وتوالت القذائف على الخندق والتل , ووجد المدافعون أن المقاومة من الخندق وأعلى التل لا تجدي نفعاً, فقرروا التوجه إلى القرية والمقاومة من سطوح المنازل والكوى ومن على درج المنازل المصنوعة من الطين واللبن, وحمل الجرحى إلى أقرب بيت, وهو بيت محمود جمو. لكن اشتداد القصف واقتراب الجيش التركي من ثلاث جهات أسقط القرية في أيديهم. حصل هرج ومرج ولم يعد هناك مجال لتنظيم المقاومة والدفاع عن القرية, وسارع البعض في الهرب نحو الجنوب للاختباء بين حقول القمح, مع شروق الشمس كانت القوات التركية قد دخلت القرية وبدأت تقتل كل من تصادفه, وفتشت القرية بيتاً بيتاً.
حاصدة فوقاني قرية تقع على الحدود السورية التركية مباشرة, وتبتعد عن مدينة القامشلي غرباً مسافة حوالي 20 كم, وعن مدينة عامودا حوالي 10 كم, وكانت القرية في ذلك الوقت تتألف من حوالي 70 منزل يقطنها أكثر من 80 فلاح و 7 ملاكين, وكان لديهم ما ينوف على 100 بندقية. وكان مختارها السيد محمود على دلي, وجميعهم من عشيرة الميرسينيا.
هذه القرية تعرضت لمجزرة من المجازر التركية الطورانية في 1926 م في أواخر شهر أيار, حين رجعت كتائب من الجيش التركي بعد أن نفذت مجزرة آل قمش 1926 م, ووصلت إلى مدينة نصيبين ظهراً. ثم توجهت ليلاً باتجاه مدينة ماردين بعد منتصف الليل, كان هناك عدد من رجالات الأكراد ” أبناء تمو كوري من آغاوات “حبزبنيا”, وتوفو آغا المعروف بأبو القرنين من آغاوات ديرقريا, وحسو شمدين وعدد من الرجال “.وكانوا عائدين من بعض القرى التي تقع شمال الخط الحديدي الفاصل بين سوريا وتركيا.
وصدف أن تلاقوا مع طلائع الجيش التركي المتوجه نحو ماردين, وفي مكان يقع شمال قرية حاصدة فوقاني, حدث اشتباك بسيط بينهم وبين الكتائب التركية قرب جسر حاصدي” الواقع الآن في الأراضي التركيّة”, وعندما تبين لهم ضخامة الجيش التركي انسحبوا جنوباً ودخلوا قرية حاصدة, ثم تابعوا مسيرتهم باتجاه الجنوب نحو قرية كري موزا ودمدم, لكن الجيش التركي توقف هناك ثم بدأ يغير اتجاهه وتحرك نحو قرية حاصدة, على أساس أن الذين اعترضوهم هم من أهالي قرية حاصدة, فاستعدوا لغزوها. وقسموا قواتهم للهجوم على القرية من ثلاث محاور” من الشمال والغرب والشرق “, وبدأوا عند الفجر بضرب القرية بالمدافع ” دون أن يتأكدوا من الجماعة التي اعترضتهم هل هم من أهل القرية “.
وتوضح لأهل القرية بأن الجيش التركي يتوجه نحو القرية بحجة تعقب أولئك الرجال الذين اشتبكوا معهم ليلاً. وهناك تشاور أهل القرية من ملاكين وفلاحين والمختار, وقرروا المقاومة, فحملوا أسلحتهم واحتلوا الخندق الموجود خصيصاً للدفاع, وهو خندق محفور في القرية إلى قمة التل المشرف على القرية شمالاً, وعليه راقم بارتفاع 8 م , ولكن بعد اشتداد القصف المدفعي ووضوح ضخامة الجيش التركي تراجع عدد من أهالي القرية وجهزوا أنفسهم مع دوابهم, وانسحبوا من القرية باتجاه الجنوب, واختبئوا بين حقول القمح والشعير.
