه الطريقة، هناك العديد من الناس الذين يؤكدون أن المسألة هي خيارٌ يتخذه الإنسان، ولا يمكن أن يكون قد خُلِقَ هكذا، فهو يتمتع بالجسم نفسه والتركيبة البيولوجية ذاتها كباقي الأشخاص من جنسه، حتى إن العديد من هؤلاء هم من مثليي الجنس، إذ يؤكدون أنهم قاموا باتخاذ القرار لتحديد هويتهم الجنسية هذه.

يبرز منهم كاتب العمود في صحيفة “الواشنطن بوست” مثلي الجنس براندون أمبروزينو، فهو أكد أنه اختار المثلية الجنسية، وأوضح أن الإنسان لا يولد هكذا بل هو يتأثر بمحيطه وبالتربية التي يتلقاها. بالنسبة إليه، على الإنسان أن يقوم بما يُسعده وما يفضّله، وهو فسّر خياره الجنسي بأنه يفضّل الجنس مع الرجال أكثر من النساء، ولهذا أعلن أنه مثلي الجنس.

الأمر نفسه يحصل عندما يختار أحدهم المثلية الجنسية بما أن أحد أقربائه في العائلة هو كذلك. قد تكون المسألة هنا تأثّراً بالمجتمع والبيئة المحيطة، ولكن الخطوة الأخيرة المعلِنة عن المثلية الجنسية، جاءت من خلال القرار الذي قام به الشخص، ويتأكد هذا القرار يومياً مع التصرفات التي يقوم بها ويعبّر من خلالها عن مثليته، خلافاً لمن هم مثليو الجنس ولكن متزوجين من الجنس الآخر، مراعاة للضرورات الاجتماعية وخوفاً من النبذ المجتمعي.

اللبنانيون بين مؤيدين ومعارضين

يرى المواطن ج. سلحاني أن مثليي الجنس يكونون كذلك منذ ولادتهم، معتبراً أنه من السخافة القول إن المسألة نتاجُ قرارٍ شخصي. وعما إذا كان مع أو ضد المثلية الجنسية، يعتبر أن المسألة أصلاً موجودة مهما كان رأي الشخص، فعلينا أن نتقبّلَها أو أن نوهم أنفسنا بأنها غير حقيقية، إذ إن القوانين المانعة لها مضحكة وتعود بنا إلى العصر الحجري، فمثلي الجنس هو إنسانٌ مثلنا في نهاية المطاف. توافقه الرأي الشابة ملكة خانات بالنسبة لعلاقة المثلية الجنسية بأصولٍ بيولوجية، وتعتبر أن هناك عوامل نفسية أيضاً مرّ بها الشخص منذ طفولته كالتحرش الجنسي مثلاً قد تؤدي لمثليته. كذلك يرى الشاب طه ألا أحد يختار أن يتعرض للتمييز في المعاملة، ويؤكد أنه مهما كان السبب علينا أن نقف بجانب مثليي الجنس لأنهم لم يختاروا هكذا هوية لهم.

من جهته، يجمع مايكل إسحاق الأسباب ويقول إنها تعود لخيارٍ يقوم به الشخص ولعواملَ اجتماعية، وأحياناً بيولوجية، فيما يجزم محمود حجازي أن الأمر قائم على خيارٍ شخصي ولا يمكن أن يكونَ حالةً تولدُ مع الإنسان، وإذا كان الأمر بيولوجياً فيجب اعتباره مرضاً وعدم تقبّله. يعزو رفضَه للمثلية الجنسية في لبنان إلى أنها مثيرة للاشمئزاز، مشيراً إلى أننا خُلِقنا ذكوراً وإناثاً والعلاقة يجب أن تكون بين الجنسَين، مستبعداً اعتبارها قانونية بما أننا في بلدٍ عربي متديّن بالإجمال.

ملكة هي أيضاً ضد المثلية الجنسية لكنها تدعم المثليين معتبرة أننا “يجب مساندتهم لأنهم أشخاص لم يختاروا أن يكونوا هكذا والتخفيف من معاناتهم النفسية، لكنها تعبر عن رفضها لتشريع المسألة، لأن تشريع تصرف يُعتبر مرفوضاً من المجتمع يشجع على المطالبة بتشريع ظاهرة أخرى مرفوضة وتعم الفوضى”.
لكن مايكل يشير إلى أن المثلية الجنسية أمرٌ لا يمكن صاحبه السيطرة عليه وهي أصلاً شكلٌ من أشكال الحرية الشخصية، لهذا لا يمانع تشريعَها في لبنان، لكنه يستدرك بالقول إنه من الصعب لهذه المسألة أن تصل إلى مجلس النواب اللبناني، بما أنه لا يوجد أي حزب قد يضحي بعدد أصواته لسنّ قانون يصب لصالح المثلية الجنسية، هذا عدا عن رفض الأديان لها. من جهته، يشير الشاب طه إلى أنه ليس بالضرورة دعم المثلية الجنسية للمطالبة بحقوق المثليين جنسياً، فأنا لا أدعمهم ولكن في الوقت نفسه لا يمكنني أن أكون عثرة أمام حريتهم ومساواتهم مع الآخرين.

على القانون أن يواكب التطور: المثلية الجنسية ميلٌ طبيعي!

لا يجوز أن تُطَبّق المادة 534 من قانون العقوبات اللبناني على مثليي الجنس في لبنان، خصوصاً أنها تذكر عبارة “على خلاف الطبيعة”، يوضح المدير التنفيذي لـ”المفكرة القانونية” المحامي نزار صاغية لـ”النهار”، مشيراً إلى أنه في ظل التطور التكنولوجي والطبي، تبين أن المثلية الجنسية ليست مرضاً بل هي ميلٌ طبيعي عند الإنسان، الأمر الذي يحتّم رفض المادة 534 التي تنص على أن كل مجامعة على خلاف الطبيعة يعاقَب عليها بالحبس حتى سنة واحدة.

يشرح صاغية أن “على قانون العقوبات أن يكون دقيقاً في تعابيره، من هنا عدم جواز هذه العبارة، وهي أصلاً تتنافى والمعاهدات الدولية المتعلقة بالحقوق المدنية عند الإنسان” لافتاً إلى أننا “ندافع عن أشخاص مثليي الجنس أمام المحاكم، فالتفويض الذي يعطيه المشرّع للقاضي يجب أن يواكب تطور المجتمع والعلم”، ومستشهداً بالتقدم الحاصل في ما يتعلق باحترام حقوق المثليين جنسياً عبر الحكمَين الصادرَين عن القاضي الجزائي في البترون في 3-12-2009 والقاضي الجزائي في المتن في كانون الثاني 2014، اللّذين يدلان أن المثلية الجنسية ليست خارج الطبيعة.

ويدعو صاغية عبر “النهار” إلى “عقلنة الموضوع والتخلي عن الأحكام المسبقة، إذ لا يجوز معاقبة أحدهم بسبب ميوله الجنسية”، ويؤكد أن هناك تقدّماً في لبنان في ما يتعلق بالمسألة على صعيد التطور الذهني، ذاكراً التقرير الذي قدّمه للأمم المتحدة اتحادٌ يضم أكثر من 60 جمعية داعمة للمثليين جنسياً يعدد فيه الانتهاكات بحقهم ويطالب بإلغاء المادة 534، والقرارات على صعيد نقابة الأطباء ووزارة العدل، خصوصاً لناحية إلغاء الفحوصات الشرجية كونها انتهاك لكرامة الانسان، “إذ هناك عملٌ حقوقي يحصل والأمور إلى تطوّر” يستنتج صاغية.

النهار

التعليقات مغلقة.