دعوا ظاظا يرقد بهدوء ..!!

176
علي شمدين
علـي شـمـديـن

كيف إذاً تجرأ هؤلاء من الوقوف اليوم وجهاً لوجه أمام ضريح نور الدين ظاظا مع إنهم كانوا قد ترددوا من قبل ولأكثر من مرة إلى هذه الأصقاع دون أن يبادر إلى ذهنهم زيارة هذا الضريح ؟! ترى هل جاؤوا بعد مرور ما يقارب النصف قرن من الزمن على اغتياله، ليقدموا له الاعتذار على ما ارتكبوه بحقه من إثم ؟! أم إنهم جاؤوا نادمين ليعلنوا التزامهم بفكره السياسي في كتابة دستورهم العتيد لسوريا الجديدة وصياغته وفقاً لمنهجه الواقعي الذي اغتالوه معه من دون أن يرفّ لهم جفن؟!

لقد أثارت زيارة أعضاء من قيادة المجلس الوطني الكردي في سوريا ضريح الدكتور نورالدين ظاظا في مدينة لوزان يوم الأربعاء 6/7/2016، موجة واسعة من التعليقات وعلامات الاستفهام حول دوافعها وأهدافها على صفحات التواصل الاجتماعي. هذه الزيارة وبحسب ما وصفها موقع ” يكيتي ميديا” فإنها جاءت على هامش الورشة التي نظمها المجلس الوطني الكردي في سوريا، لمناقشة دستور لسوريا وكردستان سوريا.

لاشك بأن مثل هذه الزيارات تمر عادة بشكل طبيعي من دون ضجيج، لابل تسجّل عادة في خانة الوفاء والتقدير للذين يتم زيارة أضرحتهم، ولكن بالتدقيق في سيل التعليقات التي كتبت حول أهداف هذه الزيارة والتساؤلات التي أثيرت حول دوافعها، يمكن بسهولة استنتاج الخلفية التي انطلقت منها هذه الموجة من السخط والاستهجان، وهي أن المرحوم ظاظا الذي واجه في نضاله اغتيالاً سياسياً غادراً ووقع ضحية حملة شرسة من التخوين دفعته مرغماً إلى الانسحاب من الساحة السياسية ليعود من جديد إلى بلاد الغربة ليدفن هناك بصمت بناءً على وصيته الصارمة التي ترفض نقل جثمانه إلى وطنه وتمنع الذين ساهموا في اغتياله من زيارة ضريحه، كردّة فعل منه تجاه تلك المؤامرة التي استهدفت دوره التاريخي في رسم مستقبل الشعب الكردي في سوريا، وقيادته إلى مصير أفضل مما هو عليه الآن من تشتت وتشرذم وضياع. لاشك إن البعض من أعضاء الوفد قد شملتهم هذه الحملة ظلماً مثل السيد طاهر سفوك، وهم الذين ليس فقط لم ينخرطوا في حملة التخوين تلك ضد ظاظا، وإنما كانوا معه ضحية لها ودفعوا من بعده ضريبة قاسية لمجرد انتمائهم لمدرسته السياسية الواقعية واتباعهم لنهجه الموضوعي، كما إن البعض الآخر منهم ولصغر سنهم أو لأنهم لم يولدوا بعد آنذاك، فهم لم يعاصروا شخصياً تلك اللعبة المفبركة التي نجحت مع الأسف في تصفية شخصية كاريزمية دافعت بعناد عن استقلالية قرار الحركة الكردية في سوريا وحافظت بموضوعية على خصوصيتها القومية، وقادتها بواقعية على طريق التحرر والانعتاق من نير الظلم والاضطهاد، وهؤلاء أيضاً لا يتحملون بالطبع وزر ممن سبقوهم في هذا المجال. لاشك أن الحملة تستهدف تحديداً أولئك الأعضاء من الوفد الموقّر، الذين شاركوا شخصياً وبسابق تصميم وإصرار في جريمة الاغتيال السياسي الغادرة التي نفذت بحق ظاظا، لابل أمضوا سنوات طويلة من عمرهم السياسي ومازالوا في محاربة تلامذته وملاحقة حاملي نهجه وفكره السياسي باتهامات مسمومة واشاعات قاتلة، هؤلاء تحديداً هم الذين قصدهم ظاظا في وصيته.
كيف إذاً تجرأ هؤلاء من الوقوف اليوم وجهاً لوجه أمام ضريح نور الدين ظاظا مع إنهم كانوا قد ترددوا من قبل ولأكثر من مرة إلى هذه الأصقاع دون أن يبادر إلى ذهنهم زيارة هذا الضريح ؟!

 ترى هل جاؤوا بعد مرور ما يقارب النصف قرن من الزمن على اغتياله، ليقدموا له الاعتذار على ما ارتكبوه بحقه من إثم ؟!

 أم إنهم جاؤوا نادمين ليعلنوا التزامهم بفكره السياسي في كتابة دستورهم العتيد لسوريا الجديدة وصياغته وفقاً لمنهجه الواقعي الذي اغتالوه معه من دون أن يرفّ لهم جفن؟!

أبداً لم تشهد زيارة هؤلاء لهذا الضريح المقدس أيّ من هذه التوقعات مع الأسف الشديد، وإنما كانت الزيارة مجرد خطوة استعراضية هي أقرب في دلالاتها إلى زيارة الجنرال الفرنسيّ “غورو”  لقبر صلاح الدين الأيوبي في دمشق، فقد اقتصرت الزيارة – وبحسب يكتي ميديا – على قراءة الفاتحة على نهاية هذا الرمز التاريخي ليس إلا، وجاءت كذلك متزامنة مع الاحتفالات التي أقامها هؤلاء في الرابع عشر من حزيران المنصرم بمناسبة مرور تسعة وخمسين عاما على تأسيس الحزب الذي ترأسه ظاظا، في محاولة غير موفقة منهم للاستيلاء على إرثه السياسي واختطاف تاريخه النضالي من دون وجه حقّ.

*عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا

نشر هذا المقال في العدد (47) من صحيفة Buyerpress تاريخ 15/7/2016

11165113_541958725977071_7059124043412540130_n117

التعليقات مغلقة.