“حمراء طويلة”.. وطن معلّب في “باكيت” دخان

98

دخان

في جيب قميصه “هويتان” هوية كسرها له المحقق “سومر خير بيك” في فرع المخابرات الجوية بحجة خيانته وعدم ولائه للوطن مع بدايات الثورة السورية هي “هويته الشخصية”، أما “هويته” الثانية فباكيت “الحمراء الطويلة” التي دأب على تدخينها منذ عام 1988 كما يقول اللاجئ السوري في لبنان “أحمد شحادة”. 

هو لا يحفظ الرقم الوطني لهويته الأولى كما يقول، لكنه يؤمن أن هويته الثانية قد صنعت فعلا من أفخر أنواع التبوغ، شأنه في ذلك شأن عشرات الآلاف من مدخنيها من اللاجئين السوريين هنا في لبنان.

هو لم يدخن غيرها منذ أن بدأت صداقته بها، وخصوصا أنها لحقت به وسبقته إلى بقاليات لبنان ودكاكينها لتزين رفوفها بقامتها الحمراء وطولها الفاخر.

يقول “رائد الفليطي” صاحب “سوبر ماركت” لبنانية: “لاتزال الحمراء الطويلة هي الأكثر مبيعا على الإطلاق من بين ماركات الدخان التي في لبنان بالنسبة للمدخنين السوريين، وقد دفعنا لإحضارها من سوريا طلائع اللاجئين السوريين الذين دخلوا لبنان أوائل الثورة السورية، ولاحظنا كبائعين وأصحاب محلات أنهم يصرون أن لا يدخنوا غيرها ولديهم شوق عارم لرؤيتها.

شوق بدا أعمق بكثير من عشق مدخن لسيجارة، عشق له نكهة أخرى، ربما كانت نكهة الحنين للإبقاء على جسر يربطهم ببلدهم الجريح، علما أن سعرها يعتبر مرتفعا إذا ما قورن بأنواع الدخان الأخرى إذ يصل سعر (الباكيت) منها نصف دولار وأحياناً أكثر.

دخاان

يضيف “الفليطي” بأنه يتم إحضار “الحمراء الطويلة” بكميات كبيرة من معامل التبغ في اللاذقية إلى بيروت ومن ثم يتم توزيعها على كافة المناطق والأقضية التي يعيش فيها السوريون، ويتم استيرادها بنوعيها “الحمراء القديمة” و”الحمراء الجديدة”، مشيرا إلى أن الإقبال على الحمراء القديمة يفوق بأضعاف الإقبال على الحمراء الجديدة.

ولم يحصل كما يؤكد “الفليطي” أن اختفت الحمراء من السوق اللبنانية أو تم احتكارها منذ دخول السوريين.

 *المؤيدون يصنعونها والمعارضون يدخنون

سيجارة الحمراء الطويلة التي سميت نسبة لمدينة “الحمراء” في الأندلس لا تنمو نبتتها كما يقول “أحمد شحادة” إلا في الساحل السوري أي اللاذقية وطرطوس وجبلة والقرداحة وهذه كلها مناطق مؤيدة للنظام.

ومع ذلك ظلت “الحمراء” فوق لعبة السياسة وحسابات الثورات، ولم يوقفها حواجز ولم يمنع ترحالها حدود أو حراسة، هي بالنسبة لـ”شحادة” رائحة الوطن، وطن يدخّنه أحمد كل صباح، ويسعله من ذاكرته، وطن لم يعد يراه إلا في “باكيت الحمراء”، وطن أبى نظامه الغاشم إلا أن يلون كل مدنه وبلداته باللون ذاته.  عبدالحفيظ الحولاني – زمان الوصل

التعليقات مغلقة.