عجائب الطقوس عند الأدباء

24

ميسّرات الإبداع أحيانا لا يمكن تفسيرها بشكل دقيق فهي نزوع نحو الفنتازيا والميتاغرائبي والمبالغة في بعض الأحيان مثلما يريد أن يصورها البعض.

_607
وارد بدر السالم

يسمونها في علم النفس “ميسّرات الإبداع”، هي كل لحظة غريبة وغير معقولة أو ربما غير مألوفة ولا منطقية يلجأ إليها الكاتب لتمرير أفكاره في اختراع طقس الكتابة. هذه الميسّرات الغريبة والطارئة على حياة الكاتب هي التي تجعله على تماس مع “شيطان الكتابة” الإبداعية، مع أن الكثير منها سيبدو غريبا وعجائبيا فعلا إلا أنه في النتيجة يظل ذا طبيعة شخصية فردية يتحول فيها الكاتب إلى كائن آخر بغرابة أطواره واستثنائيته الاجتماعية وهو يتوسع في عالم الخيال والكتابة ليكوّن طقسا شخصيا لا يشبهه طقس باختلاف نوازع الكتّاب وأمكنتهم وأزمنتهم.

ميسّرات الإبداع نعتقدها لحظة مصالحة مع الذات في ظرف الكتابة وخيالها وشيطانها الإبداعي، وهي اللحظة غير المخطط لها أثناء الكتابة الإبداعية مثلما نعتقدها لحظة خارجة عن زمنيتها الطبيعية وداخلة في زمنية شخصية للكاتب. فإن كان نزار قباني لا يكتب إلا على أوراق ملونة أنيقة ومثله ألكسندر دوماس الابن لكن بطريقة لافتة فهو يكتب على الأزرق للرواية الخيالية والوردي للمقالات والأصفر للشعر، فهذه أمزجة شخصية توفر الكثير من جماليات اللحظة وترسم أناقتها قبل الشروع في الكتابة، على أنّ شيطان الجواهري الشعري لا يأتيه إلا في “الحمّام” وهو يغني المقامات العراقية. وهي لحظة استرخاء تام كما يبدو!

شيطان الشاعر الجاهلي كان يقع تحت تأثير المثيولوجي والطوطمي فقد كان أبوتمام مثلا يسكب الماء على تراب خيمته الحارة وينادي شياطين شعره “أخوكم أخوكم” وكان المتنبي يصوغ شعره على إيقاع خطواته وللفرزدق قول مأثور في عذاب الكتابة “إن خلْع ضرس أهون عليّ من قول بيت من الشعر في بعض

الأوقات..”، وكان يركب ناقته ويطوف منفردا في شعاب الجبال والوديان والأماكن الخربة.

ميسّرات الإبداع أحيانا لا يمكن تفسيرها بشكل دقيق فهي نزوع نحو الفنتازيا والميتاغرائبي والمبالغة في بعض الأحيان مثلما يريد أن يصورها البعض، فألبير كامو يكتب وهو واقف ودوستويفسكي يكتب بصوت عال حتى يحفظ روايته عن ظهر قلب وماركيز يرتدي لباس الميكانيكي أثناء الكتابة وفيكتور هوغو يكتب وهو عارٍ من الثياب ودان بروان يعلّق نفسه بالمقلوب وإدغار آلان بو يضع قطة على كتفه حين يكتب، وجميس جويس لا يستطيع الكتابة إلا إذا كان على سفينة تغرق، بل كان أحيانا يقدم رشاوى إلى بعض قباطنة السفن ليجعلوا سفنهم ترتطم بالصخور أو تقارب وضع الغرق حتى يتمكن من الكتابة!

وهناك عيّنات أخرى جمعتها تشي بالنادر الغريب من هذه الميسرات الفريدة، تكشف الكثير من الطقوس العجائبية، فمثلا يقال إن فيرجينيا وولف لا تكتب إلا إذا كان إلى جانبها قفص يحوي رجلا يرجوها أن تطلق سراحه وكانت تجيبه “أبدا” وتتابع الكتابة.

أما ستندال فيقرأ صفحة من الدستور الفرنسي قبل الكتابة وبلزاك ينتقل بين عشيقته في الغرفة المجاورة وبين والقهوة وهو يكتب وشارلوت برونتي كأنها تكتب بإبرة أو برموش عينيها، فخطها صغير أنيق دقيق كأنه ذرات متلاصقة، وعندما ضعف بصر الدوس هكسلي ظل يغمس أنفه في الحبر ويكتب بأنفه، وجان كوكتو كان لا يكتب إلا بعد أن يضع على منضدته كأسا مقلوبة على عقرب حية. والظريف أنّ هنري إبسن يضع أمامه صورة لعدوه الأديب سترندبرج بالمقلوب وهو يقول “يجب أن تظل هكذا مشنوقا تتعذب وأنت تراني أكتب”.

أما شيلر فقد كان يضع تفاحة في درج مكتبه ويتلمسها كل فترة ويشم رائحتها ثم يمضي في الكتابة، لكن جورج صاند كانت لا تكتب إلا وهي تمارس الجنس مع أكثر من شخص لتستوفي طاقة خلاقة في الكتابة!

كاتب من العراق – العرب اللندنيّة

 

التعليقات مغلقة.