هل تدوم سياسة أوباما بعد خروجه؟
لعقود طويلة كانت للولايات المتحدة سياسة تقوم على ثوابت في منطقة الشرقالأوسط، أعمدتها رفض المشروع النووي الإيراني، والالتزام بأمن إسرائيل،وتأمين سلامة مصدر الطاقة، أي نفط الخليج. لهذا واجهت واشنطن إيران تطالبهابأمرين؛ أن تقلع عن مشروعها النووي، وأن تتوقف عن نشاطاتها العدائية الخارجية.
وبنيت ثوابت السياسة على بعضها، فالمشروع النووي الإيراني يهدد أمن منطقةالخليج البترولية، وكذلك حليفتها إسرائيل، التي تهدد بشكل مستمر مصالحالولايات المتحدة.
لكن منذ وصول باراك أوباما للبيت الأبيض لم تتطابق سياساته مع الثوابتالأميركية المألوفة، هذا رأي عدد من السياسيين في منطقة الشرق الأوسط. وقدأحدث تبنيه سياسة مختلفة صدمة في المنطقة، بما في ذلك الخليج وإسرائيل،التي اعتبرت الاتفاق النووي مع إيران، وإطلاق يدها في المنطقة، تغييرًاخطيرًا في قواعد اللعبة، وتلومه على رفع وتيرة العنف وزيادة التسلح.
يبقى السؤال، هل السياسة الحالية خاصة بأوباما، تعبر عن رؤيته للعالم، أمأنها تعبر عن تحول استراتيجي في واشنطن؟ وقد سبق لأوباما أن تحدث عن هذاالتحول أكثر من مرة، قال إن بلاده لم تعد ترى منطقة الشرق الأوسط مهمةللولايات المتحدة، وأنها ستتجه بشكل أكبر نحو خدمة مصالحها العليا في منطقةالمحيط الهادي، باتجاه الصين وجاراتها.
فهل سيسير الرئيس، أو الرئيسة، المقبل للولايات المتحدة في درب أوباما،ويعزز مفهوم الانفصال عن المنطقة وقضاياها، أم أنه سيعود إلى سياسة الرئيسالسابق جورج دبليو بوش، ومن سبقه من الرؤساء الأميركيين، عندما كانت واشنطنتمنح نفسها دورًا أكبر في شؤون المنطقة؟
لم يبق وقت طويل لنعرف الحقيقة؛ حيث تنتهي ولاية أوباما بعد ستة أشهرتقريبًا، ويسلم حينها مفتاح البيت الأبيض وملفاته، وبينها منطقة الشرقالأوسط، التي تدور في أرجائها رحى حروب أربع في الوقت نفسه، وهو أمر لميحدث له مثيل منذ الحرب العالمية الثانية. كما أن الإرهاب، الذي نجحت إدارةأوباما في تصفية قياداته في البداية، بقتل أسامة بن لادن زعيم «القاعدة»،عاد وانتكس وانتشر أكثر مما كان عليه في السابق. ومع أن الرئيس أوباما ردد
أكثر من مرة بأن سياسته هي الخروج من حروب منطقة الشرق الأوسط ونزاعاتها،لكن الواقع يقول إنه لم يذهب بعيدًا. فبلاده تقود تحالفًا عسكريًا كبيرًا للحربعلى «داعش» في بلدين، العراق وسوريا، ولم تتوقف عن مقاتلة تنظيم القاعدة فياليمن من خلال منظومة حروب الدرون عن بعد. الواقع اليوم يقول إن موجباتالحضور القديمة لأميركا لم تتغير، النفط وإسرائيل والإرهاب.
وسبق للرئيس أوباما أن تحدث عن دافع رغبته في تقليص دور واشنطن في الشرقالأوسط، قال: إنه انتخب بناء على وعد للشعب الأميركي بأن يخرج بلاده منحروب المنطقة وقد فعل ذلك. وهناك دافع آخر، هو رغبته في إنهاء نزاعالولايات المتحدة مع إيران الذي تم على حساب الثوابت الأخرى. وقد اغتنمتإيران حرص أوباما على إنهاء الخلاف الطويل معها، فوسعت نشاطاتها السياسيةوالعسكرية العدائية ضد حلفاء أميركا، وصار الإيرانيون يملكون نفوذًا كبيرًاعلى العراق، وسوريا، ولبنان، وحاولوا فعل الشيء نفسه في اليمن لولا التدخلالعسكري السعودي الذي أطاح بانقلاب كان سيجيء بحكومة موالية لإيران.
وفي الأفق الرئاسي الأميركي احتمالان؛ دونالد ترمب وهيلاري كلينتون. الأوليصعب أن نعرف كيف يفكر سوى ما ردده من تصريحات انتخابية توحي بأنه ليسملتزمًا بسياسة أوباما، وعنده الاستعداد لتفعيل دور الولايات المتحدة منخلال شراكة براغماتية تخدم مصالح بلاده. أما كلينتون فإن مواقفها السياسيةتنبئ بأنها مستعدة للقبول بالتعاون مع إيران لكن بشروط أكثر صرامة.
وبحلول قدوم الرئيس الأميركي الجديد ستكون منطقة الشرق الأوسط حينها قدوصلت إلى مرحلة أصعب. فمفاوضات السلام السورية بين المتقاتلين يبدو أنهدفها تقليل المواجهات، والانشغال بمفاوضات لا قيمة لها حتى تنتهي فترةأوباما الرئاسية. وكذلك معارك العراق، التي تشارك فيها واشنطن ضد «داعش»،في الفلوجة حاليًا وربما الموصل لاحقًا، لن تقضي على الجماعات الإرهابيةإنما، هي الأخرى، من نشاطات الأشهر الأخيرة غير الحاسمة، وكذلك الحرب على«داعش» في سوريا. وبالتالي يترك أوباما للرئيس الذي يخلفه مائدة مليئةبالقضايا الخطرة المعلقة التي ستضطره إلى تبني دور أكبر، والعودة لتنشيطدور الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط.
الشرق الأوسط
التعليقات مغلقة.