وصل إلى أعلى التل ستة من المدافعين وهم المختار محمود دلي وأخوه الصغير حسين دلي, وقد كان حسين دلي مختار قرية كوردو جنوب حاصدة على مسافة 12 كم, وقد كان في زيارة لأخيه محمود تلك الليلة ليمنحه أخوه محمود ” زبار “فلاحو القرية ” لكي يقوم بحصاد الشعير في قرية كوردو قيل قدوم الجراد الآتي من الجنوب, فيصيب حقول كوردو قبل حقول حاصدة, وكان من هؤلاء الفلاحين عيسى خراب باباني وأحمد علو قطو.
كما احتل الخندق الأعلى محمد شيخي علو ومحمود أسعد, وعلى أساس أن يلتحق بقية المدافعين, لكن أحد جنود الاستطلاع التركي كان قد وصل إلى مسافة قريبة من التل ولاحظ بوضوح أهل القرية يحتلون الخندق حتى أعلى التل, فأطلق طلقة باتجاه احدهم فأصيب وهو محمد شيخي علو.
وتوالت القذائف على الخندق والتل , ووجد المدافعون أن المقاومة من الخندق وأعلى التل لا تجدي نفعاً, فقرروا التوجه إلى القرية والمقاومة من سطوح المنازل والكوى ومن على درج المنازل المصنوعة من الطين واللبن, وحمل الجرحى إلى أقرب بيت, وهو بيت محمود جمو.
لكن اشتداد القصف واقتراب الجيش التركي من ثلاث جهات أسقط القرية في أيديهم. حصل هرج ومرج ولم يعد هناك مجال لتنظيم المقاومة والدفاع عن القرية, وسارع البعض في الهرب نحو الجنوب للاختباء بين حقول القمح, مع شروق الشمس كانت القوات التركية قد دخلت القرية وبدأت تقتل كل من تصادفه, وفتشت القرية بيتاً بيتاً.
ونهبوا البيوت حتى لم يتركوا شيئاً ذات قيمة, حتى وجوه الأسرة والستائر ودخلوا المسجد وكان عند بابه رجل فقتلوه في المسجد. وكان إمام القرية ملا حامد ملا عبد الرحيم ومعه 7 فقهاء يأخذون الدروس الدينية في المسجد, فقتلوا جميعاً بالحراب والرصاص, وأحمرت جدران الجامع من الداخل بدمائهم , وكانت هناك امرأة على سطح دارها تصرخ وتولول وهي نورة سليمان. فأطلقوا عليها النار فماتت, ودخلوا بيت محمود جمو ولم يكن فيها إلا جريح واحد وهو محمد شيخي علو وعنده زوجته نورة خلو تراقبه وتخدمه, وأمه فاطمة حسن, فأطلقوا النار عليهم حيث قتل الجريح وأصيبت نورة خلو في كتفها وفاطمة حسن في يدها.وكان مختار القرية وأخوه قد اختبئا في بيت مهجور عائد لصالح خنسة, وبعد أن التقى الجنود القادمون من المحاور الثلاث وقتلوا من صادفهم في تمشيطهم للقرية. استراحوا في الوسط وعلى رأسهم قائدهم. وكان البيت المهجور حي اختبئ فيه الأخوان في مواجهة تلك الساحة. وراحا يراقبان الجنود من كوة صغيرة, فخرج حسين الأخ الأصغر من البيت وتوجه إلى الضابط على أمل التفاهم معه بأن يتركوا القرية. وأن أهلها لم يعترضوا الجيش التركي, لكن الضابط التركي أمر جنوده بقتله, فانهال عليه وابل من الرصاص, عندها خرج أخوه محمود أيضاً, فأطلقوا عليه 7 طلقات لكنه بقي حياً مدة يومين ثم توفي.
بعد ان انهى الجنود النهب والسلب والقتل غادروا القرية مخلفين ورائهم 21 جثة بينهم امرأة واحدة, وثلاث جرحى هم عيسى منيرجي, فاطمة حسن ونورة خلو.
وبعد انسحاب الأتراك من القرية خرج أهالي حاصدة المختبئين في حقول القمح وعادوا إلى القرية, وارتسم على وجوههم ندم كبير لأنهم لم يستطيعوا المقاومة في وجه القوات التركية لعدم التكافؤ في قوى الطرفين.
نشرت هذه المادة في العد (48) من صحيفة Buyerpress تاريخ 1/8/2016
التعليقات مغلقة.