الأحزاب الانشطارية الكردية

44
لقمان يوسف
لقمان يوسف

“لكن الملفت للنظر، وللمتابع لمسيرة الحركة الكردية، يبدو جلياً له خلال العقد المنصرم ازدياد وتيرة الانشقاقات ليصل بعدد الأحزاب الكردية إلى الأرقام القياسية في وقتنا الحاضر.!. فالبارتي الذي يؤمن بنهج البارزانية انشطر إلى عدة أحزاب وكلها تدعو إلى السير على النهج المذكور. أما اليسار فقد تحجج أبطال انشقاقاته وتشرذمه بأن رفاق الأمس دفعوا بالحزب إلى الانحراف عن مساره الماركسي اللينيني، بل ووصل المطاف بهم إلى التخوين والعمالة. أما اليمين فلأبطال تشرذمه حجج أخرى، الهدف المخفي منها إقناع الشارع الكردي ليجدوا لهم موطأ قدم فيه، فانشطر أيضاً إلى كمٍ من الأحزاب بعناوين براقة”.

ليس بخافٍ على أحد من أبناء الشعب الكردي، والمهتمين بقضيته أنه ومنذ تأسيس وانطلاقة الحركة الكردية في سوريا والانشقاقات تلازمها، وكان هذا من العوامل السلبية التي أثرت في مسيرتها، بل وكان السبب الرئيس في ضعفها .وليس بخافٍ على أحد أن الأسباب الظاهرة والمخفية في أغلبها بسبب النزعات الشخصية والحساسيات الموجودة بين أعضاء القيادة، بغض النظر عن خلفياتهم ودوافعهم وارتباطاتهم المشكوك فيها أحياناً كثيرة.

لإلقاء نظرة على مسيرة الحركة الكردية في سوريا يتبين من خلالها أنه ومنذ الستينيات من القرن الماضي قد بدأت ظاهرة الانشقاق تفتح طريقها إلى الحركة الكردية، ففعلت فعلها بأول حزب كردي لتحوله إلى أكثر من حزبين، وبذلك مهّدت الطريق أمام الانشقاقات، بل أمام تأسيس أحزاب جديدة أبطال أغلبها من مؤسسي الحركة، وكان مبررهم عدم تماشي الأفكار التي تأسست عليها القديمة مع الواقع الجديد، فتفرغت هذه القيادات للانشقاقات وتأسيس أحزاب بمسميات لا تنطبق على الواقع: كالوحدة والاتحاد، الشغيلة، الشيوعي الكردستاني، واليساري…الخ. متناسين أو متجاهلين بأن أي حزب ما هو إلا مؤسسة لها قاعدتها الجماهيرية وتأخذ شرعيتها من هذه الجماهير، فانشطرت هذه الأحزاب فيما بعد وخاصةً مع اشتداد القبضة الأمنية في البلاد وتطبيق المشاريع العنصرية بحق الكرد والمناضلين في صفوف الحركة. فتحول اليسار إلى عدد من الأحزاب وكل حزبٍ مولود لا يختلف عن سلفه وكذلك اليمين والوسط. لكن الملفت للنظر، وللمتابع لمسيرة الحركة الكردية، يبدو جلياً له خلال العقد المنصرم ازدياد وتيرة الانشقاقات ليصل بعدد الأحزاب الكردية إلى الأرقام القياسية في وقتنا الحاضر.! فالبارتي الذي يؤمن بنهج البارزانية انشطر إلى عدة أحزاب وكلها تدعو إلى السير على النهج المذكور. أما اليسار فقد تحجج أبطال انشقاقاته وتشرذمه بأن رفاق الأمس دفعوا بالحزب إلى الانحراف عن مساره الماركسي اللينيني، بل ووصل المطاف بهم إلى التخوين والعمالة. أما اليمين فلأبطال تشرذمه حجج أخرى، الهدف المخفي منها إقناع الشارع الكردي ليجدوا لهم موطأ قدم فيه، فانشطر أيضاً إلى كمٍ من الأحزاب بعناوين براقة”.

اما بالنسبة للأحزاب الحديثة التأسيس نوعاً ما فقد اصبحت مثل الفرق الرياضية في الأحياء الشعبية، فعلى إثر خسارة مباراة أو خلاف مع المدرب تلجأ إلى تشكيل فرق جديدة!

فالشغيلة انشطر إلى أحزاب ممثلة للشغيلة وكل حزب يدّعي بانه الممثل الوحيد للعمال والفلاحين، والأمل معقود عليه لتحصيل حقوقهم المهدورة. وتيار المستقبل إلى تيارين وكلاهما يسبح ضد التيار الذي أنشأه المؤسس الأول. أما بخصوص البقية وللأسف فهي بالإضافة إلى عدم امتلاكها للقاعدة الجماهيرية، فأن أغلب هيئاتها الحزبية شاغرة لعدم وجود الأعضاء، بل أن البعض من هذه الأحزاب تقتصر على عضوية السكرتير فقط!

يبدو أنه في السابق كان من مستلزمات تأسيس الحزب وجود آلة كاتبة، سكرتير وجريدة ناطقة باسم الحزب، لينفذ إلى وسط الجماهير. أما اليوم فوسائل الاعلام المختلفة والانترنيت زادت من سرعة تأسيس الأحزاب واشتهارها.

لا شك أن هذه الحالة البائسة للحركة الكردية في سوريا جعلت منها فريسة سهلة بيد أعدائها وموضع السخرية  لدى العديد من أبناء الشعب الكردي، فباتوا ينظرون إليها مثل الاعشاب الضارة في حقول القمح التي تؤدي بالنتيجة الى ضعف الإنتاج. هذه الحالة ألحقت الضرر الجسيم بقضية الشعب الكردي، خاصةً منذ انتفاضة قامشلو عام 2004 ومروراً بمرحلة الثورة السورية التي اندلعت عام 2011لتصبح بوضعها الهزيل إلعوبة بيد النظام والمعارضة على السواء. والذي يحزَ في النفس، وعوضاً عن اللجوء إلى الوسائل التي من شأنها وضع حد لهذه التشرذمات والانشقاقات فان المجلسين الكرديين أمَنا لهذه الأحزاب الناشئة الملجأ الآمن وقبولها أعضاء بينها لغايةٍ ليس إلا، وهذا ما شجع غيرهم بالتفكير في إنشاء أحزاب مشابهة مستقبلاً، وفعلا بدأنا في الآونة الاخيرة نسمع من البعض وهو يمهد الطريق لإعلان أحزاب جديدة أو هي قيد الصنع.

هذه الحالة المأساوية تنذر بالعواقب الوخيمة وليس مستغرباً أن تنتشر العدوى وتصيب العائلات لتفكر هي بدورها في إنشاء أحزاب عائلية خاصة وبنتيجتها تتجه نحو التفسخ ويتم القضاء على صلات الرحم التي طالما حافظت على تماسكها.

وأخيراً لا بد من اقتراح، لعلّ أصحاب الضمائر الحية يأخذوا بها وهو التفكير في الانضمام إلى الأحزاب الموجودة  فعلياً على الساحة والمشابهة لنهجها مثلما فعل كل من حزبي آزادي ويكيتي الكردستاني عندما توحدوا مع البارتي وأنشأوا الـ(الكردستاني- سوريا) مؤخراً، هكذا خطوات اندماجية ستتحول لرفع شأن القضية الكردية وستكون لها مكانتها واحترامها بين الجماهير.

نشر هذا المقال في العدد (45) من صحيفة Buyerpress

تاريخ  15-6-2016

مقالات

التعليقات مغلقة.