محاكم لإعدام الصحافيين.. ما الجديد؟
العربي الجديد – Buyerpress
لا، ليس دقيقاً زعم كثيرين أن إصدار محكمة مصرية حكماً بالإعدام على أربعة صحافيين يشكل سابقة تاريخية. حدث مثل هذا، من قبل، مرّات عدة، وما إبراهيم هلال، مدير الأخبار السابق في قناة الجزيرة، وزملاؤه الذين أحال القضاء، في القاهرة، أوراقهم إلى المفتي، كي يجيز إعدامهم، إلا أبرياء جدد، على طريقٍ طالما كان فيها حبل المشنقة، أو الرمي بالرصاص، ناهيك عن التعذيب حتى الموت، عقاباً لمن يجرؤون على قول (أو كتابة) كلمة تخالف رأي السلطان، وتفضح موقفه.
القصة الأشهر، في التاريخ المعاصر، أو لنقل في القرن الماضي، عن الرد على الكلام بالقتل، تقول إن أديباً وصحافياً تشيكياً اسمه يوليوس فوتشيك، سيق من إحدى زنازين ألمانيا النازية، في زمن صعودها، وأُعدم شنقاً، فصارت مذكّراته التي كتبها خلف جدران السجن، وسرّبها مع أحد سجانيه، ثم نُشرت بعد موته، في كتاب حمل اسم “تحت أعواد المشنقة”، أحد أهم الشواهد على إحدى أشد الحقب ظلمةً في سيرة البشرية.
وإذ ظن العالم لاحقاً، أو توّهم، أنه تجاوز مثل هذه الويلات، بمجرد هزيمة النازية، ثم بأفول شمس الاستعمار القديم، في أواسط القرن الماضي، فإن العقود السبعة التي مرت منذ ذلك الزمن، ظلت تشهد الدليل تلو الآخر، ولا سيما في البلدان العربية، على أن السلطة ما انفكّت تتحسّس سلاحها، وفق تعبير جوزيف غوبلز وزير الدعاية النازية، بل تطلق النار، كلما سمعت من يحاول إعلاء صوت الإنسان على صوت الرصاص.
لذلك، اغتيل، على مدى الحقبة المشار إليها، عشرات الكتاب والأدباء والصحافيين، بالرصاص وبالسيارات المفخّخة، وبالقصف المدفعي والجوي المتعمد، من أنظمة الحكم العربية، ومن الغزاة الإسرائيليين في فلسطين، والأميركيين في العراق، ثم تبعتهم، على النهج نفسه، قوى التطرّف الديني، حتى باتت أسماء الضحايا المغدورين في عالم الصحافة أكثر من أن تُحصى، وبات دمهم يتفرّق بين كل سلطات وأحزاب وتنظيمات الفساد السياسي والديني والأخلاقي المنتشرة في طول أوطاننا وعرضها.
لكن الإضافة الجديدة التي أدخلها نظام عبد الفتاح السيسي على نهج محاربة الصحافيين تظل الأشد استدعاء لتاريخ النازية، كون السلطة تُسخّر القضاء هنا وسيلةً لقتل من لا سلاح لديهم سوى أقلامهم، وبدلاً من أن ترسل إرهابييها ليغتالوا أصحاب الكلمة بمسدساتٍ مكتومة الصوت، كما يفعل جهاز الموساد الإسرائيلي، أو بالبراميل المتفجرة، على طريقة النظام السوري، تتخذ قراراتٍ معلنةً بإعدامهم، بذريعة إساءتهم للأمن الوطني أو القومي، ولكأن البلاد ما زالت مُصانةً عزيزة الشأن، ولم تتحول إلى شبه دولة، بحسب ما قال رئيسها نفسُه، ولم تصبح عرضةً لانتهاكات أعدائها، أو رهينة لهم، وفق التصريحات المتعالية يومياً من تل أبيب.
وللإنصاف هنا أيضاً، فإن جرأة النظام المصري على إصدار أحكام قضائية بإعدام الصحافيين لا تعيد التذكير فقط بالسلوك النازي، وإنما تستدعي أمثلةً شبيهةً من زمننا الراهن، أبرزها أن “داعش” كان قد قطع رأس الصحافي الأميركي، جيمس فولي، ثم أتبعه بآخرين سواه، وطبعاً بموجب قراراتٍ أصدرها القضاة الشرعيون لـ “دولة الخلافة الإسلامية”.
بين الزعيم النازي أدولف هتلر والخليفة الداعشي أبو بكر البغدادي، يقف، إذن، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وهو يستخدم القضاء المصري مقصلة إرهابٍ لإسكات الصحافيين. وغير بعيدٍ عن الثلاثة، يقف رابعهم الرئيس السوري بشار الأسد، وأبوه من قبله، كما يصطف إلى جانبهم وخلفهم جميعاً طابور من القتلة المتنكرين بألبسةٍ معاصرة، وبجعجعةٍ فارغةٍ عن محاربة الإرهاب.
أما وجوه الاختلاف بين كل هؤلاء، فهي ليست في ما فعلوا، ويفعلون، بل في المواقف من جرائمهم؛ بعضهم يعلن الغرب حرباً عليه، لا هوادة فيها، وبعضهم يحظى بعلاقاتٍ ودية، لا تنفصم عراها، مع الإدارة الأميركية، وثمّة بينهم من يتواطأ المجتمع الدولي مع جرائمه، ويطالب ضحاياه بالتسليم ببقائه رئيساً إلى الأبد.
التعليقات مغلقة.